الكارثةُ “صافر”: الحصارُ على اليمن يصنعُ أكبر تلوث يهدد البحر الأحمر
المسيرة | خاص
لم يقفْ تأثيرُ الحصار الجائر الذي يفرضُه تحالُفُ العدوان على اليمن، عندَ حدود المجاعة والمعاناة المعيشية والصحية التي سبّبها للمواطنين داخل البلاد، بل تجاوَزَ ذلك وصولاً إلى مرحلة التسبب بـ “الكوارث البيئية” التي يتجاوز أثرُها اليمنَ، حيث حصلت صحيفةُ المسيرة على وثائقَ ومستنداتٍ تكشفُ مسؤوليةَ تحالف العدوان عن كارثة إقليمية وشيكة في البحر الأحمر، سببُها احتجازُ العدوان لخزّان “صافر” النفطي العائم المحمل بأَكْثَــرَ من مليون برميل من النفط، قُبالةَ سواحل الحديدة، ومنع صيانته لأَكْثَــرَ من أربعة أعوام، مما أَدَّى إلى تهالكه إلى حَـدٍّ كبير، حيث بات يُنذِرُ بتسرُّبِ حمولته إلى البحر، وهو ما يعني تلوثاً بحرياً سيمتدُّ من باب المندب إلى قناة السويس، وإلى البحار المجاورة.
كارثةٌ تكشفُ الوثائقُ المتعلقةُ بها، على مدى أَكْثَــرَ من أربعة أعوام، أن تحالفَ العدوان كان وما زال حريصاً على حدوثها، فبعد أن قام بإيقاف نشاط الخزان العائم، ومنع صيانته، وتشغيله، استمر برفض وتجاهل جميعِ المطالبات والتحذيرات، فيما استمرت سلطةُ “صنعاءَ” التي يحاولُ العدوانُ اليومَ تحميلَها المسؤوليةَ، ومنذ وقت مبكر، بمناشدة ومخاطبة العالم لتجنُّبِ هذه الكارثة، وهو ما يوضح مدى تواطؤ المجتمع الدولي، وعلى رأسه الأمم المتحدة، في الأمر.
الكارثةُ “صافر”
الباخرةُ صافر، أَو ما يُعرَفُ بـ “الخزان العائم”، هي عبارةٌ عن ناقلة نفط ضخمة وزنُها الساكنُ (409) آلاف طن متري، وتعتبر ثالثَ أَكْبَــر ميناء عائم في العالم لتخزين النفط بسعة تبلغ ثلاثة ملايين برميل، وهي مخصصةٌ لاستقبال وتصدير خام مأرب الخفيف.
يزيد عمرُ باخرة “صافر” عن 60 عاماً، وتقعُ على البحر الأحمر قبالة ميناء رأس عيسى كخزان عائم مؤهَّل لتحميل وشحن السفن بالنفط الخام لأغراض التصدير.
تحمِلُ السفينةُ العائمةُ صافر الآن مليوناً و174 ألف برميل من النفط الخام، وأوقف تحالفُ العدوان نشاطَها منذ أَكْثَــرَ من أربع سنوات، ومنع صيانتَها، وتشغليها، فتوقفت معظم أنشطتها، وأُخلي العدد الأَكْبَــر من طاقمها تحت وطأة هذه الظروف عدا 5 موظفين فقط تبقوا في مدينة الحديدة للطوارئ بعد أن توقفت السفينةُ؛ نتيجةَ نفادِ المازوت.
ونتيجةً لذلك، أصبحت السفينةُ متهالكةً ومتقادمةً وسط توقُّعات بتسرُّبِ حمولتها من النفط؛ نتيجةَ التأكل والتوقف لأَكْثَــرَ من أربع سنوات.
