تفاصيلُ مصيدة «آل ثابت»: زحفُ المرتزقة إلى الجحيم
المسيرة | يحيى الشامي
من أصقاع الجبهات وشتات مخيمات الارتزاق، جمع السعوديون حشوداً من المرتزِقة اليمنيين إلى ما يصفونه معركةً مضمونةَ النجاح، لم يتجرأ أحدٌ من المرتزِقة على السؤال عن مكانِ الجبهة وطبيعة المعركة التي يُحشَرون إليها إلا همساً فيما بينهم لا ترتفعُ نبرتُه ولا يفيد أَو ينتظر جواباً.
وقودُ المحرقة
استمرت عمليةُ الحشد والتجميع لأشهر من بين مرتزِقة مستجَدين سيدخلون المعركةَ للمرة الأولى، لكن الأغلبية كانت من أولئك المرابطين في عشرات الجبهات سواء في الداخل اليمني أَو على ثغور الحدود وطول خطها الناري الملتهب منذ حوالي خمس سنوات.
لم يشك المرتزِقة في أن السعودية ترمي من وراء تجميعهم لشن عمليات جديدة من حدودها على الأراضي اليمنية، هذه الغايةُ هي الأهم لدى السعوديين حتى وإن أدّى سحبُ المرتزِقة من جبهات الداخل إلى إحداثِ ثغرات وفجوات تؤدي تداعياتها إلى تخلخل وضع الجبهة وتفكك تماسكها وربما انهيارها، هذا كله لا يكترثُ السعوديُ له وهو في آخرِ سُلِّمِ اهتماماته خاصةً في الآونة الأخيرة من حربه على اليمن، وبلحاظ تزايد ورطته في التي أعمق أوحالها وأعقدها في حدوده الجنوبية في عسير ونجران وجيزان.
قبل أسبوع وتحديداً قبل ساعات من شن الزحف، عرف المرتزِقة أنهم يُساقون وقوداً وحطباً لجبهة جديدة ليس لهم من أمرها إلّا القتال فيها والزحف نخوها، فقد أبلغهم القائد السعودي بالتوجيه الصادر وأضاف أن الطيران سيساندُهم في حال واجهوا أية مقاومة وإلّا فالأصل أن طريقهم “معبّدة وممهدة وسالكة” وَفْــقاً لمعلومات قدمتها الاستخبارات السعودية، والتي أفادت في سياق شرحها لخطة الهجوم والسيطرة على منطقة “آل ثابت” بمديرية قطابر، بأن المنطقة لا وجودَ فيها لقوات الجيش واللجان وأن أهالي المطقة سيستقبلونهم بالتراحيب وسيُقاتلون معهم.
صدّقَ المرتزِقةُ الجُدُدُ المعلوماتِ لكنها لم تخفف من قلقهم وخوفهم المتزايد مع اقتراب موعد الزحف، بينما تلقاها المرتزِقة القُدامى بنوعٍ من التشكيك والريبة، بحكم تجربتهم السابقة مع السعودي الذي آخرُ ما يُفكر فيه هو مرتزِقته وأرواحُهم، قال أقدمهم للمستجدّين: “لا شيء تغير في معلومات السعودي التي يقدمها إلينا في كُــلّ مرة، الفرق فقط أن هذه الأخيرة توحي بمصيدة كبيرة طالما وفي الأمر جبهةٌ جديدة وصلناها توّاً وسنزحف بعد قليل”.
بداية الزحف
بدأ المرتزِقةُ الزحفَ على نحو تسلُّلٍ، هدفُ العملية هو الوصول إلى آل ثابت (السوق والقرية والجبال المحيطة)، على خير ما يروم الزاحفون سارت القوات وقوامها بتجاوزُ الألف فيما تأهب البقية للإسناد والتعزيز، ساعة مضت وكل المؤشرات مبشرة بالنصر واكتمال السيطرة، تقدم المشاة ولحق بهم إسناد المدرعات والآليات، وعند تخوم المنطقة الهدف توزعت القوات وانتشرت وشرعت في إجراءات التأمين وتكريس التواجد وكالعادة بدأت أعمال النهب والسرقة تطال المزارع وأموال السكان الذين تصادفها أيادي “الفاتحين الجُدد” أَو “جيش التحرير” وآلياتهم العسكرية على طول الطريقِ.
مع مرورِ الوقتِ واحتفاظِ الجميعِ بذخائرهم دون الحاجة للرصاص، عاشت قوّات الارتزاق النصرَ وبدأت في التواصل بالقيادة السعودية للاحتفال، تلقّى قادة المرتزِقة التهاني المذيَّلة بسرد فضائل “التحالف” وَتعداد مكارمه وأدواره البطولية وإسناده السخي الذي لولاه ما تحرّرت “آل ثابت” وما قبلها.. وفي أجواءِ من الفرح تواصل قدومُ التعزيزات المثبتة لـ”النصر” والمؤمنة لحدود المنطقة “المحرّرة”.
قال أحدهم لرفاقه “لعلها من العمليات النادرة التي لا يسقطُ لنا فيها قتيل أَو جريح”.
المصيدة
كادت الفرحة أن تتم لولا أن قاطعتها أصواتُ نيران قريبة وقريبة جِـدًّا، “ليست مجرد نيران مقاومة للتقدم”.. يقول قيادي مرتزِق ويضيف “أخشى أن نكون وقعنا في مصيدة كبرى”.
سَرعانَ ما تثبتت روايتُه وتأكّــدت مع تساقط العشرات من حوله قتلى، وما تزال مصادرُ النيران مجهولةً، لكنها هُوِيَّتها التي لا تخطئ أهدافها معروفة ومألوفة.
تقطعت السبل بالمرتزِقة وتمزقت وحدة صفهم إلى مجاميعَ شاردة في جبال ووديان الحدود، بدأ بعضُ القادة بالصُّراخ عبر أجهزة الاتصال اللاسلكية، تزدادُ حدةُ الصراخ والعويل مع مرور الدقائق ويتلو البعضُ منهم ما يشبه وصية ملؤها الحسرة وَالندم، خاصةً أولئك الذين تأكّــد لهم أنهم لن ينجوا من فخ الجبهة الجديدة.
استغل الكثيرُ ممن لا يزالون بعيداً عن مربع الحصار السبيلَ السالكَ للعودة وولّوا أدبارهم بالمئات حتى أن البعضَ لم تسعفه آليتُه ليهرُبَ بها فتخلى عنها وتركها غنائمَ لأبطال الجيش واللجان ولأبناء المنطقة الذين تسابقوا في المعاركِ؛ بغية التنكيل بالغزاة الطامعين بأرضهم، كان البعضُ منهم يردّد في لهف مقولة: “وأخيراً جاءوا، واللهِ لن يعودوا سالمين”.
كثيرٌ من تفاصيل الجبهة الجديدة روتها عدسةُ الإعلام الحربي والأَكْثَــرُ ما تزالُ قبائلُ قطابر ورجالاتها ترويها مزهوَّةً بأداء واجبها من معركة.
التحرُّرُ والاستقلال تفاصيلُ تكتنز في ملاحمها بطولات اليمني حين يستفزه الغازي ويستنفره داعي العرض والأرض، فيما يروي الأسرى وعددُهم بالعشرات تفاصيلَ المهانة التي عاشوها في معسكرات السعودية والخنوع الذي أُلبِسوه في معاركَ دخلوها تحت بريق الريالات دون مشورتهم، ولا حتى اطلاعهم على طبيعة تضاريسها وطبائع سكانها.