ضربُ نفسية الأمة .. بقلم/ محمد البخيتي
لم تكتفِ أمريكا بتوريطِ صدام حسين باحتلال الكويت؛ بهدف تدمير بُنية العراق العسكرية والعلمية والاقتصادية وإنما ورطت أبناءَ الأمة العربية والإسلامية بالرهان على انتصار صدام لكي تدمر إرادتَهم ونفسيتَهم في معركة عسكرية محسومة النتائج.
لقد كانت خسارةُ الأمة كبيرةً في تدمير العراق، ولكن خسارتها الأَكْبَـــر “التي لم ندركها” هي في ضرب إرادة ونفسية الأمة، مما أفقدها الأمل في الانتصار في أية مواجهة مع آلة الحرب الغربية.
حينها ركّزت الآلةُ الإعلاميةُ الغربية جهودَها في اتّجاهين الأول شرعنة تدخلِها العسكري أمام الرأي العام العالمي والثاني في تضخيم قوة العراق لخلق رهان غير واقعي على انتصار صدام، ووظّفت إعلاميين ومحللين وصحفاً بل وأنظمة حاكمة تظاهرت بالوقوف مع العراق.
لا زلت أتذكر كيف كان المجتمع من حولي يراهن بإجماع على انتصار صدام لدرجة أنه لم يعد يتقبَّلُ وجهةَ نظري في انعدام مقومات الانتصار سواء من ناحية الحسابات العسكرية أَو من ناحية الحسابات الإيمانية.
الهزيمةُ المدويةُ لصدام ومشاهدُ الدمار التي لحقت بالجيش العراقي خصوصاً أثناء انسحابه العشوائي من الكويت ضربت نفسيةَ جيل كامل كان يراهِنُ على الانتصار.
بعدَ تلك الهزيمة النفسية القاسية بدأت الشعوبُ المسلمةُ تتقبَّلُ فكرةَ الاستسلام للكيان الصهيوني تحت عنوان عملية السلام وفقدت تفاعُلَها الإيجابي مع المقاومة الفلسطينية واللبنانية، وأصبحت تنظُرُ لعملياتها بعيون عدمية، لدرجة أن مَن كانوا يراهنون على انتصارِ صدام باتوا يراهنون بنفس القدر على هزيمةِ المقاومة.
استغلت أمريكا أحداث الحادي عشر من سبتمبر لإثارة حالة الرعب في أوساط الأمة وأطلق بوش شعاره المعروف “من ليس معنا فهو ضدنا” تحت عنوان مكافحة الإرهاب واجبر حكومات البلدان المسلمة على التعاون مع المخابرات الأمريكية وبدأ بغزو أفغانستان وبعدها العراق وكان ينوي غزو سوريا كما بدأت الطائرات الأمريكية بدون طيار باستهداف من لا تطالهم يد الحكومات.
مشاهدُ السيارات المدمرة والجثث الممزقة والمتفحمة؛ بفعلِ الضربات الأمريكية التي تخترقُ سيادة اليمن سواءٌ أكانوا لمتهمين بالانتماء لتنظيم القاعدة أَو لمواطنين عاديين أدخلت الرعبَ في قلوب اليمنيين خُصُــوْصاً السياسيين والمسؤولين، ما مكّن السفير الأمريكي من أن يكون هو الحاكم الفعلي لليمن.
غابت عن السياسيين اليمنيين والنخبة المثقفة حقيقةُ أن هدفَ أمريكا من الضربات الجوية يتعدى احتياجاتها الأمنية لتحقيقِ أهدافها في الهيمنة على إرادة شعوب المنطقة.
القوات الأمريكية التي كانت موجودة في صنعاء وعدن والعند لم تكن بذلك العدد الكبير الذي يمكّنُ السفيرَ الأمريكي من حكم اليمن، ولكن وجودَها شكّل نقطة قوة لأمريكا بعد أن فقد المجتمعُ الجرأةَ على مواجهتها وأصبح التدخلُ العسكري الأمريكي الواسع هو الخيارَ المطروحَ في حال استهدافها.
انتصارُ الثوار في عام 2014 قلب المعادلة رأساً على عقب، حيثُ حوّل تواجُدُ المارينز الأمريكي في صنعاء إلى نقطة ضعف لأمريكا؛ لأَنَّ الثوارَ كانوا يمتلكون الجرأةَ على استهداف قوات المارينز في حال تدخلهم وتعريضها للإبادَة، وهكذا أصبح هاجسُ أمريكا هو في إخراج المارينز الأمريكي بسلام، خُصُــوْصاً مع حصول حوادث اشتباكات بين الثوار وبين المارينز لم ينجم عنها قتلاً عدا جروح بسيطة أصيب بها عدد من عناصر المارينز.
وهكذا فقد السفير الأمريكي هيبتَه ومن ثَمَّ سلطته واستعاد اليمنُ سيادتَه واستقلاله وتوصل اليمنيون إلى اتّفاق السلم والشراكة الوطنية عبر حوار يمني يمني.
صمودُ الشعب اليمني في مواجهة 17 دولة، وصمود الشعب الفلسطيني في مواجهة إسرائيل، وتحوُّلُ لبنان إلى تهديد وجودي للكيان الصهيوني بعد أن كان قادةُ الكيان يهدّدون بغزوِه بفرقة الموسيقى العسكرية، ومشاهدُ استعداد إيران الكامل لخوض المعركة العسكرية ضد التحالف الأمريكي خصوصاً مشهد نزول الحرس الثوري على سطح الناقلة البريطانية واحتجازها، كُــلّ ذلك كفيلٌ بكسر حواجز الخوف التي تسلّطت على الأمة.
وإذا كان الشعبُ اليمني قد صمد منفرداً في مواجهة التحالف الأمريكي فكيف سيكونُ الحالُ عندما تستلهمُ الأُمَّةُ تجربته، ونرى الشعبين الجزائري والمصري وغيرهما بدأت تتحَـرّك حركةً جهاديةً صحيحة.
لن يطولَ انتظارُنا فقريباً ستصحو الأمةُ الإسلاميةُ وتتحَـرّك لحسم المعركة على الأرض بروحية جهادية وستتحوَّلُ القواتُ الأمريكية المتواجدة في المنطقة إلى نقطة ضعفٍ لأمريكا ولن ينفعَها عندها أساطيلُها وطائراتُها وسيولُّون الدبر.
هذا ليس قولي وإنما قولُ الله سبحانه وتعالى: (لَن يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى، وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنصَرُونَ)
صدق الله العظيم.