معركةُ النفَس الطويل.. استراتيجيةُ القائد نحو تحقيق التوازن
منير الشامي
حينما أطلق قائدُ الثورة السيد عبدالملك الحوثي مصطلحَ معركة النَّفَـس الطويلِ على عمليات المواجهة والدفاع والتصدي للعدوان لم يُطلِقه جزافاً أو مجردَ عبارةٍ عابرةٍ في خطاب اقتضته الحاجة، بل إنه جاء كرسالةٍ شديدةِ القوةِ إلى قوى العدوان معلناً بذلك استراتيجية مواجهة العدوان، ومن واقع الخطة العسكرية التي أقرها واعتمدها وحدّد فيها أساليبَ وطرقَ مواجهةِ العدوان، وإدارةَ المعارك بمختلفِ الجبهات، في ظِل التفاوت المَهول بين إمْكَانيات تحالف العدوان وقدراته اللامحدودة عُدةً وعتاداً ودعماً لوجستياً في ظِل إمْكَانياتنا البسيطة والمحدودة التي تمثلت بالبندقية أمامَ أحدثِ وأقوى ترسانةِ أسلحة وبمختلفِ أنواعها براً وبحراً وجواً.
لقد وضعَ هذه الخطةَ بعد دراسةٍ عميقةٍ لعواملِ القوة لتحالف العدوان وكيفية التغلبِ على كُــلّ عاملٍ منها, ولمختلفِ أنواع الفِرقِ العسكرية وقدراتِها وبحكمةٍ ودرايةٍ تَعْجز عن القيام بها أكفأ الخبراتِ العسكرية، وأحنكَ قياداتِها، وأنجحَ مراكزِ البحث العسكرية والحربية في العالم.
ومن خلال هذه الاستراتيجية، نجحَ السيدُ القائدُ في تمكين قوات الجيش واللجان الشعبية -بفضل الله- من التغلب على فارق التفوّق الكبير لتحالف العدوان, وانعكس ذلك على تحقيقِ توازنٍ نوعيٍّ في نتائج العمليات العسكرية، حيثُ أربكت قواتِ التحالف وقلبت الحساباتِ رأساً على عقبٍ، وبالتالي وَلَّدت الهزيمةَ النفسيةَ المسبقةَ في جيوش التحالف وحشوده ومرتزِقته من أولِ المواجهات له ولجبروته.
هذه الاستراتيجيةُ ارتكزت على ثلاثةِ أركان جوهرية، تَمثّل الركنُ الأولُ بتحييد طيران العدوان وأسلحتِه الثقيلة في خطوطِ المقدمة للمواجهات وذلك بتخفيضِ عددِ المشاركين من قواتنا في خط الدفاع الأول إلى الحد الأدنى، وتشكيلهم من وَحدات تخصصية مختلفة، والتحركِ المدروسِ بعد عملياتٍ استطلاعيةٍ دقيقةٍ سيراً على الأقدام، ومنعِ استخدام الآلياتِ في التحرك، وتحويل التضاريس، وعنصرِ المباغتة، إلى عواملِ قوةٍ لأفرادِ خط المواجهة الأول من جيشنا ولجاننا؛ وبذلك تغلّبوا على أقوى الأخطارِ التي تُواجههم وتجاوزوا أصعبَ التحدياتِ أمامَهم مثلَ سلاح الجو، وسلاح المدفعية، ونجحوا -بفضل الله- وحكمةِ القائدِ من تحييد طيرانِ التحالف ومدفعيتِه وصاروخيتِه في خطوط المواجهةِ المباشرةِ بنسبةٍ ربما تزيدُ عن ٩٥٪، وهو ما جعلَ الخسائرَ البشريةَ في صفوفِ قواتنا في حَدِّها الأدنى, وأدى إلى رفعِ نسبتها في صفوفِ العدوان إلى الحدِّ الأعلى وانعكسَ ذلك في استهدافِهم المتَعمدِ لقصفِ المدنيين في منازِلهم ومناسباتِهم وطُرُقهم ومنشآتِهم الخدمية بشكلٍ مستمرٍ.
وتَمثل الركنُ الثاني من هذه الاستراتيجية، في تطويرِ قدراتِنا وخوضِ التحدي الأصعبِ نحو إنتاجِ وتصنيعِ الأسلحةِ التي تتطلَّبُها الحاجةُ لترجيحِ المواجهةِ والبدءِ في إنتاجها وتصنيعها, وهي الأسلحةُ المناسبةُ لاستهدافِ نقاطِ القوةِ لقوات العدوان, والقادرةُ على نسفِ تحصيناتِه, وإعاقةِ تقدمه، بناءً على النتائجِ الأوليةِ للمواجهات وهو ما ترجمه السيدُ القائدُ بتوجيهاتِه بتطوير كُلٍّ من:
1-وحدةِ الهندسة.. ٢-وحدةِ الدروع.. ٣-وحدةِ القناصة.
