عبدُالملك الحوثي والذين معه “11” .. بقلم/ إبراهيم سنجاب
* كاتب مصري
لا أنا ولا غيرى من المتضامنين ضد العدوان على اليمن قدّمنا هذا السيدَ عبدَالملك الحوثي والذين معه إلى العالم، فقد تكفّل بذلك الإعلامُ العربي بكثرة الكذب والافتراء عليه وعليهم.
في أي تصرُّف لا بُــدَّ أن يراجعَ الإنْسَــانُ الطبيعي نفسَه، خاصةً إن كان ممن يشار إليهم كمثقفين أَو كُتاب أَو قيادات رأي ومفكرون، أَو كما يقال من النخبة رغم أن هذه الصفة بالذات باتت كريهةً أَو مكروهةً لما تعرضت له من امتهان خلال سنوات الربيع العربي، أو من الأخطر منهم ممن يسمون أنفسهم نشطاء، هؤلاء المرتبطون بمنظمات خارجية أَو مدعومة من الخارج، فكل هؤلاء وغيرهم بما لهم من خبرات وبعضهم ممن حصلوا على تدريبات لهم قدرة على قيادة اتّجاهات الرأي العام.
عبدُالملك الحوثي والذين معه.. لماذا؟
ما الذي يدفعُ مواطناً من المفترَضِ أنه عربي مسلم ليس مذهبياً ولا طائفياً ولا منتمياً لأية أيديولوجية وليس يمنياً أيضاً؛ لكي يتضامن مع هذا الرجل والذين معه خاصة في هذه المرحلة من انحطاط الفكر القومي العروبي وتشتت الفكر الجمعي الإسلامي؟
مباشرةً وبدون تحويرٍ أَو سفسطة يحبُّ المثقفون والآخرون مدَّعو الوطنية ممارستَهما؛ لأَنَّه يدافعُ عن حدود بلاده وكرامتها من العدوان الخارجي، لا أَكْثَــر ولا أقل. فقد يقبل الواحد منا أن ينشأ صراعٌ وتدورُ رحى المعارك بين فصيلَين أَو أَكْثَــر داخل دولة واحدة لأسباب كثيرة ومتعددة ومختلفة، منها مثلاً إزاحة نظام حاكم والاستيلاء على السلطة، أَو فرض مذهب ديني أَو طائفي وقد حدث هذا كَثيراً في التاريخ العربي والعالمي، ولكن لا يمكن لقبول مطلقاً بتدخل أجنبي مباشر، فما بالك لو كان هذا التدخل عدواناً عسكرياً يقتل ويحاصر ويجوع الملايين من كُـلّ الأطراف دون أن يحقّــق شيئاً من أهدافه المعلنة والمستترة لشن العدوان.
لسنا مثاليين لنعتقد ونروج لأكذوبة الاستقلال الوطني الكامل في عالمنا العربي، ولا في أغلب دول العالم، فكل القوى الكبرى تتدخل لتحقيق وحماية مصالحها على حساب الدول الصغيرة، والذي نفهمه، نراه وندركه ونعيشه تحت وطأته أننا كعرب دول صغيرة، نعم نحن دول صغيرة، ولا تحدثني عن أكذوبة الأمن القومي العربي التي لقيت مصرعها بأيدي عرب وبمؤامرات عربية.
إذًا هو والذين معه يدافعون عن بلدهم ضد تدخل خارجي، ثبت يقيناً أنه لم يذهب ليعيدَ شرعيةً أَو يؤمّن طرقاً بحرية ولكنه تدخل أمريكي صهيوني يرتدي عقالاً عربياً ليفرض واقعاً هو مفروض أساساً على هذا العقال.
لماذا اليمن؟ لماذا عَبدالملك والذين معه؟
كَثيراً ما تعرضت للسؤال؟ لماذا اليمن؟ لماذا عَبدالملك الحوثي؟ أحياناً يتحول السؤال إلى سخافة وربما حقارة، ولكنه يظل في النهاية سؤال خاصة لو جاء من يمنى مرتزِق أشهر ارتزاقه فوق يمنيته وعروبته وإسلامه، وهؤلاء كثير.
شاءَ حظِّي أن أكونَ في اليمن بعد وصول جماعة أنصار الله إلى صنعاء بعدة أسابيعَ، ثم شاء مرة أُخْـرَى أن أكونَ هناك بعد شن العدوان عليه بعدة أشهر، ولم أكن أعرف عن هذا البلد شيئاً إلا قصة سيدنا سليمان وأهمية باب المندب وأنهم أصل العروبة والذين قال فيهم الرسول محمد عليه الصلاة والسلام الإيمان يمان والحكمة يمانية.
على مدى 40 يوماً هي تقريباً جملة الأَيَّــام التي عشتها في هذا البلد اقتربت من الجميع وسمعتُ من الجميع ولاحظت تصرفات الجميع، وكان ذلك متاحاً حتى في صنعاء التي يسيطر عليها الحوثيون، فلم تكن الانشقاقاتُ حادة كما هي الآن، وقلت وكتبتُ أن هؤلاء الناس يعيشون وكأن الحربَ في مكانٍ آخر، وكان ذلك حقيقياً وصادقاً، فالحياةُ عادية رغم صعوبتها، ولكن الجميع يتكلمون بما شاءوا ولكن بعيد عن هؤلاء الذين يقاتلون على الجبهات ويحملون بنادقهم في الكمائن.
