يومٌ أسودُ على النظام السعودي
حمزة إسحاق
يومٌ أسودُ عاشه بنُ سلمان لن ينساه ما عاش، رعبٌ من أوله لآخره، انهيارٌ نفسيٌ، انكسارٌ معنويٌ، انسدادٌ للأُفُقِ، ورطةٌ حقيقيةٌ لا يعلمُ مخرجاً لها.
ــــــ الصباح الباكر:
من السادسة والنصف صباحاً، سلاحُ الجو المسيّر ينفّــذُ عدةَ هجماتٍ على مطارِ أبها الدولي، إصابةٌ مباشرةٌ لبرج الرقابة، تَعطُّلٌ لحركة الملاحة.
يُحاوِلُ بن سلمان التهدئةَ من رَوْعِه، ظانًّا أن الجزءَ الأسوأَ من يومه قد انتهى باكراً، ليقوم سربٌ آخرُ من “قاصف 2K” بعدَ نصفِ ساعةٍ بضربِ قاعدةِ خالد الجوية في خميس مشيط بعسير.
شارداً.. يتناولُ إفطارَه ولا يعلمُ ما يتناول.. محتاراً في أمره بعد امتلاكه أحدثَ منظوماتِ الدفاع الجوية، محاولاً تجاهُلَ فكرةٍ يصعُبُ عليه تحمُّلُها: احتياجه للمزيد. فأولُ تساؤلٍ يتبادر مع هذه الفكرة هو: “متى يأتي اليومُ الذي لا أكونَ فيه بقرةً حلوباً؟”.
ــــــ الظهيرة:
يُصدِرُ الأميرُ المدلًّلُ توجيهاتِه بزحوفاتٍ مكثّـفةٍ على مختلف جبهات الحدود، تمُــرُّ عليه ساعاتٌ بطيئةٌ مِلؤُها العَضُّ على الأنامل من الغيظ، تتعدّى الشمسُ كبْدَ السماء، ليَسقطَ منها بعد ساعةٍ “نكال” الباليستي، منكّلاً بعشرات أفراد الجيش السعودي المتجمعين قبالةَ السديس بنجران، ومفشلاً أحدَ الزحوفات التي أراد بها بنُ سلمان التئام جراحِ صباحِه المُظلم، لتزيدَ جراحَه نزيفاً، ويومَه ظلاماً.
ــــــ العصر:
يستعيدُ أبطالُ اليمنِ أحدَ المواقعِ، في نفسِ المحورِ الذي باغته “نكالٌ” قبلَ بضعِ ساعاتٍ، يغتنمون أسلحةً، يعي بنُ سلمان أنها ستُعينُهم على المزيد.. وما هي إلا نصفُ ساعةٍ ويصلُ خبرُ مصرع وإصابة عددٍ من مرتزِقة جيشِه في جبهة جيزان الذين فشلوا في التسلُّل على مواقع الجيش اليمني.
يرمي بآمالِه نحو عسير.. عسى ولعلَّ.. ليصلَ خبرُ انكسارِ زحفِ قواتِه على منفَــذِ علب الذي استمر ثمان ساعاتٍ بمشاركة الطيران الحربي والمِرْوحي والتجسسي، بل وتَعْقُبُه عمليتا إغارةٍ بنفس المحور على مجازة والربوعة، وإغارةٌ ثالثةٌ قبالةَ قِطاعِ الداير بمحور جيزان.
ــــــ الليل:
موعدُ نشرة قناة المسيرة التي ينتابهُ الفضولُ حولَ تناولها أحداثَ اليوم الأسود، يفتحُها ليتمنّى أنه ما فعَلَ، بعد أن قرأ الخبرَ العاجلَ باستهداف مبنى الاتصالاتِ بقاعدة خالد، التي لم تُرمَّــمْ بعد الهجمات التي أَفطر باكراً بها، “ما أدراهم بمبنى الاتصالات؟؟ وما فائدةُ قاعدةٍ جويةٍ دونَ اتصالات؟!.. لا بأس.. فلأهدأْ.. كُــلُّ شيء قابلٌ للإصلاح.. لا لا قابلٌ للترميم، ولعنةُ الله على الإصلاح”.
يُطفِئُ التلفازَ.. وبعد أن ظن أن ضرباتِنا في اليومِ الواحدِ بلغت ذروتَها، يُحاوِلُ أن ينامَ متقلباً في مرقدِه دونَ فائدة.. ليصلَه بعد ساعةٍ اتصالٌ من نفس الرقم الذي أيقظَه في باكرِ الصباحِ؛ ليُبلغه بصوتٍ متلكِّئٍ ونبرةٍ شاحبةٍ، عن أكبرِ ضربةٍ باليستيةٍ متوسطةِ المدى، تجرعتها المملكةُ منذ بدءِ عُدوانها على يمن الإيمان، لم يستوعبِ الأمرَ.. “عشرةُ صواريخ بدر1؟!.. عشرةٌ دفعةً واحدةً؟.. تضربني في عقر داري؟”.
عشرةُ باليستيات كُلُّها في العظم، دكّت مرابضَ الطيران الحربي ومرابضَ طيران الأباتشي بمطارِ جيزان الإقليمي والاستراتيجي في المعركة، بالإضافة إلى مواقعَ عسكريةٍ أخرى يعرفُها هو ويحيى سريع جيداً..
– منتصف الليل:
بعد ساعاتٍ من القلق، وإنهاكٍ من التفكيرِ والأرق، يبدأ نومةً غيرَ هنيئةٍ، عنوانُها “يا ليتني مِتُّ قبل هذا”، ملئُها الكوابيسُ الباليستيةُ والمسيرةُ، ليوقظَه في الواحدة بعد منتصف الليل خبرُ ضرب المسيّر اليمني مرابضَ الطائرات الحربية بقاعدة خالد الجوية، الذي أكّــدت فيه القواتُ المسلحةُ اليمنيةُ -عبر متحدثها- أنها تهدفُ من تكرار هذا الاستهداف للقاعدة، إخراجَها التامَّ عن الخدمة أو إصابَتَها بالشلل، لكني لن أستغربَ إنْ عرفت أن ابنَ سلمان وقْتَها قد أصيب هو أيضاً بالشلل.
(وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ).