السيد عبدالملك الحوثي في خطاب اختتام المراكز الصيفية:
أَعُـوْذُ بِاللهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيْمِ
بِـسْـــمِ اللهِ الرَّحْـمَـنِ الرَّحِـيْـمِ
الحَمْدُ للهِ رَبِّ العالمين، وأَشهَـدُ أنْ لَا إلهَ إلَّا اللهُ المَـلِكُ الحَـقُّ المُبِيْن، وأشهَدُ أن سَيِّـدَنا مُحَمَّــدًا عَبْـدُه ورَسُــوْلُه خَاتَمُ النبيين.
اللّهم صَلِّ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــدٍ وبارِكْ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــدٍ، كما صَلَّيْتَ وبارَكْتَ على إِبْـرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ إِبْـرَاهِيْمَ إِنَّـــكَ حَمِيْــدٌ مَجِيْــدٌ.
وَارْضَ اللَّهُم برِضَاكَ عن أَصْحَابِهِ الأَخْيَارِ المنتجَبِين وَعَـــنْ سَائِرِ عِبَادِكَ الصَّـالِحِين.
أَيُّهَـا الإِخْـوَةُ الأَعِــزَاءُ والحضور الكرام:
السَّـلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُه.
أُرَحِّبُ بكم جميعاً، بكُلِّ أنواع الحاضرين وكل الفئات من العلماء، والأخ رئيس الوزراء، والإخوة الوزراء، والطلاب، والمعلمين.. وبكل الحضور من كُــلّ أطياف المجتمع، وأحييكم وأشكُرُ لكم هذا الحضورَ الكبير، كما لا يفوتُني أن أتوجّـهَ بالشكر إلى كُــلّ الذين ساهموا في إقامة هذه الدورات الصيفية المفيدة والنافعة من المعلمين، وكذلك من كُــلّ المتعاونين بكل أشكال التعاون، كما أتوجّـهُ أيضاً بالشكر للطلاب، وأتمنى لهم أن يكونوا -إن شاء الله- قد استفادوا من هذه الدورات المباركة.
اللهُ -سُبْـحَانَـهُ وَتَعَالَـى- يقولُ في كتابه الكريم: {كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (151) فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ}[البقرة: 151-152]، من أعظم نِعَمِ الله -سُبْـحَانَـهُ وَتَعَالَـى- علينا كأمةٍ إسْــلَامية أن يهيئَ اللهُ لنا، وأن يمُنَّ علينا بأعظم مصادر الهداية التي نتلقى منها المعارفَ الإلهية، المعارفَ التي قدَّمها الله -سُبْـحَانَـهُ وَتَعَالَـى- إلينا وأنعم بها علينا، كما يذكر لنا في الآية المباركة، فالله -جَــلَّ شَـأنُهُ- بإرساله الرسول الذي هو خاتم الأنبياء محمداً -صَلَــوَاتُ اللهِ عَلَيْــهِ وَعَلَـى آلِــهِ- وبالقــرآن الكريم الذي أنزله إلى هذا النبي العظيم، هو هيأ لنا، وأنعم علينا، وأتاح لنا أن نحصل على المعارف الإلهية، على العلوم الحقيقية النافعة.
والإنسانُ في مسيرة حياته يفتقد دائماً ويفتقر ويحتاج -حاجةً ملحة- إلى العلم وإلى المعرفة؛ حتى تكونَ مسيرةُ حياته مسيرةً صحيحةً، ينطلق في مواقفه، في أفعاله، في أعماله، في اهتماماته، في توجّـهاته، في سلوكياته على أَسَـاسٍ من تلك المعارف الصحيحة، على أَسَـاسٍ من الهداية الإلهية والتوجيهات الربَّانية، وإلَّا كان البديل عن ذلك الانطلاقة على أَسَـاسٍ من الجهل، الانطلاقة الجاهلة التي يتحَـرّكُ الإنسانُ فيها بناءً على تصورات خاطئة، أَو أفكار ظلامية، والحالة هذه هي التي ينطلق فيها الإنسان: إمَّا منطلقاً من جهله الجهل البسيط كما يقولون، وإمَّا بالجهل المركَّب، ينطلق انطلاقةً من الجهل المركَّب، والجهل المركَّب: هو عندما يتحَـرّك الإنسان معتمداً على أفكار ظلامية، وعلى مفاهيمَ خاطئةٍ تحول بينه وبين معرفة الحقيقة، ويحمل في نفس الوقت تصورات يتوهم أَو يظن أنها تصورات صحيحة، وأنها أفكار صحيحة، وأنها بالتالي أعمال أَو مواقف صحيحة وسليمة.
واللهُ -سُبْـحَانَـهُ وَتَعَالَـى- أنعم علينا كأمةٍ مسلمة بالقــرآن الكريم وبالرسول العظيم -صلواتُ الله وسلامُه عليه وعلى آله- وكان من أهمّ وفي مقدِّمة ما نستفيدُه من الرسول ومن القــرآن الكريم هو أن نحصلَ على العلم النافع، على المعرفة الصحيحة، على الهداية؛ حتى نكونَ أُمَّــةً واعية، أُمَّــةً راشدة، أُمَّــةً تنطلق في مسيرة حياتها، وتتحَـرّك في مسيرة حياتها، في أعمالها، في مواقفها، في سلوكياتها، في برامجها، في مشاريع هذه الحياة الواسعة، في كُــلّ مجالات هذه الحياة، على أَسَـاسٍ من تلك المعارف، فتكون انطلاقتُها انطلاقةً صحيحةً، انطلاقة مستقيمة، انطلاقة حكيمة، انطلاقة راشدة، انطلاقة موفَّقة، وتبني مسيرة حياتها على أَسَـاسٍ من المسؤولية، من المسؤولية، كأُمَّــةٍ تؤمن بالله -سُبْـحَانَـهُ وَتَعَالَـى- رباً، وملكاً، وإلهاً، ومشرِّعاً، وموجِّهاً، وتؤمن بالمعاد، وتؤمن بالحساب، وتؤمن بالجزاء، وتؤمن وتعي بأن وجودَها في هذه الحياة هو وجودٌ هادف، وليس وجوداً عبثياً، كما يتوهم البعض من البشر الذين يظنون أنَّ هذه الحياة ليس وراءها أي أهداف، ولا أية غاية مهمة، وإنما وجد الإنسان -بحسب توهمهم وبحسب نظرتهم- إنما الإنسان في هذه الحياة يعيش ليأكل، ويأكل ليعيش، لا أقل ولا أَكْثَــر!
