الدورُ الوظيفي لآل سعود في المنطقة .. بقلم/ علي يحيى عبدالمغني القاضي
من يتابع الأحداثَ التي شهدتها المنطقةُ العربية والإسلاميةُ منذ بداية القرن الماضي حتى اليوم سيجد أن مملكةَ آل سعود دولةٌ وظيفيةٌ لا مشروعَ لديها تستطيعُ أن تنافِسَ به مشاريعَ بعض الدول العربية والإسلامية في المنطقة، فمصرُ عبدالناصر كانت تسعى إلى تحقيقِ الوَحدة العربية من خلال دعم الحركات القومية والتحررية من الاستعمار والاستبداد، وتركيا بزعامة أردغان تطمحُ إلى إعَادَة الخلافة العُثمانية من خلال دعم الحركات الإخوانية، وإيرانُ ما بعد قيام الثورة الإسلامية تسعى إلى مواجهةِ الهيمنة الأمريكية والصهيونية في المنطقة من خلال دعم الحركات الإسلامية والوطنية.
ولو أن نظامَ آل سعود تبنّى أياً من هذه المشاريع أَو سعى إلى تحقيقها لنجَحَ أَكْثَــرَ من غيره بحكم العروبة والإسلام التي يدّعيهما والثروات الهائلة التي يسيطر عليها والأدوات السياسية والدينية والقبلية التي يديرها ويمولها في كُــلّ الأقطار العربية والإسلامية، إلا أن هذا النظامَ لا يريدُ ذلك ولا يريدُ لتلك الدول أن تنجَحَ في ذلك؛ لأَنَّ آلَ سعود يعلمون علمَ اليقين أن وجودَ كيانهم في الجزيرة العربية مرتبطٌ بوجود الكيان الصهيوني في فلسطين وأن استمرارَ حكمِهم مرهونٌ باستمرار المصالح البريطانية ومن ثَم الأمريكية في المنطقة، وأن زوالَ ذلك يعني زوالَهم؛ لذلك فهم يعملون كُــلّ ما بوسعهم ويسخّرون كُــلّ إمكانياتهم ليبقى الكيانُ الصهيوني آمناً مطمئناً وتستمر السيطرة الأمريكية والصهيونية على المنطقة، فالمخابراتُ البريطانية هي من أوجدت آل سعود من العدم ومكّنتهم من حكم أطهرَ البقاع على الأرض وأغنى الثروات في العالم ووسعت نفوذَهم وسيطرتَهم في الجزيرة العربية وقضت على كُــلّ خصومهم ومنافسيهم من آل الرشيد حكام نجد وآل الشريف حكام الحجاز، وقضت على حكم الأدارسة حكام نجران وجيزان وعسير اليمنية.
لقد وجدت المخابراتُ البريطانية بدايةَ القرن الماضي ضالتَها في عبدالعزيز آل سعود، ليقوم بالدور الذي تريده في المنطقة على أكمل وجه، فهو أولُ حاكم عربي يتنازل عن فلسطين لليهود المساكين كما أسماهم في وثيقة المعروفة بعد أن رفض السلطانُ العثماني عبدالحميد ذلك وكذلك الشريف حسين حاكم مكة والمدينة، ثم عمل النظام السعودي منذ تأسيسِه على إحباط وعرقلة كُــلّ المحاولات العربية والإسلامية التي سعَت إلى تحرير فلسطين، فتآمر على الجيوش العربية وسلّحها بأسلحة فاسدة ألحقت بهم هزيمة مدوية من قبل الكيان الصهيوني في حرب 48، وعمل مع المخابرات الصهيونية والأمريكية للقضاء على عبدالناصر وإلحاق هزيمة به في حرب 67، ودفع بأنور السادات إلى زيارة الكنيست الإسرائيلي وتوقيع اتّفاقية كمب ديفيد التي أخرجت مصرَ حاملةَ لواء العروبة من معادلة الصراع مع العدو الإسرائيلي في 72، ثم أخذ النظامُ السعودي يجر الأنظمة العربية واحداً تلوَ الآخر إلى الحضن الأمريكي والصهيوني.
كما عمل هذا النظام على تشويه الحركات الإسلامية والوطنية المقاومة للوجود الصهيوني كفصائلِ المقاومة الفلسطينية وحزب الله اللبناني بمختلف أنواع الوسائل، وشغل أدواتِه التي زرعها في المنطقة ليكونوا حجرةَ عثرة ومعول هدم للنيل من كُــلّ الحركات والشخصيات الوطنية الساعية إلى تحرير الأمة وبناء نهضتها الحديثة فاغتالت العديدَ من الشخصيات، منهم الشهيد الرئيس إبراهيم الحمدي والشهيد الرئيس سالم رُبَيِّع علي وغيرهما من الشخصيات السياسية والدينية والعلمية والأكاديمية في كُــلّ الأقطار العربية.
لم يترك النظامُ السعودي وسيلةً للنيل من هذه الأمة وتدميرها -وهذه هي وظيفتهم- إلا استعملوها، واستغلوا الأوضاع السيئة والمتردية في الدول العربية، وهم والكيان الصهيوني السبب في ذلك ليقوموا من خلال أدواتهم القذرة وأموالهم المدنسة بالقضاء على ما تبقى من هذه الأمة من خلال ما أسموه ثورات الربيع العربي التي عصفت بكل دول المنطقة وألحقت بها دماراً وخرباً لا يقل إجراماً ووحشية عما قام ويقومُ به الصهاينة بحق العرب والمسلمين، فقتلوا المسلمين بأبشع الطرق باسم الإسلام، ودمّروا العروبة وتأريخها وحضارتها في الرافدين والشام واليمن باسم العرب، ورحّبوا باليهود والنصارى لاحتلال العراق وليبيا وسوريا واليمن وغيرها، وشجّعوا الحركات الانفصالية لتقسيم السودان والعراق وسوريا واليمن وليبيا وغيرها، ولم يسلم من هذه الدوامة إلا الكيانُ الصهيوني وَالكيان السعودي وبعض الأنظمة العميلة المطبعة معهما.
بل إنَّ الأموالَ التي أنفقها آلُ سعود ومعهم بعضُ دول الخليج في الحرب على اليمن وسوريا كفيلةٌ بأن تسُدَّ حاجاتِ الشعوب العربية والإسلامية وتقضي على الفقرة والبطالة فيها لعشرات السنين، وإن الأسلحة التي استخدموها في الحرب على اليمن وسوريا كفيلة بإبادة الصهاينة عشرات المرات، فضلاً عن الأموال والأسلحة التي قدموها في ليبيا والسودان والعراق ومصر وتونس وغيرها، إلا أن وظيفةَ آل سعود هي القيامُ بما قاموا به في الوطن العربي لينعَمَ الكيانُ الصهيوني بالأمان وتستمرَّ الهيمنةُ والسيطرةُ الأمريكية على المنطقة؛ ولذلك صنعتهم المخابراتُ البريطانية واستمرت لهم الحمايةُ الأمريكية كما صرح بذلك الرئيس الأمريكي ترامب بقوله: لولا وجود السعودية لكانت إسرائيل في ورطة وأنه لولا الحمايةُ الأمريكية لنظام آل سلمان لما بقَوا في الحكم أسبوْعاً واحداً وعليهم أن يدفعوا مقابلَ الحماية.