قدراتُنا العسكرية تتفوّقُ على الحرب الناعمة
أمين المتوكل
يخبرُنا مسرحُ الحياة عن دروس امتدت منذ الأزل وظواهرَ امتد بها الدهرُ لتكونَ ماثلةً للعيان في كُــلّ الأحقاب والعصور مخبرةً إيانا عن تحديات بين محورَين متضادين لم يكن سلاحها الحديد والبواتر أو الباروت والصاروخ، بل كان سلاحها الإيحاء السلبي الذي يكبِّلُ قيودَ الوهم على معاصم عجنت الجهل وأدارت رحى الإحباط.
أمر اللهُ تعالى نبيَّه نوح عليه السلام أن يصنعَ سفينةً في الصحراء، كان ذلك الأمرُ عجيباً والأسئلةُ تحومُ حول هذهِ الظاهرة، كان هناك نوعان من المتلقين، رجلٌ آمن برسالة نوح فكان يرى أنه في موقفٍ لا يُحسَدُ عليه، وآخرُ جعل السُّـخريةَ سلاحَه حين رأى ظاهرةً تدعو للسُّخرية ويضع من يؤمن بها في مأزق فكان هذا السلاح له وَقْعُه، ولكن الأمر لم يدُمْ طويلاً حتى أتى الطوفان.
لم تكن السُّـخرية سلاح قوم سيدنا نوح عليه السلام، بل كانت سلاح معظم الأقوام والأمم الذين أرسل اللهُ لهم الأنبياءَ لهدايتهم، فكان أعظم ما يواجهه المؤمنون مع الأنبياء هو سلاح السُّـخرية الذي كان الهدفُ منه زعزعةَ الرسالة والثقة داخل النفس، فما لم يستطِع العدوّ أن ينالَه بالسلاح قد ينالُه بالسُّـخرية.
لم تكن السُّـخرية سلاحاً بسيطاً، بل كان سلاحاً ذا تأثير لدرجة أن الله سبحانه وتعالى حكى عمَّن كان يتخذُ السُّـخرية سلاحاً في مواجهة الأنبياء فقال لهم: (قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ، إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ، فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنتُم مِّنْهُمْ تَضْحَكُونَ).
عكف العدوُّ طيلة السنين والأيام على أن يدمّـــرَ النفسَ العربية المسلمة من الداخل، وبواسطة الحرب الناعمة جعلها تؤمنُ بحتمية أن تبقى استهلاكيةً تتضورُ استكانةً إلى الغرب، وترى نفسَها غير مؤهلة أن ترتقيَ، فلقد رمّم الغربُ واليهودُ سقفَ السُّـخرية ليرتطمَ بها رأسُ العربي المسلم ليتممَ سيمفونية السُّـخرية لتنحدرَ إلى قلبه.
برحمة من الله كانت تلك المساعي الخبيثةُ مزمنّةً حتى تفجرت أنوارُ الثقافة القُــرْآنية لتُحييَ الإنسانَ الذي يطلُبُ الحياة، وتلامِسَ تلك القلوبَ التي ترسُمُ في الأُفُقِ البعيد أَيقوناتِ الحرية المكبوتة لتنهضَ بها من براثن الجهل وتقتلعُ ذاك السقف الهش الذي ظنناه خرسانةً محكوماً عليها بالمؤبد فوق رؤوسنا.
عدوان سعودي أمريكي ودول عربية وأوروبية شنت حربها على اليمن، تحركوا بسخرية ووضعوا زمناً قصيراً لانتهاء الحرب، ظنوا أنهم يحاربون رجالاً تشرئبُّ أعناقُهم للاستسلام سريعاً؛ لأَنَّ فتيلَ السُّـخرية التي نسجتها أفكارُهم أخرج لهم مرسوماً هكذا، ولكن الأمرَ مختلفٌ.
مع استبسالِ رجال العقيدة في مواجهة العدوان العالمي، قرّر المؤمنون ممَّن يرتبطون بالله رأساً أن يطوروا أساليبَ الدفاع إلى التوجّـه للصناعات العسكرية..
تمت صناعةُ صاروخ بأيادٍ يمنية وتم إطلاقُه وإصابةُ هدفه بتمكّنٍ، ولكن كان للسُّـخرية مكانُها من العدوان ومرتزِقته، فقالوا: إن تلك الصواريخ صُنع إيراني، فاليمني أعجزُ من أن يصنع صاروخاً، واستشرت تلك السُّـخريةُ في الأوساطِ المجتمعية؛ لأَنَّهم يسخرون من أنفسهم وتوارثوا السُّـخريةَ كابراً عن كابر، ولكن اليوم بات العالم يفهم أن اليمني يصنع الصواريخ فعلاً.
تمت صناعةُ الطائرات المسيّرة، فانتدبت السُّـخريةُ مرة أخرى ومن ذات الأفواه السابقة وبوتيرة أشدَّ، ولكن كانت النتيجةُ مخيِّبةً لتلك الحشود من السُّـخرية، فمطاراتُ دول العدوان ما زالت تَئنُّ إلى الآن وبشكل شبه يومي من بأسِ الطائرات المسيّرة التي استطاع العقلُ اليمني أن يحيِّدَها عن الباتريوت.
خرج مؤخراً الناطقُ الرسميُّ للجيش واللجان الشعبيّة في موجز صحفي ليكشفَ لنا وللمرة الأولى عن منظومة الدفاع الجوي التي صُنعت بأيادٍ يمنية وأصبح لها المفعولُ في الميدان، معلناً لنا أن تلك البداية.
ماذا لو استسلمنا للسُّـخرية؟، ألسنا كنا نعيشُ اليومَ تحت رحمة المحتلّ، ولكنها ثقافة الثقة بالله التي تعكسُ فيضَ نورها لتتعالى الثقةُ بالنفس فصار اليمنُ اليومَ في معرض الحسابات الدقيقة ومحط احترام العالم حين كان في الماضي منعوتاً بعبارات السُّـخرية.
يجبُ أن يدركَ الجميعُ أنه ليس فقط سننالُ التطوُّرُ في الجانب العسكري، بل الساحةُ العلميةُ المعرفيةُ ستكونُ ساحةً تُبهِرُ العالَمُ بإنجازاتها، فثقافةُ القُــرْآن التي تدحرجُ بمنظومة السُّـخرية إلى مزبلة الزمن ستجعلُ هنالك عقلاً لا تخوضُ حربَ الأدمغة فقط، بل ستبقى المتفوِّقةَ في هذه الساحة.