اللهُ -سُبْـحَانَـهُ وَتَعَالَـى- خلق السمواتِ والأرضَ بالحق، وخلق الإنسانَ في هذه الحياة بالحق، والإنسان في هذه الحياة يعيش مستخلفاً في هذه الأرض، ومتحمِّلاً لمسؤولية، منظوراً ومرقوباً برقابة الله -سُبْـحَانَـهُ وَتَعَالَـى- له مسؤوليةٌ، ولوجوده هدفٌ، وبعد هذا الوجود في هذه الحياة هناك الحياة الأُخْــرَى، وهناك الحساب، وهناك الجزاء، والإنسان يعيش في هذه الحياة تحت رقابة الله -سُبْـحَانَـهُ وَتَعَالَـى- خاضعاً لرقابة الله -سُبْـحَانَـهُ وَتَعَالَـى- أربعاً وعشرين ساعة، لا تغيب عنه هذه الرقابة الإلهية المباشرة، والرقابة أيضاً بواسطة الملائكة، بواسطة الوسائل الإلهية التي تحصي على هذا الإنسان كُــلّ أفعاله، وكل تصرفاته، والله -سُبْـحَانَـهُ وَتَعَالَـى- رسم لنا في هذه الحياة -كبشر- رسم لنا منهجاً نعتمد عليه، نلتزم به، نحتاج إلى أن نتعرف على هذا المنهج، وأن نرتبط بهذا المنهج، فالإنسان -بشكلٍ أَسَـاسيٍ- يحتاج إلى العلم وإلى المعرفة، والمعارف الإلهية هي تقدِّم لهذا الإنسان الرؤية الصحيحة، والمنهجية الصحيحة، وترسم له مسيرة حياته بشكلٍ تام، وتجعل له أَو تؤسّس له المنطلقات الصحيحة والأسس الصحيحة التي ينطلق من خلالها في شتى معارف شؤون هذه الحياة، حتى في العلوم الطبيعية، العلوم الطبيعية هدى الله يقدِّم لها الأسس، ويرسم لها الغاية، ويجعل منها علوماً هادفة، وعلوماً مثمرة، وهدى الله هو الذي يحضن للمسيرة البشرية حضارتها؛ حتى تكون حضارةً صحيحة، قائمةً على أَسَـاسٍ من المبادئ، والقيم، والأَخْــلَاق، والأهداف العظيمة.
والإنسان إذا انطلق بجهل في هذه الحياة، هو يتحَـرّك بالتالي في أعماله، وفي مواقفه، وفي سلوكياته التحَـرّكات الخاطئة، التي تترك الأثر السلبي على هذه الحياة، إن منشأ كلِّ الانحرافات، وإن منشأ كُلِّ التصرفات الخاطئة، وإن منشأ كلِّ المواقف الباطلة: هو الانحراف عن المعارف الإلهية الصحيحة، عن التوجيهات الإلهية الحقيقية، هو الاعتماد: إمَّا على مفاهيمَ باطلةٍ، وإمَّا على تصوّرات جاهلة، ينطلقُ فيها الإنسان لا يستند فيها إلى الهداية الإلهية والمعارف الإلهية الصحيحة.
نحن نرى في واقع أمتنا الإسْــلَامية كم تركت الأفكار الظلامية الهدَّامة من أثرٍ سلبي في الكثير من الناس، في الاتّجاهين:
اتّجاه الأفكار الظلامية التي تؤسّس للغلو، وتؤسّس للإفراط وللتجاوز، كما هي الحالة بالنسبة للقوى التكفيرية، إنَّ الأفكار الظلامية هي التي تصنع من الإنسان إما داعشياً، تكفيرياً، مغالياً، متزمِّتاً، متوحشاً، له نظرة خاطئة وفهم خاطئ للمفاهيم الدينية، فيتحَـرّك في أوساط الأُمَّــة بشكلٍ خاطئ، وبشكلٍ منحرف، ويلحق بهذه الأُمَّــة الضرر الكبير جدًّا، ويتحول إلى إنسانٍ خطر يشكِّل خطورةً على أمته، على أمنها، على استقرارها، على خيرها، على ألفتها، على وحدتها، ينشر البغضاء والكراهية، يهدم القيم العظيمة لهذا الإسْــلَام: قيم الرحمة، قيم الحكمة، القيم الخيِّرة التي تبني المجتمع مجتمعاً خيِّراً، صالحاً، متراحماً، متعاوناً، متكاتفاً، محسناً، يبني على أَسَـاسٍ من التوحش، والكراهية، والبغضاء، وانعدام الرحمة، وينطلق في هذه الحياة أيضاً مرتبطاً بشكلٍ أَو بآخر بأعداء الأُمَّــة الذين يستغلونه، ويرون فيه أداةً تستغل في تشويه الإسْــلَام أولاً، وفي تدمير الأُمَّــة من الداخل ثانياً.
والاتّجاه الآخرُ الذي نرى أثرَه السيءَ في واقع أمتنا الإسْــلَامية؛ نتيجةً للأفكار الظلامية والهدَّامة، ونتيجةً للانحراف عن المعارف الإلهية الصحيحة، وعن المفاهيم الصحيحة، هو الاتّجاه الذي أيضاً يبني حالةً من التبعية في واقع الأُمَّــة لأعدائها، التبعية الثقافية، التبعية الفكرية، الانجرار وراء المفاهيم المخادعة التي يقدِّمها أعداء الأُمَّــة، فيضربون بها القيمَ والأَخْــلَاق في أوساط الأُمَّــة، وتدجِّن أبناء الأُمَّــة للطغاة والجائرين والمستكبرين، وتهيئ هذه الأُمَّــة للخنوع والاستسلام لأعدائها.