الحقيقةُ أنني رأيت شباباً غير الذين عرفتهم في كُـلّ رحلاتي في مناطق القتال في أفريقيا والعراق والشام، ولم أشك لحظة منذ اليوم الأول الذي مررت فيه على كمين شارع المطار في صنعاء في نهاية عام 2014، أن أنصار الله هم الغالبون، ورغم كُـلّ المكائد التي دبّرت لهم في الداخل وكل العدوان الذي جرى لهم من الخارج، ورغم كُـلّ مؤامرات الإعلام العربي ضدهم، ولكن من اللحظة الأولى كنت الوحيد الذي يرى انتصارَ هذا الجيل من اليمنيين ذوي العقيدة وذوي الإرادة، هؤلاء الذين لا يبكي أحياؤهم على قتلاهم، بل يهنئون ذويهم. ثم إنني رأيتُهم وسمعتُهم تسبق نبضات قلوبهم ألسنتهم إذَا ذكر اسم قائدهم وزعيم ثورتهم الشاب الذي صنع جيلاً يمنياً عربياً لن يتكرّر في وقت قريب.
عايشتهم فرأيتهم نماذجَ للإيثار وإنكار الذات ولفتني أن حواراتهم فيما بينهم دائما تبدأ بكلمة يا سيدي توقيراً واحتراماً. شباب أَكْثَــرهم مقاتلون بالفطرة، مشتاقون لتاريخ قرأوا عنه ولم يعايشوه، عندما كان اليمن سعيداً وعندما كان أجدادهم هم قادة الفتوحات.
عبدُالملك الحوثي والذين معه.. لماذا؟
مظاهرُ الفقر المدقِع في اليمن لا تحتاجُ إلى كلمات أَو صور لتوثقها، فعلى مدى عشرت السنين تكفل حكامُ اليمن ورؤوسُ الأفاعي بتصديرها إلى العالم للتربح بها، والعجيب والمدهش أن هذا الفقرَ يظل مقروناً بعزة نفس، وكان ذلك الذي أسرني لأكون واحداً من هؤلاء الناس، ولم أراجع نفسي أبداً في ذلك، هؤلاء هم الذين تريدهم أمتنا ليخلصوها من سنوات الانحطاط، هؤلاء الذين نريدهم في كُـلّ قطر عربي لنستعيد كرامة فقدناها، ويظن الكثير أنها لن تعود على أيدي سكان العواصم الزجاجية بعدما تصدروا بأموالهم قيادة العرب.
كنت أسأل نفسي وما زلت ما الفرق بين حركة 23 يوليو في مصر التي تحولت إلى ثورة غيرت شكل العالم العربي والعالم الثالث وبين حركة هؤلاء الناس في اليمن؟ وكنت أسأل نفسي ما الفرق بين ثورة 30-6 في مصر وبين ثورة 21 سبتمبر في اليمن، الاثنتان كانتا ضد هيمنة الإخوان على السلطة، وضد أجندة خارجية يجرى فرضها بأقصى سرعة على الداخل من قبل تنظيم عالمي ثبت يقينا أنه امتطى الإسلام ليصل إلى السلطة. كنت أرى أن إخوان مصر خدعتهم أمريكا وأن إخوان اليمن تخدعهم السعودية وقطر، صحيح أن هذا جانبٌ واحدٌ من الصورة ولكن اليمنيين أنفسَهم وأنصار الله على وجه اليقين لن ينكروا أبداً أنهم استلهموا ثورة 30-6 في مصر وبين ثورة 21 سبتمبر في اليمن، الاثنتان كانتا ضد هيمنة الإخوان على السلطة، وضد أجندة خارجية يجرى فرضها بأقصى سرعة على الداخل من قبل تنظيم عالمي ثبت يقينا أنه امتطى الإسلام ليصل إلى السلطة. كنت أرى أن إخوان مصر خدعتهم أمريكا وأن إخوان اليمن تخدعهم السعودية وقطر، صحيحٌ أن هذا جانب واحد من الصورة ولكن اليمنيون أنفسهم وأنصار الله على وجه اليقين لن ينكروا أبداً أنهم استلهموا ثورة 30-6 في مصر لكي يتحَـرّكوا ضد إخوان صنعاء، ولا يهمني بعد ذلك المقارنة بين الجيش المصري الموحد وبين الجيش اليمنى الذي تركه على صالح عائلياً قبلياً ولاؤه لمشايخ وليس لدولة مركزية، فقد تطورت الأحداث في اليمن على نحوٍ مغايرٍ لما تطورت إليه في مصر.
على المستوى الشخصي لمحت ثم رأيت وتابعت، تجربةً وليدةً صهرتها الحربُ، وشد أزرها الحصار، ولم يكسرها التجاهل ترفع شعارا اسمه المسيرةُ القرآنية.