وبحسب الخبراء، فإن تسرب حمولة الباخرة صافر، سيسبب تلوثاً بحرياً يغطي البحر الأحمر من باب المندب إلى قناة السويس، حيث أن حمولتَها من النفط الخام ستغطي مساحة 939 ترليون متر مربع، ما يعني أن آثارَ الكارثة ستمتد أَيْــضاً لتشمل البحارَ المجاورة.
وثائق: العدوانُ منع دخولَ المازوت اللازم لتشغيل الباخرة وصيانتها
ضمن الإجراءات التي اتخذها تحالفُ العدوان لضمان الوصول إلى الكارثة، كان منع تزويد الباخرة صافر، بأية كميات من المازوت اللازم لتشغيلها والحفاظ على حالتها؛ كي لا تتآكل وتتهاكل.
وفي هذا السياق، حصلت صحيفةُ المسيرة، على وثيقة (رسالة) وجّهتها شركةُ “الشرق الأوسط الملاحية” لشركة النفط اليمنية بتأريخ 7 نوفمبر 2016، وتفيدُ الرسالة وبشكل صريح بأن تحالفَ العدوان منع دخول الناقلة النفطية “راما1” إلى المياه الإقليمية اليمنية، لتزويد الباخرة صافر بـ “3000 طن من المازوت” رغم الحصول على ترخيص مرور من قبل فريق التفتيش الخاص بالأمم المتحدة المتواجد في جيبوتي.
وفي ذلك الوقت، حذرت مصادرُ في ميناء عيسى من حدوثِ كارثةٍ بيئيةٍ في حال عدم إجراء صيانة عاجلة للسفينة العائمة نتيجة نفاد مادة المازوت في السفينة صافر.
الرسالةُ تكشفُ بوضوح الطريقة التي تعمد بها تحالف العدوان إبقاء السفينة متوقفة ومعطلة عن العمل، ليصل بها الحال إلى التآكل والتهالك، لكن تلك الرسالة ليست الدليلَ الوحيد على ذلك، إذ حصلت صحيفة المسيرة على وثيقة أُخْـــرَى تُظهِرُ مطالبةَ شركة “صافر” لوزير النقل في حكومة المرتزِقة، بالسماح للناقلة “راما1” المذكورة بالدخول إلى ميناء رأس عيسى وتزويد السفينة صافر بحمولة الـ3000 طن من المازوت.
الشركةُ أوضحت في الوثيقة الصادرة بتأريخ 8 نوفمبر 2016، أنها تخلي مسؤوليتَها عما قد يترتبُ على منع الناقلة “راما1” من تزويد الخزان العائم بالمازوت، مشيرة إلى أن الناقلة تمثل “أهميّة قصوى” للحفاظ على البيئة المحيطة.
حكومة المرتزِقة بالطبع رفضت الطلبَ؛ لأَنَّ الناقلة لم تفرغ حمولتها، وظلت “صافر” متوقفةً ومحتفظةً بالكارثة على متنها، وهو بالضبط ما أراده تحالفُ العدوان من خلال منع المازوت.
صنعاء: تحذيراتٌ متواصلةٌ من الكارثة.. وصمتٌ دولي!
بالمقابل، كانت السلطة في صنعاءَ مستمرةً بكشف الحقيقة أمام جميع الجهات الدولية؛ لتجنب حدوث الكارثة، حيث يظهر الجدولُ الزمني المتعلق بالخزان العائم “صافر” عدةَ بيانات وتحذيرات متواصلة تؤكّــدُ على المخاطر الكبيرة لإصرار العدوان على توقف تشغيل الخزان ومنع صيانته.
ففي التاسع من نوفمبر 2016، أصدرت الهيئةُ العامة للشئون البحرية، مذكرةً تحذِّرُ فيها من مخاطر منع تزويد الباخرة صافر بالمازوت، وما قد يترتب على ذلك من كارثة بيئية، وفي إبريل 2017، أعلنت الهيئةُ نفسُها عن شلل معظمَ الأنشطة، ومنها الصيانة على الخزان العائم (الباخرة صافر)، محذرةً من كارثة بحرية ستشكِّلُ تحدياً لليمن والدول المجاورة.
