الجنوبيون من تسريح 94 إلى الإلغاء في ظل الاحتلال الجديد
إبراهيم السراجي
التسريح القسري الذي تعرض له العسكريين والموظفين في الجنوب نتيجة لحرب صيف 94 كان من أهم أسباب نشوء القضية الجنوبية بالإضافة إلى أسباب أخرى تتعلق تلك الحرب.
استطاع الحراك الجنوبي منذ الإعلان عنه أن يصمد كحامل للقضية الجنوبية رغم التجاذبات والاستقطاب التي تعرض لها الحراك الجنوبي وأدت في عدة مراحل إلى ضعفه بفعل الانقسامات التي نتجت عن ذلك.
اليوم يتعرض الحراك الجنوبي للتسريح الكامل بل والإلغاء على المستويين السياسي والميداني بفعل الاحتلال السعودي الإماراتي لعدن الذي ترتب عليه إقصاء الحراك الجنوبي وعرض قياداته للاغتيال من قبل داعش والقاعدة الذراع السعودية وتعرض مقاتليه للتخوين في أكثر من مرة من قبل الإماراتيين.
وإذا كان الجنوب قد خرج من حرب 94 وتداعياتها فإن الحراك الجنوبي على الأقل قد امتلك قضية لاقت اعترافاً وتعاطفاً من قبل القوى الوطنية وفي مقدمتها أنصار الله الذين ساندوا فريق الحراك الجنوبي في مؤتمر الحوار الوطني، ولكنه اليوم يبدو وكأنه يخرج وقد فقد قضيته الأهم وفقد الاعتراف من قبل من يعتقد أنهم أصدقاء له من دول تحالف العدوان.
في الأيام الأولى من العدوان السعودي على اليمن كانت القراءات المتوازنة التي تخرج عن السياسيين والخبراء تقول إن ما سيحدث بفعل العدوان هو عملية تسليم سعودي للجنوب للقاعدة وداعش وكان أن حدث ذلك فعلاً عندما تم تسهيل سيطرة القاعدة على حضرموت في أولى أيام العدوان ولم يبدو أن لدى تحالف العدوان أن نية لمنع ذلك بل تطور الأمور وأصبح تنظيم القاعدة يتلقى الدعم المادي والعسكري بشكل مباشر في حضرموت من النظام السعودي.
ما يحدث اليوم في عدن من انفلات أمني مخطط له وأصبحت مظاهرة واضحة للعالم وتديره سلطات الاحتلال التي تمنح كل يوم مساحات أوسع من المحافظة للقاعدة وداعش فيما ينحسر تأثير وتواجد الحراك الجنوبي وفصائله المسلحة الذي يراد اليوم منها أن تكرر خطأها بالتعاون مع العدوان ومليشيات الإصلاح والقاعدة بالدفع بهم للقتال في صفوف قوات الاحتلال ومرتزقته في المحافظات الشمالية.
حين شعر الحراك الجنوبي وفصائله المختلفة أن بالإمكان الاستفادة من العدوان على اليمن للدفع بالقضية الجنوبية إلى الأمام وتحقيق أهداف الحراك بأعلى السقوف لم يكن ذلك إلا فخاً من صنع النظام السعودي وقع فيه الحراك وانخرط في قتال الجيش واللجان الشعبية وهو يعرف أن ذلك يجعله يقتال جنباً إلى جنب مع تنظيم القاعدة وحزب الإصلاح الذي شكل أهم ركيزة في الحرب على الجنوب هو واللواء الفار علي محسن وأولاد الأحمر.
ومن أجل أن يقع في الفخ حظي الحراك الجنوبي في بداية الأمر باهتمام نسبي من قبل النظام السعودي عزز أوهامه بأن ينتج عن العدوان مكاسب للقضية الجنوبية فوقع في الفخ المذكور.
على مدى أيام العدوان لم يخرج عن أنظمة دول تحالف العدوان أي تصريح يدعم القضية الجنوبية ويتبنى أهداف الحراك الجنوبي، بل بين الحين والأخر كانت تصدر تصريحات في ظاهرها ومضامينها لا تعترف بالقضية الجنوبية ولا تتبنى أي هدف للحراك الجنوبي وصحيح أنها لم تكن تصريحات موجهة بشكل مباشر لهم ولكنها كانت تعنيهم تماما.
هل توقف الأمر عند ذلك الحد؟؟الإجابة بالطبع لا لأنه وبينما كانت بعض فصائل الحراك الجنوبي تقاتل مع مليشيات العدوان في عدن وغيرها من مناطق الجنوب كان الإعلام السعودي لا يفتأ موجهاً اتهامات صريحة للحراك الجنوبي بالعمالة لإيران وتعرض مقاتلوه لقصف طيران العدوان أكثر من مرة في لحج وعدن وفيما كانت بعض فصائل الحراك تغالط نفسها بأنه سيجري تحقيق في تلك الضربات التي طالت مقاتليهم غير أن ذلك لم يحدث ولم يكلف النظام السعودي نفسه للتعليق على ذلك.
اليوم لا يحتاج الأمر للذكاء للحكم بأن عدن التي جرى تدميرها تعيش أكبر حالة انفلات أمني وفوضى وسيطرة للقاعدة وداعش أمام عجز الحراك عن فرض نفسه لاعباً ضمن عدد كبير من اللاعبين في عدن.
أمس الأول وصلت قوات برية سودانية إلى عدن جلبها تحالف العدوان ليس لتأمين عدن والأيام القادمة ذلك وإنما جيء بها لتأمين قوات الاحتلال الإماراتي والسعودي التي لا تثق بالحراك الجنوبي وانتهت من استخدامه ولا تريد أن يكون له دور مطلقاً في المرحلة القادمة وهو ما قلت عنه في بداية المقال أنه عملية تسريح جديدة للجنوبيين على غرار ما بعد حرب 94 ولكن هذه العملية تأتي اليوم من قبل من ظنت قيادات الحراك أنهم أصدقاءها.
بتواجد القوات السودانية ستعجز فصائل الحراك الجنوبي عن تحديد دورها وستظل هدفاً للتصفية من قبل أدوات الاحتلال من داعش والقاعدة ومسلحي الإصلاح وصحيح أن الأصوات الجنوبية تتعالى اليوم مدركة لأركان المؤامرة التي حيكت ضدهم وضد القضية الجنوبية وأمن الجنوبيين وحياتهم ولكن هذه الأصوات تقابل اليوم بالتجاهل أو القمع.
أمام كل ما حدث وما سيحدث لم يكن هناك مكون وطني في اليمن يكن الاحترام للجنوبيين ويضع امكانياتها في خدمة القضية الجنوبية إلا أنصار الله الذين عززوا من حضور الجنوب في مؤتمر الحوار وساندوا رؤاهم بينما وقف الجميع ضد الحراك الجنوبي بتبني رؤى تقلل من شأن القضية الجنوبية أو تتآمر عليها باستقطاب قيادات الحراك وتعزيز انقسامه ورغم ما حدث ما زلت اعتقد أنه بوجود فصائل كثيرة في الحراك لم تنخرط مع العدوان وما زالت تحتفظ بعلاقة جيدة مع انصار الله ستمثل رافعة جديدة للقضية الجنوبية وتنتشلها من المؤامرة التي تعرضت لها بفعل العدوان وأدواته.