المعرِضُ الثالثُ والأخير .. بقلم/ حمود محمد شرف
أحدُ أصدقائي إعلاميٌّ مرموق، طلبت رأيَه في مقالتي السابقة التي نُشرت في هذه الصحيفة قبل أسبوعين، فقال لي: “مقالةٌ صحافيّة بنكهةٍ إذاعيّة، وهذا برأيي ما منحَها تميُّزاً لدى الكثيرِ من قُرّاءِ الصحيفة”.
بالنكهة ذاتِها ومن وراء “القلم” لا من وراء “الميكرفون” هذه المرة أيضاً سطّرت مقالتي هذه لأكشفَ لكم من خلالها سرّاً هاماً، هو سِرٌّ لم يعد خافياً على أحدٍ إذا ما تأمّلَ الواقع واستقرأَ الوقائع، لكنّه وللأسف الشديد ظلَّ سرّاً لم يتعرّف عليه حتى الآن الكثيرُ من الصامدين والصامدات في وجه العدوان، والسبب أنهم -ونظراً لانصراف أذهانهم بشعورٍ وبدون شعورٍ إلى زوايا ضيّقة- لا يكلّفون أنفسَهم التأمُّلَ وبشموليّة لحقيقة الواقع المتصدّع الذي بات يعيشُه اليوم تحالفُ العدوان ليتسنى لهم من خلال ذلك استقراء وقائعه وتطورات أحداثه في مساراتها المختلفة عسكريةً وسياسيةً واقتصادية وغير ذلك، ليصلوا بوعيهم وعلى نحوٍ من المقاربة بين كُــلّ ذلك إلى اكتشافِ السرِّ الذي لم يُعد لهم أيُّ عذرٍ يبررُ تأخرَهم في اكتشافه، وذلك لما يترتب -بعد اكتشافِه- على كُلِّ صامدٍ وصامدةٍ من نتائجَ، وكذا مسؤولياتٌ دينيّةٌ ووطنيّةٌ وأخلاقيّةٌ تستوجبُ قيامَه بها.
لو كنتُ الآن وأثناء كتابتي لهذا السطر أجلسُ خلفَ ميكرفوني الإذاعي لدعوت المخرجَ للذهاب بنا إلى فاصلٍ يستعرضُ لكم فيه جملةً من مقاطع الأرشيف الصوتية لأبرز تطورات الأحداث والمواقف السياسية والعسكرية والاقتصادية في الجانبين “اليمني” وَ”الأمريكي السعو إماراتي” خلال الأسابيع الماضية على الأقل!! لكن لا بأس، تعالوا هنا لنستعرضَ معاً وسريعاً بعضَ نتائج ذلك..
سياسياً: محمد عبدالسلام يصل إلى موسكو بدعوةٍ رسمية ليفاوضَ باسم صنعاء وكل اليمن، بينما “هادي” وحكومته لا يستطيعون العودةَ إلى عدن ناهيك عن صنعاء، مارتن غريفيث وفي إحاطته الأخيرة لمجلس الأمن يؤكدُ التزامَ سلطة صنعاء باتّفاق ستوكهولم وتنفيذها لأولى خطواته في الحديدة ومن طرف واحد، بينما يستمرُّ الطرفُ الآخرُ في استجداء موقفٍ أمميٍّ يؤيدُ مزاعمَه وادعاءاتِه حول ذلك..
اقتصادياً: الشعبُ اليمنيُّ يعيشُ ظروفاً اقتصاديّةً صعبةً؛ نتيجةَ العدوان والحصار وقرار نقلِه للبنك المركزي وقطعه للمرتبات في ظل استمرار نهبه للإيرادات والثروات، بينما يكادُ الشعبُ “السعودي” اليوم أن يعيشَ ظروفاً اقتصاديةً أصعبَ؛ بسبب “البقرةٍ الحلوب التي تدرُّ إلى أوعية حلفائهم من “رعاة البقر”..
عسكرياً وفضلاً على انعكاسِ المعادلات وامتلاك الجيش اليمني وقواته المسلحة لزمام المبادرة لزمام المبادرة.. القائدُ الأعلى للقوات المسلحة اليمنية المشير مهدي المشّاط يفتتحُ معرِضَ الرئيس الشهيد الصمّاد “الثاني” للصناعات العسكرية اليمنية، مزيحاً الستارَ عن “القدس” في “صنعاءَ”، بينما يذهبُ جزءٌ كبيرٌ من نفقات تحالف الحرب لإنشاء وافتتاح “متاحفَ” لحطام الأسلحة اليمنية التي كان لها شرفُ المشاركة في المعرِض “الأول” لصناعات اليمن العسكرية..
أضف إلى كُــلِّ ذلك ومعه وقبلَه قائداً ربّانياً عظيماً وفذّاً كالسيد عبدالملك بن بدرالدين الحوثي -يحفظه الله- والذي يتولى بنفسه في آنٍ واحد مهمةَ تكريس الوعي لدى شعبه وأمّته وشعوب العالم، وإدارة المعركة في كُــلّ الاتجاهات بنفسٍ طويل وكلِّ حكمةٍ واقتدار.. فهل عرفتم السرَّ الآن؟!