وفي نوفمبر، 2017، أصدرت وزارةُ النفط والمعادن في صنعاء، بياناً هاماً، دعت فيه الأمم المتحدة إلى الاضطلاع بدورها في حماية الباخرة صافر في ساحل البحر الأحمر، من أي استهداف من قبل دول تحالف العدوان، وأكّــدت أن استهدافَ الباخرة صافر سيؤدي إلى كارثة على الاقتصاد الوطني وكذا كارثة في البيئة البحرية في اليمن والمنطقة، وحذرت من أن حدوثَ تسرب نفطي من الباخرة سيؤدي إلى كارثة بيئية في البحر الأحمر تمتد من باب المندب إلى قناة السويس، ما يؤثرُ على الحياة البحرية بصورة عامة.
وبالتزامن مع ذلك، سلّم وزيرُ الخارجية بحكومة الإنقاذ (م/ هشام شرف عبدالله) المنسق المقيم للأمم المتحدة بصنعاء (ليز غراندي)، رسالةً للأمين العام للأمم المتحدة (أنطونيو غوتيرس) بشأن السماح باستخدام الوقود الموجود في الباخرة “صافر” في رأس عيسى لتوليد الطاقة الكهربائية للمدن اليمنية، وبما يساهمُ في التخفيف من الأوضاع الإنسانية وتجنب الكارثة البيئية التي قد يتسبب بها أي تسرب للخزان المتهالك جراء منع دول تحالف العدوان لأعمال الصيانة اللازمة منذ بدء العدوان في 2015م.
واستمر الوضعُ إلى العام الجاري، حيث أصدرت وزارةُ النفط والمعادن بصنعاء، بياناً في مايو الماضي، تجدد فيه المطالبة بالسماح بتصدير النفط الخام من الباخرة صافر ومنع استهدافها، وطالبت الوزارة الأمم المتحدة والمنظمات الدولية إلى التدخل لمنع دول العدوان من الإقدام على استهداف الباخرة صافر (الخزان العائم) وجددت المناشدة للسماح ببيع النفط الخام الموجود في الباخرة صافر والاستفادة من العائد في إنشاء خزانات نفطية بديلة كونها السفينة أصحبت متهالكة وأعمال الصيانة فيها متوقفة بسبب العدوان مما ينذر بكارثة بيئية.
وفي يونيو الفائت، سلم وزير الخارجية (هشام شرف) منسق الأمم المتحدة في اليمن (ليز غراندي) رسالة من رئيس المجلس السياسي الأعلى (مهدي المشّاط) إلى الأمين العام للأمم المتحدة (انطونيو غوتيريس) وعددا من الرؤساء في الدول الصديقة والشقيقة، تضمنت ملخصاً ببيانات وإحصاءات الجرائم التي ارتكبتها دول العدوان، بالإضافَة إلى تحذيرات من تداعيات التأخير في معالجة وضع الخزان العائم صافر نتيجة التوقف الطويل، مما قد يتسبب في كارثة بيئية في البحر الأحمر.
لكن هذا الخط الزمني لم يتضمن أية استجابة من تحالف العدوان أَو حكومة المرتزِقة أَو من قبل الأمم المتحدة والمجتمع الدولي.
وبالمحصلة، فإن كارثة الخزان العائم “صافر” تشهد بنفسها على صانعيها، مؤكّــدة بسيرتها الذاتية الموثقة، أنها جريمة واحدة ضمن رصيد طويل من جرائم تحالف العدوان، لا يمكن محوها بأية تضليلات إعلامية أَو التنصل منها بسهولة، وكما تدين هذه الكارثة الوشيكة تحالفَ العدوان بوضوح، فإنها تدينُ أَيْــضاً التواطؤَ الدولي الذي تجاهل كُــلّ التحذيرات والرسائل من “صنعاء” منحازاً بوضوح إلى إجرام تحالف العدوان.