كلمةُ إنصاف بحق وفدنا الوطني المفاوض .. بقلم/ حميد رزق
أطل محمد عَبدالسلام الأربعاءَ الماضيَ في مقابلات متلفزة من موسكو بعد فترة جمود في المِلَـفّ السياسي الناتج في الأساس من ضيق الخيارات لدى دول العدوان، فبعد الفشل العسكري راهنت السعوديةُ والإمارات ومن خلفهم أمريكا على تحقيق اختراقات في الجبهة السياسية، وانطلقت مشاوراتُ الجولة الأولى في سويسرا، والثانية في الكويت، وصولاً إلى اتّفاق السويد الذي رعته الأممُ المتحدة وحظي بمباركة دولية.
ساد الغموضُ فيما يخُصُّ تفسيرَ بنود اتّفاق استكهولم، واندفع إعلامُ العدوّ وأدواته المحلية لتصوير ما جرى؛ باعتباره انتصاراً لما يسمى التحالف الذي أخذ يتحدّثُ بشكل واسع عن تسليم الحديدة وانسحاب الجيش واللجان الشعبيّة لصالح المرتزِقة، وبمرور الأيام ثبت أن نتائجَ اتّفاق السويد كانت عكسيةً، فالوفدُ الوطني نجح في انتزاع وتثبيت مكاسبَ مهمةٍ رغم التعقيدات الكبيرة والتي تجلّت فيما بعدُ بالمماطلة التي لا تزال مستمرةً إلى الآن ومحاولة إيجاد تفسيرات مختلفة لبنود الاتّفاق.
الشاهدُ أن الأحداث أثبتت أن وفدَنًا الوطني برئاسة محمد عَبدالسلام يمتلك مؤهلاتٍ تجعلُه عند مستوى قيادة جبهة المفاوضات السياسية بشكل راقٍ وصلب في ذات الوقت.
حضرتُ شخصياً بعضَ جولات التفاوض، وكُلِّفَت خلال مشاورات الكويت برئاسة الوفد الإعلامي، كنت إلى جوار من محمد عَبدالسلام داخل قصر بيان الأميري قرابة الشهرين، وبعكس المتابعة عن بُعد، فالكثيرون لا يرون إلّا الظاهرَ من عمليات التفاوض، وهناك من يظن العمليةَ مجرد صالونات ضخمة وتبادل الابتسامات أَو مجرد استعراض للآراء وتبادل للمقترحات والتقاط الصور التذكارية أَو إجراء المقابلات الإعلامية..
المفاوضاتُ عملٌ شاقٌّ، تتطلّبُ في الظروف العادية وعندما تكون بين أطراف متكافئة نَفَساً طويلاً وأعصاباً هادئة وصلبة، أما في الحالة اليمنية فعمليةُ التفاوض تجري مع المجتمع الدولي ومع أعتى الدول الاستعمارية وأَكْثَــرها خبرةً وتمرساً في فن الخداع والمكر السياسي، وما يجعل المسألة أَكْثَــر تعقيداً أن أمريكا وبريطانيا وفرنسا وما يسمى الدول الثماني عشرة تتفاوَضُ مع القوى الوطنية في صنعاءَ بواسطة أقنعة محلية (مزعوم الشرعية)، ما يجعل المهمةَ أَكْثَــرَ صعوبةً واستثنائيةً، وتتطلب مواصفاتٍ خاصة لفريق وطني يسبح في هذا الخضم المعقّد ويروِّضُ اندفاعة الخصوم بحنكة ومرونة وصلابة.
بدون المهارات السابقة يصبح أيُّ فريق عُرضةً للتعثر المبكر أمام المكر السياسي للدول الكبرى وخبراتها العميقة في لَيّ ذراع الأعداء وإخضاع البلدان المستهدفة، وتجربة البلدان العربية في المجال الدبلوماسي سواء في التجربة العراقية أَو ما يخص الصراع العربي الإسرائيلي دليلٌ واضحٌ على الانتكاسات التي مُنِيَتْ بها القضايا العربية لأسباب عديدة، من ضمنها اللجانُ المعنية بمِلَـفّات التفاوض والاتصال الخارجي.