السِّــرُّ -وبكلِّ بساطة- هو أننا “انتصرنا” حتى الآن والحمدُ لله، ذلك بالتأكيد ما يكتشفُه كُلُّ من يتأمّل ويستقرئُ ويُقارِبُ كلّ ما سلفت الإشارةُ إليه، لكن السؤال الأهم هو: ما الذي نستنجُه اليوم من خلال ذلك؟ وما الذي يترتبُ علينا كصامدين وصامدات من مسؤولياتٍ دينيّةٍ ووطنيّةٍ وأخلاقيّة تستوجبُ قيامَنا بها؟
بدوري وكواحدٍ منكم أجيبُ وأقولُ: الواضحُ أن انتصارَنا حتى الآنَ وكشعبٍ يمنيٍّ كان نتيجةً لأمورّ عدّة، أبرزُها: صمودُ وثباتُ المجاهدين في مختلف جبهات القتال ومختلف جبهات المواجهة بتوكّلهم على الله وتسليمِهم للقيادة وتصميمِهم على قهرهم المستحيلَ وكسرِ هيبة الطغيان المصطنعة بالابتكار والتطوير والعمليات العسكرية النوعية، وكذا تماسك الجبهة الداخلية في وجه كُــلّ التهديدات والمخاطر بأنواعها وفي مقدمتها الأمنية والثقافية..، وعليه يبقى اندحارُ العدوان وهزيمتُهُ خلال المرحلة الحالية مرهوناً باستمرار تماسُكِ الجبهة الداخلية وباستمرار مرابطة المجاهدين في جبهات القتال أكثرَ من أيِّ وقت مضى، حيث سيتحقّــقُ بذلك -بإذن الله تعالى- إعلانُ العدوّ لاستسلامِه وهزيمتِه وإنْ من على منصّة المفاوضات السياسية الجارية والتي سنخرجُ منها بإذن الله ببيانِ إعلانِ الانتصار من جانبنا تماماً كما فعلت المقاومةُ الإسلامية في لبنان والتي أعلنت انتصارَها في حرب تمّوز على العدوّ الإسرائيلي رغماً عنه وبعد أن كسرت أسطورةَ “الجيش الذي لا يُقهر”، ولكن تحقّــق ذلك -وهنا تكمُنُ الخطورة- لن يحصلَ إلا إذا وعينا وأدركنا الخطواتِ القادمةَ التي ينوي العدوُّ الإقدامَ عليها؛ لنتمكّنَ من إفشالها سلفاً؛ حيث لم يخفَ على أحد أن العدوَّ قد اقتنع بفشله سيما عسكرياً وأن الحلَّ لن يكونَ إلا عبر اتّفاق سياسي، ولكنه في نفس الوقت ما يزالُ يسعى للخروج بانتصار سياسي من خلالِ تصعيدٍ عسكري واقتصادي هو “الأخير” ولكنه -وبحسب المراقبين- قد يكون الأكبر، يقولون (قد!!)، المهم أن العدوَّ وفي حال استطاع أن يحقّــقَ أيَّ تقدّمٍ ميدانيٍّ من خلال تصعيده الأخير هذا فبالتأكيد أن ذلك سيُكسبُه أوراقاً قويةً على طاولة المفاوضات السياسية، وبالتالي ستحقّــقُ له انتصاراً سياسياً أيضاً!!
الآن.. تخيلوا لو أننا معاً استطعنا إفشالَ هذه الخطوة الأخيرة للعدو!! معنى ذلك أننا مجدّداً وبفضل الله انتصرنا عليه في الجولة الأخيرة، لكن بالضربة القاضية سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، ولكن كيف؟! بالكيفية التالية: كُلٌّ من موقعِه نسعى للوصُول بأنفسنا وبالمجاهدين من حولنا إلى قناعة تامة بالأهميّة البالغة للاستمرار في المرابطة مهما كانت التحديات والتطورات، مع بذل ومضاعفة الجهود بأقصى طاقة ممكنة، وكذا للوصول بأنفسنا وبكل فرد من المجتمع إلى قناعة تامة بالأهميّة البالغة للاستمرار في الصمود مع التواصي بالحقِّ والصبر في سبيل تعزيز تماسك الجبهة الداخلية اجتماعياً وأمنياً وثقافياً مع مواصلة دعم ورفد مختلف الجبهات بالممكن مهما كانت الظروف والتحديات صعبةً ومهما كانت التطورات، وأخيراً بتذكُّرِ رعاية الله سبحانه وتعالى لنا وللمجاهدين وألطافه علينا طوالَ السنوات الأربع الماضية، وبالتذكير بآياتِ الله ووعودِه القاطعة للواثقين به والمتوكلين عليه.. هذا من جهة، ومن جهة أخرى تذكير أنفسنا والمجتمع من حولنا بحجم التضحيات والانتصارات التي قدمناها على مدى الأعوام الماضية وبحجم رصيد الصمود الذي لا يمكنُ لنا وفي لحظةٍ وهَنٍ أَو يأسٍ أن نخسرَه ونحن في آخرِ محطةٍ من محطات العدوان وجولات الصراع معه؛ لأَنَّ حجمَ أيَّةِ تضحيات أَو مواجعَ سنضطرُّ لتقديمها في هذه المحطة من المؤكد أنها لن تكونَ أكبرَ مما مضى، بل ولن تكونَ أكبرَ من سعادة شعب الإيمان والحكمة لحظة قراءة بيان النصر من على ظهر إحدى دبّابات الإبرامز ومدرعات البرادلي، أَو من على حطام إحدى أحدث الطائرات الحربية الأمريكية، أَو من أمام مرقد مؤسّس مداميك الدولة اليمنية الحديثة ذات القوة والسيادة والاستقلال الرئيس الشهيد صالح الصمَّــاد، وربما من معرِضه “الثالث” لآخر الصناعات العسكرية اليمنية التي دخلت خَطَّ المواجهة مع تحالف العدوان في أسابيعه الأخيرة.