جولةٌ جديدةٌ من صراع المرتزقة برعاية “واشنطن”: بيادق شطرنج التقسيم
“البنتاغون” يبارك الصراعَ بذريعة “حماية المصالح الإماراتية”
الطيران الإماراتي يودي بأكثرَ من 300 عنصر من مليشيات الإصلاح والفارّ هادي “يشكُرُ” سلمانَ وولدَه!!
المسيرة | ضرار الطيب
شهدت حالةُ الصراع المستمرِّ بين معسكري أدوات تحالف العدوان، خلال الأيام الماضية ، تسارعُاً كثيفاً وصاخباً في مستوى تفاعل وتصادم عناصرها ومعطياتها، فبعد مرور فترة قصيرة على استحواذِ ما يسمى “المجلس الانتقالي” التابع للإمارات على عدن بالكامل ومعظم محافظة أبين، تم الدفعُ بقوات حكومة المرتزِقة وممثلها “حزب الإصلاح” للاستحواذ بدورها على شبوة، وبسرعة تمت إعادةُ توجيهها إلى عدن وأبين لتواجهَ هناك هزيمةً دمويةً، فبينما سقط أكثرُ من 300 قتيل وجريح منها بغارات شنها الطيرانُ الإماراتي باسم “التحالف” دفعت السعوديةُ بالفارّ هادي للإدلاء ببيانٍ مخيِّبٍ لآمال أتباعه ومحاولاً التخفيف من صدمتهم.. ثلاثُ جولات متتابعةٌ من المواجهة شكلت -باستعجال واضح- مشهداً عسكرياً وسياسياً جديداً لمعسكر العدوان، وسَرعانَ ما كشف هذا المشهد أن الصراعَ يدور على رقعة شطرنج تمسك الولايات المتحدة بجميع قطعها وتحَرّكها بشكل ممنهج، يهدفُ لتكريس مسألة “التقسيم” أَو ما يسمى “الأقاليم” وفرضها كأمرٍ واقع.. ظهر ذلك جلياً أَيْــضاً في تصريحات متحدثة البنتاغون التي “وَشَت” برعاية الإدارة الأمريكية وتخطيطها لكل ما يحدث.
الجولة الثالثة: العودةُ الفاشلة إلى عدن
جاءت الجولةُ الثالثة من الصراع خلال اليومين الماضيين، في محافظة عدن وجزءٍ من محافظة أبين، حيث توجّـه حزبُ الإصلاح الممثل لحكومة المرتزِقة، منتشياً بـ”انتصاره” السريع على مليشيات “الانتقالي” في شبوة، نحو عدنَ التي خسرها سريعاً في الجولة الأولى، وبنفس السرعة بدأت وسائلُ إعلام السعودية وحكومة الفارّ هادي تتحدثُ عن سيطرة مرتزِقة الإصلاح على معظم المحافظة، بل أعلن وزيرُ داخليتهم أنه تم تأمينُ عدن تَمَاماً، في أقلَّ من يوم.
بعد ساعات، انقشعت أخبارُ السيطرة على المحافظة، لتكشفَ عن مواجهات عنيفة داخل عدن، بين مليشيات الإصلاح ومليشيات “الانتقالي”، ولكن هذه المرة بحضور الطيران الإماراتي الذي شن عدةَ غارات لإسناد “الانتقالي”، وتزامنت تلك المواجهاتُ مع معاركَ أُخرى دارت داخلَ محافظة أبين، كان الطيران الإماراتي حاضراً فيها أَيْــضاً.
في نهاية المعركة كان مرتزِقةُ الإصلاح يعترفون بالهزيمة في جميع مناطق المواجهات، ويتحدثون عن سقوط أكثرَ من 300 قتيل وجريح من عناصرهم بغارات المقاتلات الإماراتية في عدن وأبين، ونشروا صوراً ومقاطعَ وثّقت الغارات وأظهرت جثث قتلاهم.
صفعةٌ قويةٌ من “التحالف” لحكومة المرتزِقة
وبينما كان الإصلاح يواري تراجُعَه الميداني خلف الحديث عن ما وصفه بـ “جريمة” قصفِ مقاتليه من قبل الطيران الإماراتي، أزاحت الخارجيةُ الإماراتية الستارَ عن بعض كواليس المعركة، من خلال بيانٍ لها، أقرَّ بمسؤولية أبو ظبي عن الغارات الجوية التي استهدفت عناصرَ الإصلاح، ووصف أولئك العناصرَ بـ”الارهابية” وقال إنها كانت تستهدف “قوات التحالف”، متوعداً بالرد على أي “تهديد للتحالف”.
بيانُ الخارجية الإماراتية الذي تحدث باسم “التحالف” كشف بوضوح أن ما دار لم يكن ضمن صراع سعودي إماراتي، بقدر ما كان جزءاً من مخطّط واضح، كانت الجولتان السابقتان من المواجهات قد كشفتا جوانبَه المتعلقة بـ”نوايا” تحالف العدوان؛ للتخلص من حزب الإصلاح وتحجيم نفوذه أمام “الانتقالي” تحت مظلة ما يسمى “الشرعية”، كما حمل البيان إشارةً إلى إشهار الإمارات ورقةَ “الإرهاب”؛ لإجبار الإصلاح على الانصياع.