كلتا هاتين الحالتين هي ناشئة عن الأفكار الظلامية، عن الجهل المركَّب الذي انتشر بين أبناء الأُمَّــة بشكلٍ كبير، فأنشأ دواعش من جانب، وأنشأ منحلِّين عن القيم ويعيشون حالة التبعية العمياء للأعداء (أعداء الأُمَّــة) في المفاهيم، وفي التبعية الثقافية، والتبعية الفكرية، وهذه هي حالة خطيرة جَدًّا، الجهل المركَّب والأمِّيَّة في المفاهيم هي أخطر من الجهل البسيط، وهي أخطر من أمِّيَّة القراءة والكتابة، الشاعر يقول وهو يتحدث عن الجهل المركَّب:
قال حمارُ الحكيم يوماً:
لو أنصَفَ الدهرُ كنتُ أركَبْ
لأَنَّني جاهــلٌ بسيـــطٌ
وصاحبـي جاهِــلٌ مــركَّــبْ
الأُمِّيَّةُ التي تنتشرُ حتى في أوساط الكثير من النخب الأكاديمية، والنخب العلمية هي أمِّيَّة المفاهيم، التصورات الخاطئة، وكذلك الحالة التي نجدها لدى المتزمتين والمغالين والمفرطين والدواعش والتكفيريين هي المفاهيم الظلامية، المفاهيم الخاطئة، التصورات الخاطئة، وكل هذا يمكن أن نعالجه بالرجوع إلى المنبع الصحيح، المنبع الصافي للعلوم والمعارف الإلهية: الثقافة القــرآنية، القــرآن الكريم كما هو، الرجوع إلى القــرآن الكريم وفق ما يقدِّمه القــرآن الكريم، وليس رجوع المتزمتين والمزيفين للحقائق، الذين يهدفون حتى إن رجعوا إلى النصوص القــرآنية إلى العمل على تحريف مفاهيمها، إلى لَيِّ مفاهيمها؛ لتكونَ متوافقةً مع رؤاهم، مع تصوراتهم، مع أفكارهم الخاطئة والسيئة والظلامية التي أوصلت الأُمَّــة إلى الحضيض، أوصلت الأُمَّــة إلى مرحلة سيئة جدًّا، إلى مرحلة التخلف في زمن تقدَّمت عليها فيه سائر الأمم في كُــلّ مجالات الحياة، بينما القــرآن الكريم بما فيه من المعارف الصحيحة يؤسّس ويبني لحضارةٍ عظيمة، بدءًا من تقديمه مفهوماً صحيحاً للاستخلاف في الأرض، ماذا يعني الوجود البشري على هذه الحياة؟ فيؤسّس لحضارة صحيحة، حضارة عظيمة تبني الحياة، وتبني في هذه الحياة أيضاً القيم والأَخْــلَاق العظيمة.
اللهُ -سُبْـحَانَـهُ وَتَعَالَـى- في هذه الآية المباركة يقدِّمُ لنا الصورةَ الصحيحةَ عن المعارف الإلهية وأثرها في الإنسان، لاحظوا أيها الأعزاء، في كثيرٍ من الحالات قد يبدأ الخطأُ بدءًا من الهدف من التعلم والتعليم، عندما يكونُ الهدفُ الرئيسي لمسألة التعلم والتعليم هو الهدفَ المادي، [أنا أريد أن أتعلم لأحصل على وظيفة فأحصل على مرتب]، هنا يبدأ الخطأ، ثم يكونُ لهذا الخطأ آثارٌ سليبةٌ على طول المسيرة التعليمية والعملية، نحن -في البداية- يجب أن نعرف لماذا نتعلم؟ ما الهدف من هذا التعلم؟ نحن أُمَّــةٌ مسلمة، نرتبط بالله -سُبْـحَانَـهُ وَتَعَالَـى- حتى في أهدافنا في هذه الحياة، أهداف مسيرة هذه الحياة، ننشد رضا الله -سُبْـحَانَـهُ وَتَعَالَـى- من كُــلّ عمل، ومن كُــلّ سعيٍ نسعى فيه.
اللهُ -سُبْـحَانَـهُ وَتَعَالَـى- هو نصب أعيننا، هو وجهتُنا، إليه المصيرُ، ورضاه هو الهدف الأول الذي نسعى للوصول إليه. أن يكون الهدف أن تحصل على مقام معنوي، أَو أهداف مادية تكون هي الأهداف بنفسها. هذا هو الخطأ بعينه، هذا هو الذي ضَيَّعَنا كأمة، لاحظوا في الأمم الأُخْــرَى هم يحرصون على أن يرتبطَ الإنسانُ بأهدافٍ كبيرة كأهداف رئيسية لمسيرته التعليمية، أهداف رئيسية جامعة تبني أمتهم كأمة، أُمَّــة متحضرة، أُمَّــة قوية، أُمَّــة لها أهداف كبيرة، حتى أنها تنشُدُ دوراً عالمياً.
لو نأتي مثلاً إلى العملية التعليمية في أمريكا، أَو في اليابان، أَو في أوروبا، أَو في الصين، لا نجد أهدافاً فرديةً، ولا نجد الإنسانَ يرتبطُ بهَدفٍ شخصي ضيق ومحدود: [يريد أن يتعلمَ؛ كي يحصلَ على وظيفة؛ كي يحصلَ على مرتب، والسلام ختام، وانتهى الموضوع]. لا، لهم أهدافٌ كبيرةٌ، يحرصون على أن ينشؤوا أمماً كبيرة، قوية، متحضرة، متمكّنة، ذات حضور عالمي، وأَكْثَــر من هذا، بطموحات استعمارية، يفكر أن يتعلم؛ لكي يكون له دور كبير حتى على المستوى العالمي، أن تكونَ أمته هي الأُمَّــة الأقوى في هذا العالم، أن تكونَ أُمَّــة ذات منعة، ذات إمْكَـانيات هائلة، أن تتمكّنَ من استغلال كُــلّ موارد هذه الحياة، وكل ما في هذه الحياة من نعم وإمْكَـانيات لما يحقّــق لها الرفاهية والسعادة. أهداف عامة، وأهداف كبيرة.
نحن رسم لنا الإسْــلَامُ أهدافاً أعظمَ، وأهدافاً أسمى، وأهدافاً أَكْبَــرَ، وجعل مسيرتَنا التعليمية مسيرةَ بناءٍ لك كإنسان؛ كي تكون إنساناً بناؤك لكي يتحقّــق فيك الكمال والنضج الإنساني، تكون إنساناً زاكياً، تتحلى بمكارم الأَخْــلَاق، تحملُ نفساً زكية غير مدّنسة، نفساً تتربى على مكارم الأَخْــلَاق، وتكون إنساناً راشداً، حكيماً، متنوراً، تحمل المعارف الصحيحة، والرؤية الصحيحة، والفهم الصحيح، ولهذا نقيس أهميّة هذا التعليم الصحيح بأثره العظيم في الإنسان.
