العلامةُ الحُجة بدرُ الدين حِكمةٌ في القول وصلابةٌ في الموقف
مطهر يحيى شرف الدين
الشهادةُ عندي سعادةٌ وكان حُسينٌ مُصيباً، وكان يدعو إلى حمايةِ الإسلامِ من تغرير أمريكا وإسرائيل وقال: “الضررُ حصلَ على الإسلامِ، والأهم هو حماية الإسلام، والذي هو دفعُ الضرر عن الإسلام وحمايته، وهو أهمُّ من دفع الضرر علينا” كما ردَّ على أسئلة الصحيفة بقوله: “كان من الواجبِ على غيره أن يحترمَ دم المسلم؛ لأن حُسينا وقفَ موقف حق وفي محله، ولم يخرج أو يغزو أحداً، ولم يدعُ إلى قتل أحد، ولقد جاءوا هم إلى بلده” وأجاب قائلاً: “حُسين نصحَ الأمة والحكام، من خلال المحاضرات ولم يدعُ إلى نفسه، ولم يطلب الرئاسة” وقال عن الاحتفال بذكرى يوم الغدير: “فيها مصلحةٌ دينيةٌ؛ لأن فيها إظهارٌ لولاية أميرِ المؤمنينَ عليٍ بن أبي طالب، وقد أعلن رسولُ الله ولايتَه، وقد احتج بها الإمامُ علي أثناء حربه مع معاوية، وناشد الناس في الرحبة وشهد له الكثيرون”، ذلك ما تحدث به سيدي المولى الحجة بدر الدين بن أمير الدين الحوثي سلام الله عليه، في لقاءه مع صحيفة الوسط في العام 2005م، ومن مضمون الردود القويّة والإجابات الشافية، نُدرك فعلاً صلابة موقفه، وصدق حديثه، وشجاعته، وقوة حجته، ووفاءه مع مسيرة ابنه الشهيد القائد حُسين رضوان الله عليه.
في ذكرى وفاتِه، فقدنا عالماً جليلاً تقياً طاهراً علماً من أعلام أهل البيت لا يخاف في الله لومة لائم، سيدي بدرَ الهدى بن أمير الدين الحوثي، سبيلَ محمدٍ وهُدى علي، ومن خيرة العترةِ الطاهرة، نورَ الفضاء وضياءَ السماء ومصباحَ الدجى ومصدرَ الفضل والورع والتقى، سمعنا عنه وعرفناه عابداً زاهداً وأصلاً طيباً وفرعاً مثمراً، أعطى واتقى وصدّق بالحسنى، ذريتُه أعلامٌّ هداةٌ أتقياءٌ، ثقافتُهم قرآنيةٌ ومسيرتُهم جهاديةٌ، عنوانهم تضحياتٌ وصمودٌ وثباتٌ؛ فداءً للدين والأرض والعِرض.
في ذكرى وفاة سيدي المولى الحُجة، اللسان الرطب الذي يلهج بذكر الله آناء الليل وأطراف النهار، تسبيحهُ واستغفاره يملئ الآفاق، فتنصت له الكائنات وتصغي لسماعه النفوس.
إنه بحقٍ سلطانُ العلماء، ومرجعيةُ الفقهاء، ووحيدُ عصر زمانه، لا يتكلم إلا بحكمةٍ، ولا ينطق إلّا بقولٍ سديدٍ، سيرته العطرة والطيبة ليس لها مجال في هذه المساحة المحدودة، ولا يسعُني في مقام الفضل والعلم والعلماء إلّا أن أستذكرَ شيئاً مما جالَ وترسخ في خاطري، شيئاً يسيراً من السطور في تلك المقابلة، التي مثّلت إجاباتها وردودها قوةً وشجاعةً ومسؤوليةً أمام الله وأمام الناس؛ ولذلك فهي تعكس الفضائل الجَمة التي اتسم بها والخُلق النبوي والخصال والصفات المُحمدية العلوية التي عاشها، حليفاً للقرآن ومخلصاً لله ووفياً مع مسيرة ابنه الشهيد القائد حسين بن بدر الدين، وقد ارتبط بالله ورسوله قولاً وفعلاً وعبادةً وطاعةً، وتولّى علياً إماماً للمتقين وأميراً للمؤمنين، من يقرأ مقابلته فإنّ القارئَ سيُدرك فعلاً أنه العالمُ الجليلُ الرباني، وأنّ مضمون تلك المقابلة مثّلت “كلمةُ حقٍ عند سلطانٍ جائر” وذلك هو أعظمُ الجهادِ.
في تلك السنوات كان علماءُ السلطة كثيرون، ولم يتجرأوا على قول الحق، وكانَ منهم المداهن والخائف والمتعاطف مع النظام السابق تملقاً ونفاقاً؛ ولذلك كانَ العلامة الحُجة السيد بدر الدين صابراً على الشدائد والمحن، متوكلاً على الله واثقاً به في أمور دينه ودنياه، وفي حياته وآخرته، انتصرت به الرجالُ ونهضت به الأُمةُ، وتعلمت منه الأجيالُ، تلك الشخصيةُ العظيمةُ التي يُخفض لها الجناحُ من الرهبة والهيبة، أراها قامةً دينيةً عظيمة، تسكن لها الجوارح وتقرُ لرؤيته العيون.
ذلك التبجيلُ والتوقيرُ لسماحته كان نابعاً من إدراك المجتمع من حولِه، مدى عمقه الإيماني والروحي وعلمه الرباني، عَمِل بعلمه فكانت الآخرةُ همَّه، صُحبتُه ضمانٌ بأن تُستلهم منه معاني الارتباط بالله ورسوله، وتُستلهم منه الشجاعةُ وقولُ الحق ورباطةُ الجأش والبأسُ الشديد وصلابةُ الموقف، تراه عصيّاً لا يلين ولا يتنازل أو يُضحي على حساب دينه وأرضه، لم يداهن الرئيس ولم يجامل الجنرال، بل كان يجالس البسطاء من الناس الذين التفوا حوله كلٌ يودُ صحبته والسير بسيرته، لم تكن له حاجةٌ من هذه الدنيا إلا رضا الله ورسوله، وأن تعمّ السعادة والخير كلَ المسلمين، وأن يمنّ الله على عباده بالنصر والفتح المبين.
رحمةُ الله تغشاك يا بدرَ الهدى، ونسأله تعالى أن يجمعنا بك في مستقر رحمته، وأن يُسكنك فسيحَ جناته مع الأنبياء والصدّيقين والشهداء وحَسُن أولئك رفيقا..