وتزامَنَ بيان الخارجية الإماراتية مع بيان ركيك جِـدًّا للفار هادي، حول الأحداث، نعى فيه قتلى حكومة المرتزِقة الذين سقطوا بالغارات الإماراتية، وطالب السعودية بالتدخل لوقف استهداف عناصر حكومته من قبل الإمارات، إلى جانب “شكر الملك سلمان وولده” طبعا.. بيانٌ أصاب أتباعَ الإصلاح بخيبة أمل، إذ أكّـد على أن المعركة دارت بتنسيق سعودي إماراتي مسبَق وأن الفارَّ هادي نفسَه “باع حزبَ الإصلاح بالتنسيق مع أبو ظبي” -حسب وصف نائب وزير الخارجية في حكومة الإنقاذ بصنعاء، حسين العزي- الذي اعتبر أَيْــضاً أن عدم ظهور الفارّ هادي في خطاب متلفز منذ بداية الأحداث رغم أهميتها، وركاكةَ بيانه الأخير، تعتبر أدلةً إضافيةً على تلك “البيعة”.
وبينَ بيانِ الخارجية الإماراتية وبيان الفارّ هادي، كانت حقيقةُ مقتل وإصابة أكثرَ من 300 عنصر من مرتزِقة الإصلاح بالغارات الجوية، تتصدّرُ المشهد كفضيحة مدوية، ووصمة عار على جبين كُـلّ أتباع تحالف العدوان، توضح مدى هوان ورخص المرتزِقة جَميعاً، إذ سبق وتعرضت مليشيات الانتقالي أَيْــضاً إلى غارات جوية خلال الجولة الثانية من المواجهة، في شبوة.
في الكواليس: الولاياتُ المتحدةُ تمهّدُ للتقسيم
الجانبُ الأهمُّ من كواليس المواجهة، كشفته قناةُ الحرة الأمريكية، التي نقلت عن المتحدثة باسم البنتاغون، إشارتَها إلى “حقِّ أية دولة في الدفاع عن مصالحها” بعد رفضها التعليقَ بشكلٍ أوضحَ على الغارات الإماراتية التي استهدفت قوات حكومة المرتزِقة.
وأضافت المتحدثةُ، ريبيكا ريباريتش، أن “الأمرَ يتعلق بقيادات تلك الدولة وبما تقرّره”، وأنه “ينبغي توجيه الأسئلة إلى الإماراتيين”.
تصريحاتٌ عبّرت عن مباركة أمريكية واضحة، وتكشفُ أن جولات الصراع الثلاث بين مرتزِقة الإصلاح ومرتزِقة الانتقالي، دارت على رقعة شطرنج تتحكّمُ الولايات المتحدة بطرفيها، وهو ما يجيبُ عن كُـلّ الأسئلة التي اعتبرها الكثيرون غامضةً طوالَ فترة الصراع، مثل: لماذا لم يظهر الفارّ هادي؟ وما هو موقفُ السعودية بوضوح مما يحدث؟ ولماذا تدور المعارك وتحسم بهذه السرعة غير المنطقية؟..
يبقى سؤالٌ واحدٌ هو: ما غرضُ الولايات المتحدة من ذلك كله؟ وهو ما يجيبُ عنه ربط تصريحات البنتاغون بجغرافيا الصراع، ونتائجه، إذ بات من الواضح جِـدًّا أن هزيمةَ الإصلاح في عدنَ لم تكن نتيجةً لقوة “الانتقالي” وهزيمةُ الأخيرِ في شبوة لم تكن بسبب قوة الإصلاح، ولكن المسألةَ كلَّها متعلقةٌ بتناسق الحصص الجغرافية مع الشكل السياسي الذي رسمته لها الولايات المتحدة، وبعبارة أُخرى: مشروعُ الأقاليم الذي توزِّع خريطتُه كُـلاً من شبوة وعدن في إقليمين مختلفين.
الدلائلُ على مضي تحالف العدوان نحو خطة التقسيم كانت قد ترافقت بشكل واضحَ منذ بداية احتدام جولات الصراع بين الإصلاح وَ”الانتقالي”، حيث تحدث الكثير من المسؤولين والإماراتيين والمستشارين المقرَّبين من “محمد بن زايد” بصراحة عن توجّـه بلادهم نحو تقسيم اليمن، وبعبارات فجة مثل “لا وحدةَ بعد اليوم” وَ”الجنوبُ لا ينتمي للشمال”، وليس من قبيل المصادفة أن تتكرّرَ هذه التصريحات مجدّداً، عقب الجولة الأخيرة من الصراع، على لسان مسؤولي وناشطي الطرف ذاته.
كما كان مسؤولون إماراتيون قد قدموا خلال الصراع دلائلَ على تقسيم انتصارات وهزائم الإصلاح و”الانتقالي” مسبقاً، فبعد إعلان الإصلاح استحواذَه على محافظة شبوة، بدا الإماراتيون راضين وتحدثوا عن “تهور الانتقالي” التابع لهم.
والواقعُ أن مؤامرة “الأقاليم” التي كانت الولايات المتحدة قد حاولت فرضَها قبل العدوان، تمثل الآن بالنسبة لها، الورقةَ الميدانيةَ الوحيدةَ المتبقيةَ للخروج من المستنقع اليمني مع ضمان الحصول على المطامع، وتثبيت سيطرة “الانتقالي” على عدن، وعدم استطاعة حكومة المرتزِقة تغيير ذلك، هو بوابة واشنطن لخوض هذه المؤامرة.
وحتى الآن، تبدو تفاصيلُ مشهدِ ما بعد الجولة الثالثة متسقةً تَمَاماً مع هذه اللعبة، إذ امتلأت وسائل التواصل الاجتماعي، أمس، بمشاهد ومقاطع قيام مليشيات الانتقالي بذبح وسحل وتعذيب عناصر من قوات “الإصلاح” بشكل بشع، وتضمنت تلك المشاهدُ عباراتٍ “مناطقيةً” كثيرةً، كما شهدت عدنُ حملاتِ اقتحام لمنازل الكثير من المواطنين ومن أتباع حكومة المرتزِقة تحت شعارات “تأمين الجنوب”.