هدى الله له هذا الأثرُ في الإنسان، يُعَـلِّمُكَ لكي تعمل، وَيُعَـلِّمُكَ لكي تزكو، وَيُعَـلِّمُكَ لكي تتحَـرّكَ كمسؤول في هذه الحياة يتصرف ويعمل بشكلٍ صحيح، وَيُعَـلِّمُكَ لكي تكونَ مرتبطاً بمنهج الله -سُبْـحَانَـهُ وَتَعَالَـى- المنهج العظيم؛ لأَنَّه في النهاية العملية التعليمية لها منهج، هذا حاصل في كُــلّ الدنيا: العملية التعليمية لها منهجٌ، هذا المنهجُ يتضمن معارفَ معينة، مقروءاتٍ معينةً، أفكاراً معينة تُقدَّمُ للإنسان لكي يؤمنَ بها، ولكي يقتنع بها، ولكي يتحَـرّك في هذه الحياة على أَسَـاسها وبالاستفادة منها، نحن كأمةٍ مسلمة لدينا أعظم منهج، والله -سُبْـحَانَـهُ وَتَعَالَـى- حينما قال في هذه الآية المباركة: {كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ}، يعلِّمنا المعارفَ التي لا وجودَ لها عند بقية البشر، معارف لا يمكن الحصول عليها إلَّا من الله، من خلال ما قدَّمه في كتابه المبارك من هذه المعارف العظيمة جدًّا، والأفكار الصحيحة التي نستفيد منها أفكاراً صحيحة وتصورات صحيحة عن هذه الحياة، وعن واقع هذه الحياة، وعن أهداف هذه الحياة، عن مسيرة هذه الحياة.
{فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ}؛ لأَنَّ هذا يؤسّسُ لنا أولاً الاستقلال الفكري والثقافي، وهذه من أهمّ المسائل على الإطلاق، لا يمكن لنا -كأمة- أن يتحقّـِـقَ لنا استقلالٌ سياسي، واستقلالٌ اقتصادي، واستقلالٌ في واقعنا كأمة، إنْ لم يتحقّــقْ لنا الاستقلالُ الثقافي والفكري، وهذه الآية تبين لنا أنَّ اللهَ -سُبْـحَانَـهُ وَتَعَالَـى- ربطنا به في مسألة المعارف والثقافة؛ لكي نحصل على الاستقلال الفكري والاستقلال الثقافي، وربطنا بأعظم مصدر للمعارف المعارف الإلهية التي يعلمنا الله بها: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ}[البقرة: من الآية282]، معارف من الله، علوم من الله، الذي يخبرنا بها هو الله -سُبْـحَانَـهُ وَتَعَالَـى- ولهذا قال: {يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا}، وأيُّ شيءٍ أعظم من هذا! هل هناك أحد أعلم من الله؟ هذه هي المعارف الصحيحة: معارف من الله -سُبْـحَانَـهُ وَتَعَالَـى- ثم أيضاً يحمينا من المفاهيم الظلامية والتصورات الخاطئة التي تُضِلُّ الإنسان، والتي يخطئ بها الإنسان، وينحرف من خلالها في مسيرة حياته، ولهذا أثر سيء في واقع الحياة بكلها، ثم نلحظ الأثر المميز والبناء الصحيح للإنسان من خلال هذه المعارف في نفس الإنسان وفي مفاهيمه، ثم بالتالي في اهتماماته وأعماله وسلوكياته.
أولُ أثر لهدى الله -سُبْـحَانَـهُ وَتَعَالَـى- وللمعارف الصحيحة: هو الأثرُ الإيْمَــاني في العلاقة مع الله -سُبْـحَانَـهُ وَتَعَالَـى- المعرفة بالله معرفةً صحيحةً تترك أثراً من المحبة لله فوق كلِّ محبة، ومن الخشية لله -سُبْـحَانَـهُ وَتَعَالَـى- الله يقول في كتابه المبارك: {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}[الحشر: الآية21]، هذا الأثرُ المهم يسمو بالإنسان، يرقى بالإنسان، يكبر بالإنسان، يساعده على الاستقامة في مسيرة حياته، ينطلق في هذه الحياة إنساناً يحب الله فوق كلِّ شيء، ويخشى الله فوق كلِّ شيء، فيمتلك طاقة هائلة، قوة معنوية عظيمة جدًّا، يستند إلى الله في مواجهة كُــلّ التحديات وكل الأخطار، يؤمن بالله -سُبْـحَانَـهُ وَتَعَالَـى- وبهذا الإيْمَــان ينطلق في هذه الحياة لا يخشى إلَّا الله، ويحب الله فوق كلِّ شيء، يتحرر من قيود وأغلال المحبة المادية التي هي مفرطة، وأيضاً من أغلال وقيود الخشية من الناس، فيمتلك طاقة إيْمَــانية هائلة، ويتصل بحبل الله -سُبْـحَانَـهُ وَتَعَالَـى-؛ ليحظى من خلال هذا الإيْمَــان وهذه العلاقة بالرعاية الإلهية الدائمة: هدايةً، وعوناً، وتثبيتاً، وتأييداً، وسكينةً، وتوفيقاً، ويكون لهذا أثر كبير في حياته.
أثر هذا أيضاً -كما قلنا- في التزكية ومكارم الأَخْــلَاق: كُــلّ ما في واقع هذه الحياة من جرائم ومفاسد ومظالم تؤثر على حياة البشر، وتشقي هذا الإنسان، منشؤها خللٌ في التزكية، خلل في الزكاء (في زكاء النفوس)، الإنسان المجرم الشرير، الإنسان الطاغية، الإنسان المفسد، الإنسان المنحرف أَخْــلَاقياً يعاني من مشكلة في زكاء النفس، القــرآن الكريم، المعارف الإلهية، العلم الحقيقي والنافع من أهمّ آثاره في الإنسان أنه يزكِّي النفس البشرية، يربيها على مكارم الأَخْــلَاق، يسمو بها؛ حتى تكون نفساً تعشق مكارم الأَخْــلَاق، وتمقت مساوئ الأَخْــلَاق، إنساناً يرى الشرف في العفة، يرى الكرامة شيئاً عظيماً ينشد إليه، ينجذب إليه، يتأثر به، فينشأ إنساناً صادقاً، صالحاً، عنصراً خيِّراً في واقع الحياة.
عندما نرى الأثرَ السيءَ للخلل الكبير في التزكية في الناس، في الإنسان في أيِّ موقع من مواقع المسؤولية، وفي أيِّ مجالٍ من مجالات الحياة، أما إذا كان الإنسان السيء الذي يعاني من خلل في تزكية النفس في موقع مهم في هذه الحياة من مواقع المسؤولية: أمير، أَو ملك، أَو رئيس، أَو مسؤول، يكون ضرره أَكْبَــر في واقع الحياة، ودوره أسوأ في واقع الحياة، والإنسان بشكلٍ عام، ثم المجتمع كمجتمع، إذا كان مجتمعاً يتزكى، يتربى على مكارم الأَخْــلَاق، تستقيم حياته، تصلح حياته، يسمو، ينمو وتنمو فيه مكارم الأَخْــلَاق، وتنمو فيه الحياة على نحوٍ عظيم، ولهذا يقول الله -سُبْـحَانَـهُ وَتَعَالَـى-: {يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ}، فالتعليم والتربية مقترنان، والتعليم الصحيح هو الذي يربي تربية صحيحة، والمفاهيم الخاطئة هي التي تربي تربيةً سيئة.
من أهمّ الآثار للعلم الصحيح والمعارف الإلهية النافعة الاستشعار للمسؤولية: وهذا موضوعٌ رئيسيٌ وأَسَـاسيٌ في المعارف الإلهية، وفي الثقافة القــرآنية، وفي المفاهيم القــرآنية، القــرآن الكريم والرسول -صلواتُ الله عليه وعلى آله- يعلِّمنا المسؤولية، من أهمّ ما يعلمنا، وفي مقدِّمة ما يعلِّمنا المسؤولية، أن استشعر مسؤوليتي في هذه الحياة، مسؤوليتي في كُــلّ مجال من مجالات حياتي، بدءًا من واقعي الشخصي في سلوكياتي، في تصرفاتي، ثم تجاه محيطي الأسري، ثم تجاه محيطي المجتمعي، ثم تجاه البشرية بشكلٍ عام، وتأتي فرائض معينة، مثل: فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمفاهيمها الصحيحة القــرآنية، التي تتجهُ نحو كُــلِّ مجالٍ من مجالات الحياة لتصلح فيه، لتصححه، لتبنيه على أَسَـاسٍ من المبادئ، والقيم، والأَخْــلَاق، والمصلحة العامة، والخير لهذا الإنسان. فريضة الجهاد في سبيل الله بمفهومها الصحيح البنَّاء لدفع الظلم، لدفع الطغيان، لدفع الشر، لحماية الأُمَّــة، لحماية استقلالها وكرامتها والدفاع عنها.. ثم هكذا مسؤوليات متعددة: مسؤوليات في الجانب المالي، مسؤوليات في كُــلّ المعاملات؛ حتى تكونَ المعاملةُ من أهمّ ما يتجسد فيه الدين، لدرجة أن يقول: (الدين المعاملة)، المسؤولية هذه التي يربينا عليها الإسْــلَام فتجعلنا نتحَـرّك في هذه الحياة ونحن ندرك ما علينا من مسؤوليات، ونتصرف بناءً على هذه المسؤوليات، من أهمّ ما في الإسْــلَام، من أهمّ ما في القــرآن، من أهمّ ما تقدِّمه المعارف الإلهية، فمن يأتي ليعلم الناس الأنانية، والجمود، والقعود، واللامسؤولية، والانفلات، واللامبالاة بالقضايا المهمة والقضايا الجامعة، هو لا يُعَلِّم الناس إلَّا المفاهيم الخاطئة، إلَّا الأفكار الظلامية الهدَّامة.
من أهمّ الأثر العظيم للمعارف الإلهية، للقــرآن الكريم، للثقافة القــرآنية، للعلم النافع هو الوعي، الوعي: هو يعلِّمك الوعي، أن تكونَ إنساناً يمتلك الوعيَ تجاه كُــلّ شؤون الحياة: الوعي بالناس، الوعي بالواقع، الوعي بالأحداث، الوعي بالفئات التي تتحَـرّك في واقع البشر مهما كانت عناوينها التي تتحَـرّك من خلالها، الوعي بالمسؤولية، الوعي الذي هو نورٌ تستضيء به تجاه واقع الحياة، وهذه من أهمّ الثمار المجتناة، والثمار الطيبة، والثمار العظيمة للعلم النافع، للثقافة القــرآنية، لهدى الله -سُبْـحَانَـهُ وَتَعَالَـى- البصائر، الله يقول في كتابه الكريم: {قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ}[الأنعام: من الآية104]، هذا الوعي الذي يحصِّن الساحة يحصِّن الأُمَّــة من كُــلّ الأفكار الظلامية، ومن كُــلّ الظلاميين الذين يأتون تحت أي عنوان، فلا يتمكّنون من خداع من امتلك الوعي من خلال هدى الله، من خلال العلم النافع، لا ينخدع بأية عناوين وراءها قوى ظلامية، ووراءها مساعٍ هدَّامة وتدميرية، يعرف أساليب أهل الباطل، أساليب أهل الضلال، الأساليب والعناوين التي يستخدمها الظلاميون من كُــلّ فئات البشر وأشكالهم، وبالتالي هو محصَّن بالوعي لا ينخدع، وفي نفس الوقت لا يتأثر تأثراً سيئاً لمن هبَّ ودبَّ، لا يعيش حالة الفوضى في التلقي والتأثر بكل ما سمع، ليس إنساناً فاضياً، ما سمعه تأثَّر به، البعض من الناس كما نقول: (كالصحن اللاقط)، ما وصل استقبله استقبله وتأثَّر به، قد يسمع أي كلمة من أي إنسان وتأثَّر بها، بنى عليها تصوراً، بنى عليها موقفاً. مثل هذا الإنسان لن يكون راشداً، الوعي هو يحصِّنك من الاستغلال، الإنسان يُستَغل، الإنسان يُستَعبد -إلى درجة الاستعباد- إن لم يمتلك الوعيَ؛ لأَنَّهم يأتون كُــلَّ فئات الضلال تأتي تحتَ عناوينَ معينة، كُــلّ فئة ضلال لها نشاط إعلامي، لها نشاط ثقافي، لها نشاط ذو طابع فكري، تحاول من خلاله أن تدجِّن الآخرين لها، وأن تستغلهم، وأن تستعبدهم، وأن تخضعهم، وأن تهيأ الساحة لمواقفها وأهدافها وتوجّـهاتها، فالأمة إذا امتلكت الوعي تحصنت، لو وجَّه الآخرون إليك مليون قناة فضائية، وأتوا إليك بمليون تكفيري، وأتوا إليك بأي وسيلة وبأي عنوان، لن يستطيعوا أن يؤثِّروا فيك أبداً، ولا أن يغيِّروا فيك قناعةً واحدة ابتنت على يقين، على وعي، على بصيرة، بل تكون أنت محصَّناً فلا تتأثر من هنا أَو هناك.