لا أريد المبالغةَ، وليس غرضي الامتداح ولكن لا بد من إنصاف الجبهة الدبلوماسية، وبقليلٍ من التأمل في دور الوفد الوطني برئاسة محمد عَبدالسلام والذي يعد نافذةَ التواصل الرئيسية مع الخارج في ظل الحصار، فإن هذه النافذة أَو بالأصح الجبهة تحتاجُ بالضرورة أن تكونَ صلبةً وفي نفس الوقت مرنة، وبقدر ما تتمسكُ بالثوابت وتلتزم الصرامةَ إزاء العناوين العريضة والخطوط الحمراء للقضية اليمنية، فهي معنيةٌ أَيْــضاً وبشكل دائم ومستمر بإرسال وتلقي الإشارات الإيجابية من وإلى كُــلّ دول العالم المهتمة بالقضية اليمنية؛ بغرض كسر العُزلة ومقاومة الحصار السياسي والدبلوماسي الذي يفرضُه العدوُّ على اليمن.
هذا النوعُ من المعارك (الدبلوماسية) هامٌّ وخطيرةٌ وحساسٌ يستلزم خبراتٍ خاصةً وشخصياتٍ تتمتعُ بمؤهلات نوعية، ولا نبالغ عندما نشيرُ إلى أن الدبلوماسيين أَو المفاوضين في دول العالم لا يتم تكليفُهم بمِلَـفّات رسمية قبل خضوعهم لسنوات من التدريب العملي والتجربة والتأهيل بغرض اكتساب الكفاءة والخبرة الكافية.
نحن لا ندّعي أن وفدَنا المفاوِضَ حقق المعجزاتِ، ولم يجلب المستحيلات ولكنه وقف بثبات وصمودٍ لا يختلفُ عن صمود وثبات المجاهدين الأبطال في الجبهات العسكرية والأمنية، معركتُنا بالأساس ومنذ البداية دفاعيةٌ لسنا من بادر بشن الحرب والاعتداء على السعودية أَو الإمارات، ومثلما نجح الجيشُ واللجان الشعبيّة في لجم اندفاعةِ العدوّ عسكرياً، تمكّنتِ الجبهةُ الدبلوماسية التي يتقدمها الوفدُ الوطني من الصمود وتحقيق إنجازات عديدة، لعل أهمها وأوضحها إسقاط طموحات العدوّ في تحقيق أي مكسب سياسي برغم الرهان الدولي والإقليمي على ضعف الخبرة وحداثة التجربة لدى اليمنيين في المجال الدبلوماسي ومِلَـفّ العلاقات الدولية..
خلال مشاورات بييل في سويسرا وبعدها الكويت كانت آمالُ وطموحاتُ الأمريكيين وسفراء الدول الثماني عشرةَ عاليةً، أرادوا تعويضَ التعثر العسكري بتحقيق اختراقات سياسية، لكن تلك الطموحات ارتطمت بوعي وصلابة وحنكة الوفد الوطني ورئيسه محمد عَبدالسلام.
في السويد كما سبق الإشارة بَدَت بنودُ الاتّفاق في البداية أشبهَ بالعائمة والضبابية، ما أثار جملةً من المخاوف والتكهنات، وما لبثت الأمور أن اتضحت فإذا بالعدوّ يعبِّرُ عن خيبة أمله ويعترف أن اتّفاقَ السويد كان خسارةً للمرتزِقة ومكسباً لجبهة التصدي للعدوان.
واليوم وفي ظل الزيارة التي يقومُ بها رئيسُ الوفد الوطني إلى روسيا برفقة عَبدالملك العجري وعضو المكتب السياسي لأنصار الله إبراهيم الديلمي، تدُلُّ المؤشراتُ أننا أمام مرحلة جديدة في مسار القضية اليمنية على مختلف الصُّعُد، وما يجعلُ الزيارةَ تكتسبُ أهميّةً خاصةً أولاً: مكانة روسيا كلاعب كبير ومهم في العالم. ثانياً: تأتي الزيارةُ في ظل معادلات عسكرية جديدة أرستها صنعاءُ في مواجهة عواصم العدوان الخليجية. ثالثاً: في ظل التراجع الواضح لدول العدوان (تسريبات الانسحاب الإماراتي ورسائل النظامين في الرياض وابو ظبي إلى طهران تعبيرا عن الرغبة في النزول من الشجرة). خامساً: تكتسبُ زيارةُ رئيس الوفد الوطني إلى روسيا أهميّةً خاصةً؛ كونها تأتي في ظل الأوضاع الإقليمية المتوترة في الخليج بين إيران وأمريكا، ما يعكس مكانةَ اليمن كلاعب في المعادلة الإقليمية.
محمد عبدالسلام وزملائه في الوفد الوطني للمفاوضات يستحقون منا كلمةَ شكر وأن تُرفعَ لهم قبعةُ الاحترام، ونتمنى لهم دوامَ التوفيق والنجاح..