ومِن خلال اهتمامه ومتابعته المستمرة ظهر تطورٌ نوعيٌّ في أسلحة هذه الوحدات، وتنامت قدراتِها وإمْكَانياتِها وكفاءتِها وانعكس ذلك التطورُ في نجاح تصنيعِ وإنتاجِ عبواتٍ ناسفة وقذائفَ موجهة مناسبة؛ لتدمير دروع العدوان وآلياته الثقيلة كالدباباتِ والجرافاتِ، وأعقب نجاحَها تطورَ الرعب في نفوسِ الحشود العدوانية، فانهارت ثقتُهم بقدرة دبابات الإبرامز، والمدرعات المحصَّنة، على حمايتِهم من بأس رجال الله وأسلحتهم، لدرجةِ أن وصلَ الأمر حَدَّ الهرب جرياً من داخل تلك الآليات المحصنة تاركينها خلفهم، فوفروا على أبطالنا استخدام أسلحة الدروع والاعتماد على الولاعة للتخلص من تلك المجنزرات والآليات المدرعة.
كما نجحت وحدةُ التصنيع الحربي، في إنتاجِ قناصاتٍ نوعيةٍ وبمداءَاتٍ مذهلة تجاوزت أكثر من (٥) كم بكفاءةٍ دقيقةٍ، وفاعليةٍ شديدةٍ، وقطفت أرواح عشرات الآلاف من جنود التحالف ومرتزِقته.
أما الركنُ الثالثُ لهذه الاستراتيجية فقد تمثل في تطوير وإنتاج أسلحة الردع الهجومية القصيرة المدى، والمتوسطة، والبعيدة، وقد تمثل اهتمَامُه بهذا الركن من خلال توجيهاته ومتابعته المكثفةِ والمباشرةِ على تطوير كُــلٍّ من:
١- الوحدةِ الصاروخية.. ٢- وحدةِ الطيران المسيّر.
فانطلقوا في تطويرها بما كان متوفراً من بقايا المنظومات الصاروخية المتهالكة، ثم الانتقال إلى محاولة ابتكار وتصنيع منظومات محلية بالاعتماد على الخبرات، والمواد المحلية، وعدم الاستسلام للواقع بتحدياته، التي فرضها تحالفُ العدوان من حصارٍ ورصدٍ وقصفٍ وحظرِ استيرادٍ للمواد المطلوبة والمَكَن وغيرها.
وقد حقّقت وحدةُ التصنيع الصاروخية نقلةً نوعيةً وأحرزت إنجازاتٍ فاقت ما كان متوقعاً، وتمكنت من تصنيعِ منظومات متعددةٍ وأجيالٍ مختلفة من كُــلِّ منظومةٍ خلالَ أربعة أعوام، من منظومة الصرخة إلى زلزال إلى قاهر وبركان وبدر إلى منظومة قدس والصواريخ المجنحة وبمدىً يتجاوزُ (١٧٠٠) كم.
كذلك الحال، كانت إنجازاتُ وحدة تصنيع الطيران المسيّر التي خاضت غمار التجربة، ونجحت في خوضِ التحدي الأصعبِ، فصنعت “هدهد” و”راصد” ثم “قاصف ١” و”قاصف 2k” إلى “صمَّـاد ١”، و”صمَّـاد٢”، و”صمَّـاد ٣”، التي يتجاوز مداها (١٧٠٠) كم، وتحت سيطرة وتحكم دقيق يُذهل الألبابَ.
وما بين أولِ يومٍ للعدوان وهذا اليوم، تغيّر حالُ اليمن من تلقّي ضربات العدوان إلى مستهدِفٍ لدوله بضربات موجعة ومؤلمة بصواريخه وطيرانه، وبات اليمنُ اليومَ يملكُ أسلحةَ ردع متطورةً، تميزت بقدرتها على اختراق كُــلِّ تحصينات دول العدوان الدفاعية المتطورة، والوصول إلى أهدافها بدقة وقصفها بكل أريحيةٍ ويُسرٍ، والتي كان آخرَها استهدافُ حقل ومصفاة الشيبة شرق السعودية، وعلى الحدود الإماراتية.
هذه الإنجازاتُ العظيمة، والتي تُرجمت للعالم عبر معرِض الرئيس الشهيد الصمَّـاد، هي فعلاً الخياراتُ الاستراتيجية التي أعلن السيدُ القائد عنها، والتي باتت متاحةً لشعبنا وحقائقَ ملموسةً تشكل -بفضل الله- ورقةَ ضغط قويةً نحو تحقيق التوازن في المواجهات، وإجبار دول العدوان وإخضاعها نحو البحث عن السلام، وإيقاف العدوان وطبقاً لشروط قيادتنا لا شروطِهم، كما أن تلك الإنجازاتِ ثمرةٌ عظيمةٌ لمسيرتنا القُــرْآنية بقيادته الحكيمة والسير على استراتيجيته في مواجهة العدوان وخوض المعركة المصيرية للشعب اليمني، معركةَ النفَس الطويل.
ومن نافلِ القول أن هذه الإنجازاتِ ليست النهايةَ لمعركة النفَس الطويل ولن تكونَ، بل هي حلقةٌ من حلقات هذه المعركة، والبداية الحقيقية نحو بناء يمنٍ قوي بإيمانه، وحكمةِ قيادته، وبأس رجاله وثباتهم، واستقامة منهجه الحق، وهي الأساسُ المتين لدولته المدنية المنشودة والعادلة، والخطوة الأولى في طريق (وَأَعِدُوا لَهُم)؛ لبلوغ القوة اللازمة لمواجهة أعداء الأمة وإفشال مؤامراتِهم وتغيير وجه المنطقة نحو الأفضل، والعزة والكرامة بإذن الله.