اليومَ لو نأتي إلى كُــلّ فئات الاستكبار، وفي المقدِّمة الأمريكي، كُــلّ فئات الاستكبار والاستعمار والطغيان في هذا العالم لها نشاط هائل، نشاط عنوانه العام هو الحرب الناعمة، نشاط ذو طابع فكري، ذو طابع إعلامي، ذو طابع تثقيفي، وهم يتمكَّنون من التأثير على الناس من خلال هذا، ومن ثَمَّ الاستعباد للناس، والسيطرة على الناس، الإنسان إذا تمت السيطرة عليه فكرياً وثقافياً، أمكنت السيطرة عليه سياسياً، أمكنت السيطرة عليه والاستعباد له في واقع حياته.
ونحن في هذه المرحلة أهمُّ ما نحتاج إلى أن نتسلحَ بسلاح الوعي، وأن نتحصن بالوعي تجاه كُــلّ ما يمتلكه الأعداء من وسائل للتأثير الفكري والثقافي، ولصناعة الرأي العام، وللتأثير على البشرية في أفكارها وتوجّـهاتها، فمن أهمّ الآثار العظيمة لهدى الله وللعلم النافع الوعي: الوعي بالعدوّ، الوعي بالناس، الوعي بالحياة، الوعي بالواقع، الوعي بالأحداث، مفاهيم صحيحة هي تمثِّل النور تستضيء بها، وبصائر تبصر بها الواقع كما هو، الحقائق كما هي، الأحداث بخلفياتها الحقيقية، بحيثياتها الواقعية.
أيضاً من هم آثار هدى الله والعلم النافع والمعارف الإلهية الحكمة: ولهذا {وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} (وَالْحِكْمَةَ)، الحكمة عندما نمتلك الرؤى الصحيحة الصائبة، وبالتالي نزن على ضوئها تصرفاتِنا، ومواقفَنا، وأعمالَنا، وسلوكياتِنا، نكون حكماءَ، ونحن كشعبٍ يمني يجبُ أن نكونَ طُلَّاباً للحكمة، وشغوفين بالحكمة، وحريصين على الحكمة، أن يكون الإنسان حكيماً في رؤيته، وفي تصرفه الحكيم، وفي قوله الحكيم، وفي موقفه الحكيم.
(الإيْمَــان يمان، والحكمة يمانية)، سنكون كشعبٍ يمني حكماء بقدر ما نرتبط بهذا الهدى: بهدى الله، بكتابه الكريم، بثقافته المباركة، عندما نرتبط بالعلم النافع، عندما نرتبط بالمعين الصافي للمعارف فنحصل على المعارف الصحيحة، نكون -بالفعل- حكماء في الرؤية، في الموقف، في التصرف، في السلوكيات، ونكون شعباً راشداً، أمتنا بشكلٍ عام كأمةٍ إسْــلَامية كذلك.
فهذه الخمس العناصر الأَسَـاسية هي في مقدِّمة ما يميِّز هدى الله -سُبْـحَانَـهُ وَتَعَالَـى- في أثره في الإنسان، الأثر الطيب والعظيم للمعارف الصحيحة والمعارف الإلهية والعلم النافع، أما العلمُ الضارُّ الذي يقدِّم مفاهيمَ خاطئةً تحت عنوان علم، أفكاراً ظلامية تحت عنوان علم، فهو الجهل المركَّب، الجهل المركَّب، وهي الأمِّيَّة في المفاهيم التي يجب أن نكونَ على حذرٍ منها.
نحن نأملُ -إن شاء الله- أن تستمر الأنشطة التعليمية والمسار التعليمي، ما بعد الدورات الصيفية يمكن أن يكون هناك مسارٌ يتلاءم مع الظروف والمراحل القادمة، ويلائم ما بين الجانب المدرسي والجامعي، والأنشطة الداعمة والمساعدة والمفيدة والمساندة التي ترتقي بالإنسان في معارفه، وفي علومه، وفي أفكاره، وفي تصرفاته، وفي مسيرة حياته، هذه هي النتيجة: في مسيرة حياته.
العملية التعليمية هي عملية دائمة، عملية للحياة بكلها، نحن دائماً ما نذكِّر كيف أنَّ الله -سُبْـحَانَـهُ وَتَعَالَـى- قال لنبيه محمد -صلواتُ الله وسلامُه عليه وعلى آلِـه- وهو الذي بلغ مرتبة عالية جدًّا في العلوم والمعارف، إلى درجة أنه عبَّر عن ذلك بقوله -صلواتُ الله وسلامُه عليه وعلى آلِـه-: (أنا مدينة العلم)، مدينة العلم رسول الله -صَلَــوَاتُ اللهِ عَلَيْــهِ وَعَلَـى آلِــهِ- الذي حاز واحتوى على المعارف العظيمة، هو الذي علَّمه الله أن يقول: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا}[طه: من الآية114]، هي مسيرة حياة، مسيرة التعلم هي مسيرة حياة، يبقى الإنسان حريصاً في كُــلّ مراحل حياته إلى أن يلقى الله أن يكتسب دائماً المزيد والمزيد من المعارف الصحيحة، من الهداية الإلهية، من الحكمة الربانية، من العلم النافع، ويتعوذ بالله- كما كان رسول الله -صَلَــوَاتُ اللهِ عَلَيْــهِ وَعَلَـى آلِــهِ- يتعوذ- من علمٍ لا ينفع، من المعارف الضارة التي تقدَّم للإنسان تحت غطاء أنها علوم ومعارف، ونحن نحرص- دائماً- على أن يتجه شعبنا العزيز في المعارف الدينية والمعارف الطبيعية، معارف بقية مجالات الحياة: في الطب، الفيزياء، الكيمياء.. وكل المعارف الإنسانية التي تبنى على أَسَـاسٍ من المبادئ والقيم الإلهية، حتى تدخل حيز الحياة على أَسَـاسٍ من المسؤولية؛ ليكون اتّجاهنا هو بناء حضارة إسْــلَامية صحيحة، حضارة إسْــلَامية بما تعنيه الكلمة، وفي الإسْــلَام وفي القــرآن ما يهيئ للأُمَّــة الإسْــلَامية أن تكونَ هي الرائد الحقيقي لأسمى وأشرف حضارة في الواقع البشري، هذا ما نأمل أن نسير نحوه إن شاء الله وبتوفيق الله سُبْـحَانَـهُ وَتَعَالَـى.
