ويبقى الحسين (1) … النهضةُ الحسينية صراعٌ بين كمال الخير وكمال الشر
أم مصطفى محمد
هلا بكيتَ على الحسينِ وأهلِه = هـلا بكيتَ لمـن بكـاه محمدُ
فلقد بكته في السـماء ملائكٌ = زهـر كرام راكعون وسُـجَّدُ
لم يحفظوا حـب النبي محمد = إذ جــرعوه حرارة ما تبرد
قتلوا الحسـين فأثكلوه بسبطه = فالثكـل من بعد الحسين مبدد
يُعَــدُّ الإمامُ الحسين -عَلَيْــهِ السَّلَامُ- من أبرز من خلّدتهم الإنسانية في جميع مراحل تاريخها، كما أنه -عَلَيْــهِ السَّلَامُ- يُعَدُّ من أروع من ظهر على صفحات التاريخ من العظماء والمصلحين الذين ساهموا في بناء الفكر الإنساني وتكوين الحضارة الاجتماعية وبلورة القضايا المصيرية لجميع شعوب الأرض، فالإمامُ الحسينُ -عَلَيْــهِ السَّلَامُ- كان من ألمع القادة المصلحين الذين حقّقوا المعجزةَ على مسرح الحياة وقادوا المسيرةَ الإنسانيةَ نحو أهدافها وآمالها ودفعوا بها إلى إيجاد مجتمع متوازن تتحقّـق فيه الفرصُ المتكافئة التي ينعمُ فيها الناسُ على اختلاف قومياتهم وأديانهم، فلقد كان الإمامُ -عَلَيْــهِ السَّلَامُ- من أكثر المصلحين جهاداً وبذلاً وتضحيةً، فهو -عَلَيْــهِ السَّلَامُ- قد انطلق إلى ساحات الجهاد مع كوكبة من أهل بيته وأصحابه مضحيا بنفسه وبهم ليقيم في ربوع هذا الشرق حكم القرآن وعدالة السماء الهادفة إلى تقويض الظلم وتدمير الجور وإزالة الاستبداد وإقامة حكم عادل يجد فيه الانسان أمنه وكرامته ورخاءه حسب ما تقتضيه عدالة الله في الأرض ومن ثم كانت حياة الإمام في جميع العصور والأجيال رمزا للعدل ورمزا لجميع القيم الإنسانية.
إن المتأملَ في سيرة الإمام الحسين -عَلَيْــهِ السَّلَامُ- يجدُ أن الصلابةَ في الحق كانت من مقومات شخصية الإمام الحسين -عَلَيْــهِ السَّلَامُ- ومن أبرز ذاتياته، فهو -عَلَيْــهِ السَّلَامُ- قد شق الطريق في صعوبة مذهلة من أجل إقامة الحق ودك حصون الباطل وتدمير خلايا الجور أينما وجدت، فها نحن نراه -عَلَيْــهِ السَّلَامُ- قد تبنّى الحقَّ بجميع رحابه ومفاهيمه واندفع إلى ساحات النضال ليقيم الحق في ربوع الوطن الإسلامي وينقذ الأمة من التيارات العنيفة التي خلقت في أجوائها قواعدَ الباطل وخلايا الظلم وأوكاراً للطغيان بهدف ترك هذه الأمة تتردى في مجاهل سحيقة من هذه الحياة، فهو -عَلَيْــهِ السَّلَامُ- حينما رأى الأمة قد غمرتها الأباطيل والأضاليل ولم يعد ماثلا في حياتها أي مفهوم من مفاهيم العدل وَالحق نجده قد توجه إلى ميادين التضحية والفداء من أجل أن يرفع راية الحق أمام رايات كانت للباطل ولذلك نجده -عَلَيْــهِ السَّلَامُ- يُعلن عن هذا الهدف المشرق في خطابه الذي ألقاه أمام أصحابه (ألا ترون إلى الحق لا يُعمَلُ به وإلى الباطل لا يُتناهى عنه ليرغب المؤمنُ في لقاء الله).
لقد كان الإمام الحسين -عَلَيْــهِ السَّلَامُ- يهدفُ من نهضته وشهادتِه إلى إحياء الإسلام وإرجاع القرآن إلى الحياة؛ وذلك لأن الإسلام الذين أنزله الله تعالى في كتابه ونطق به قرآنه وبلغ به رسوله صلى الله عليه وآله وسلم وضحّى من أجله أهل البيت عليهم السلام وخاصة الإمام الحسين -عَلَيْــهِ السَّلَامُ- في كربلاء يوم عاشوراء هو الدين الكامل والقانون الشامل الذي باستطاعته في كُـلّ عصر وزمان أن يُسعد الإنسان والمجتمع البشري ويضمن له التقدمَ والرقيَّ والتطلعَ والازدهارَ، فالحركةُ الحسينيةُ لم تكن مجرد حركة منبثقة عن معركة حامية الوطيس بين الإمام الحسين (ع) ويزيد اللعين وإنما هي حالة صراع بين تيارين يمثلان كمال الخير وكمال الشر، فالإمام الحسين -عَلَيْــهِ السَّلَامُ- هو الدين الكامل والقانون الشامل الذي يضمن للإنسان الارتقاء بإنسانيته إلى مستوى تحمل المسؤولية الفردية أمام ما تقتضيه المسؤوليات والواجبات الجماعية في ظل تعاليم خاتمة الرسالات الموجهة إلى بني آدم أجمعين ولأن الصراع أبدي بين الإيمان والكفر.. وَبين الحق والباطل.. وَبين المبدأ واللامبدأ.. ما زلنا نجد أمامنا حسيناً ويزيدَ في كُـلّ زمان ومكان وهما يتنازعان على الحق والباطل، فهذا النزاع هو في الواقع تجسيدٌ للصراع بين الخير والشر الذي ما زال قائماً إلى أن يُحدِثَ الله أمراً كان مفعولاً.