أطلت كثيراً، لا يتسع لي المجال للتطرق إلى الوضع الإقليمي والمحلي والدولي، إِلَّا في بعض النقاط وبشكلٍ مختصر جدًّا:
أولاً: في واقعنا في البلد: جزءٌ من صمودنا، وجزءٌ من ثباتنا، وجزءٌ من قوة موقفنا عبَّر عنه هذا النشاط التعليمي الفاعل والقوي، الذي شمل كثيراً من المحافظات والمناطق بالرغم من ظروف الحرب والحصار، هذا جزءٌ من الصمود، وهذا الصمود يتجه نحو كُــلّ مجالات الحياة، نحن نأمل -إن شاء الله- في كُــلّ مجالات الحياة أن يكون اتّجاهنا اتّجاه العمل، اتّجاه البناء، الاستمرارية بشكلٍ صحيح مهما كانت الظروف والمعاناة، حتى على المستوى الاقتصادي نحن نأمل -إن شاء الله- أن يكون هناك مسارات عمل تنبثق عن الرؤية الوطنية في كُــلّ المجالات الاقتصادية، نواجه بها التحديات، ونواجه بها العدوان حتى في الجانب الاقتصادي.
نحن أيضاً فيما يتعلق بالعدوان، بفضل الله -سُبْـحَانَـهُ وَتَعَالَـى- هناك صمود- بتوفيق الله، بمعونة الله، بنصر الله- صمود عظيم، والعدوّ هو يعيش حالة التخبط والتفكك يوماً بعد يوم، نحن نأمل أن تصدق الإمارات في إعلانها الانسحاب، وإن كانت حاولت أن تغيّر حتى العنوان إلى عنوان إعادة الانتشار، إلَّا أنَّ نصيحتي للإمارات هي أن تصدق، هذا لمصلحتها هي، لمصلحتها حتى على المستوى الاقتصادي، وضعها يشكِّل خطورةً عليها على المستوى الاقتصادي.. وعلى كُــلّ المستويات، استمرارها في العدوان، واستمرارها كذلك في الاحتلال لبلدنا يشكِّل خطورةً عليها، تتحمل هي مسؤولية ذلك، نصيحتنا لها أن تصدق، وأن تكونَ جادةً في هذا التوجّـه، إذا صدقت واتجهت بجدية فهذا هو الموقف الصحيح، الذي نأمله أيضاً من كُــلّ دول التحالف (تحالف العدوان على شعبنا اليمني العزيز).
النظامُ السعوديُّ وهو يغرقُ أَكْثَــرَ فأَكْثَــرَ في هذا العدوان يجب عليه أن يأخذَ الدرس، أن يأخُذَ العبرة، أن يرى ما يعيش هذا الشعب من ثبات وتماسك وقوة معنوية هائلة؛ لأَنَّها تستند إلى مبادئ، إلى قيم؛ لأَنَّه يمن الإيْمَــان والحكمة، صموده من إيْمَــانه، وثباته من إيْمَــانه، وتماسكه من إيْمَــانه، وقوته من إيْمَــانه، شعبٌ يستحيل أن يخنع لغير الله -سُبْـحَانَـهُ وَتَعَالَـى- وأن يستعبده أحدٌ إلَّا الله -سُبْـحَانَـهُ وَتَعَالَـى- يجب على السعودي أن يأخُذَ العبرة، نحن الآن في العام الخامس من العدوان، بذل كُــلّ جهده، حلبه الأمريكي حتى يكاد ضرعه أن يجف، عليه أن يحذر، وإلَّا فكلما تمادى في عدوانه فلن نألوَ جهداً في أن نعمل كلما نتمكّن منه، كلما نستطيعُه من ضربات موجعة، ونحن نحذره وننبهه على ما تشكِّله هذه الضربات الموجعة عليه من تأثير كبير، وحتى على من يقف ورائه من القوى الدولية وفي مقدمتها الأمريكي، من أمثال عملية التاسع في شهر رمضان المبارك، على السعودي أن يأخذ العبرة، وعليه أن يدركَ أن مصلحتَه ومصلحة المنطقة بكلها هي في السلام، هي في الكف عن العدوان، هي في الاستقرار، أما الاستمرار في العدوان، والاستمرار في التصعيد، فلن يكون إلَّا نحو المزيد أيضاً من التصعيد من جانبنا؛ لأَنَّنا حينها لا خيار لنا إلَّا أن نتجه نحو التصعيد أَكْثَــر فأَكْثَــر كلما استمر العدوان في تصعيده.
على المستوى الوضع الداخلي: ما حصل من ممارسات في عدن تجاه بعض أبناء المحافظات الشمالية وبعض المحافظات، هذا هو يكشف حقيقة المشاريع الأجنبية في بلدنا، هي مشاريع تجزئه وتفكيك وبعثرة وتقسيم وتجزئة واحتلال، هي مشاريعُ تهدفُ إلى إنشاء حالة من العداوة والبغضاء بين أبناء شعبنا تحت كُــلّ العناوين: تحت العناوين المذهبية، تحت العناوين المناطقية، تحت العناوين العنصرية.. تحت كُــلّ العناوين، ولماذا؟ هل لمصلحة هذا الشعب؟ لا، ليس لمصلحة أي أحد في هذا البلد؛ لأَنَّ مصلحتَنا جميعاً في هذا البلد كشعبٍ يمني هي في أُخوَّتِنا، هي في تعاوننا، هي في السلام والأمن والاستقرار، هي في العيش بتآخٍ، بسلامٍ، بودٍ، ثم إن تلك العناوين التي قد ينطلق البعض منها لمواقف عدائية هي عناوين خاطئة، لا يجوز لك في الإسْــلَام أن تعادي أحداً لمنطقته (لأنه ينتسب إلى منطقة معينة)، أَو لعنصره (لأنه من عُنصرٍ معين)، هذا لا أَسَـاس له في الإسْــلَام أبداً، ويجرم أيضاً حتى في القوانين الدولية والأعراف الإنسانية، هذا هو توجُّـهٌ وحشي، توجُّـهٌ خاطئ، لا إنساني، خارج حتى عن الأعراف الإنسانية؛ ولذلك كُــلّ ما يحصل من تحَـرّكات سيئة: إما تحت العناوين التكفيرية والداعشية، وإما تحت عناوين معينة كالعناوين المناطقية، هو يكشف ما يريده المحتلّ الأجنبي، والعدوّ الأجنبي، والمعتدي الأجنبي من تجزئه لأبناء هذا البلد؛ لتسهيل السيطرة عليهم، لتسهيل السيطرة عليهم، يخلق عندك نوعاً من الحساسية المفرطة تجاه أخيك، ثم يستعمرك هو ويستعبدك هو، فيأتي البعض -في الوقت الذي يصبح فيه كارهاً أشد الكراهية لكل أبناء شعبه اليمني- يمجِّد الإماراتي ويعظِّم الإماراتي، وهذا شوهد حتى في بعض مشاهد الفيديو، البعض بات يمجِّد الإماراتي الذي أتى ليحتل بلده، وليسيطر عليه تحت الإدارة الأمريكية والإشراف الأمريكي والبريطاني، فيما هو بات يكره أبناء شعبه، يسيء إليهم، ويعاديهم، ويعتدي عليهم.
نحن كشعبٍ ننتمي للإيْمَــان، للإسْــلَام، لهذه الهُــوِيَّة العظيمة، يأبى اللهُ لنا ذلك، يأبى اللهُ لنا أن نبغضَ أحداً لأجل منطقته، أَو لأجل عُنصره ونسبِه، الإسْــلَامُ هو الذي يجمعُنا، الإسْــلَامُ هو الذي يعلِّمُنا كيف نكونُ، نعيشُ الإنسانيةُ في حقيقتها، في فطرتها، في مبادئها، في أَخْــلَاقها العظيمة، ولهذا نحن نؤكِّدُ أن هذا هو فضيحة للعدوّ، وفضيحة لعملاء العدوّ، فضيحةٌ لهم، ويجب أن يواجهَ مثل هذا التصرف بالإدانة من الجميع، وأن نعزز في واقعنا الداخلي كُــلّ الروابط الأخوية؛ لأَنَّ العدوّ كما هو يشتغل على كُــلّ العناوين، هو يسعى لاستغلال أية مشكلة مهما كانت، يحرص العدوُّ أن تكونَ الحالة السائدة في داخل الشعب اليمني هي حالة التفرق والتباين والتباغض، هي حالة المشاكل والأزمات التي لا حصر لها ولا عَدَّ لها، أن تقتتل تلك القبيلة مع تلك القبيلة، وتلك الأسرة مع تلك الأسرة، وذلك الشخص مع ذلك الشخص، أن يبقى هذا ضد هذا على أتفه الأسباب، على أبسط الخلافات، ويتجه البعض تجاه أية إشكالية ليجعل منها قضية ومعركة ومشكلة على الفيس بوك ومواقع التواصل الاجتماعي، في الساحة، في الميدان، هذا ليس من الحكمة، وليس من الإيْمَــان، وليس من العلم النافع، كُــلّ المشاكل الداخلية -مهما كانت، ومهما كانت أسبابها- يمكن أن تعالج، ويمكن لكل الجهات المعنية في هذا البلد أن تتعاون على المستوى الرسمي والشعبي لمعالجتها بشكلٍ صحيح وبشكلٍ بنَّاء، في مقابل أن يكون هناك حرص من الجميع على السلام والأمن والاستقرار في وضعنا الداخلي؛ كي نتصدى لهذا العدوان ونحن نستند إلى حالة من الاستقرار الداخلي، هذه مسألة مهمة جدًّا.
فيما يتعلق بفريضة الحج: للأسف الشديد يعاني أبناء شعبنا -كما غيرهم أيضاً- من قوى العدوان، من النظام السعودي فيما يضعه من قيود كبيرة، وإجراءات واستغلال سياسي، واستغلال سلبي للحج ضد أبناء الأُمَّــة، وضد من يختلف معهم من أبناء الأُمَّــة، وبالتأكيد كان لها تأثير كبير على وضعنا كشعبٍ يمني، على إمْكَـانية الذهاب لفريضة الحج، والكثير من الناس لا يمكنهم ذلك؛ بسَببِ موقف النظام السعودي المعادي لهذا الشعب العزيز.
نحن نأمل أن يراجع النظام السعودي حساباته في أسلوبه في التعامل مع مسألة الحج ومع البلدان الأُخْــرَى؛ لأَنَّ هذا يثبت يوماً بعدَ يوم أنَّه ليس جديراً بإدارة المشاعر المقدَّسة، كلما أدخلها في حساباته ومواقفه، كلما أثبت أنه ليس جديراً بإدارتها، نحن نأملُ أن يراجِعَ حساباته، وإلَّا فلهذا -مع طول الوقت، مع تراكم الأحداث، مع الاستمرارية في هذه التصرفات السيئة وهذا الاستغلال القذر- لهذا تأثيرات كبيرة عليه أمام الله -سُبْـحَانَـهُ وَتَعَالَـى- وأمام الأُمَّــة الإسْــلَامية في قادم الأيام.
نحن أيضاً ندينُ أيَّ استغلال في فريضة الحج لهذه الفريضة ضد شعبنا العزيز وضد أمتنا الإسْــلَامية، سواءً خلال الخطابات، ومنها الخطابات التي تُلقى في المسجد الحرام، أَو في عرفات، وتتبنى مواقفَ عدائيةً لشعبنا اليمني، أَو تتبنى تأييدَ النظام السعودي في مواقفه العدائية للأُمَّــة، وسعيه للتطبيع مع إسرائيل الذي بات ينكشفُ يوماً إثرَ يوم في كُــلّ أشكاله: السياسية، والإعلامية، والعسكرية، والأمنية، والاقتصادية، ندينُ كُــلَّ أشكال الاستغلال السلبي لهذه الفريضة ضد أبناء الأُمَّــة ولمصلحة أعدائها.
نكتفي بهذا المقدار.. نَسْأَلُ اللهَ –سُبْحَانَــهُ وَتَعَالَى- أن يوفِّقَ كُلَّ هؤلاء الطلاب، وَأن يوفِّقَنا وإيَّاكُم جَميعاً لنهتديَ بهديه، أن يزيدَنا علماً وحكمةً ونوراً وبصائرَ، ونَسْأَلُهُ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- أَنْ يَرْحَــمَ شُهْدَاءَنا الأبرارَ، وَأَنْ يشفِــيَ جرحانا، وَأَنْ يفــرِّجَ عن أسرانا وَأَنْ يَنْصُرَنَا بنَصْرِهِ.. إِنَّـهُ سَـمِيْـعُ الدُّعَـاء.
وَالسَّـلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُه.