ويبقى الحسين (2)… ارتباطُ الإمام الحسين بالقرآن الكريم العاملُ الأَسَاسي في حسم المعركة قديماً وحديثاً
أم مصطفى محمد
لم تزَلْ واقعةُ عاشوراء والتي خاضها الإمَامُ الحسينُ -عَلَيْــهِ السَّلَامُ- من أجل إعلاء كلمة الله ترشق الذهنَ بالمئات من الأسئلة في كُـلّ اتّجاه فكري لتبعث العقل للتأمل والبحث والدراسة فمن تلك الأسئلة كيف عزم الإمَام الحسين -عَلَيْــهِ السَّلَامُ- على قتال الآلاف من المقاتلين المدججين بالأسلحة وهو بهذه القلة القليلة من الأصحاب والأهل فهو القائل (ألا وإني زاحف بهذه الأسرة مع قلة العدد وكثرة العدوّ وخذلة الناصر) فهذه المرتكزات التي تضمنها كلامه -عَلَيْــهِ السَّلَامُ- كلها تُعد موانعَ من خوض القتال من المنظور العسكري إلا أنها وبحسب استراتيجية الحرب وبلوغ الهدف كانت مرتكزات للنصر الحاسم في معركة الإمَام الحسين -عَلَيْــهِ السَّلَامُ- وهذا الأمر هو ما دفعنا للكتابة حول تلك الاستراتيجية الحربية التي اعتمدها سيد شباب أهل الجنة في حربه ضد الفساد والظلم والاستبداد.
إن الإمَام الحسين -عَلَيْــهِ السَّلَامُ- قد حشد لهذه المعركة كُـلّ مقومات النصر والمتمثلة بدراسة عقيدة العدوّ ومشروعه الإعلامي وعدته القتالية وغيرها من وسائل الحرب فأعد الإمَام -عَلَيْــهِ السَّلَامُ- لها عدتها وحاربها وانتصر عليها ولعل السؤال لم يزل قائماً كيف له بهذه الأسرة التي تُعد بحد ذاتها مانعا قويا يحول دون الدخول في المعركة ويجبر القائد أَو المحارب من الاقتتال والنزول عند شروط العدوّ أن ينتصر على هذا العدوّ وَيجعل من تلك الأسرة عامل للنصر وللوصول إلى تحقيق الهدف ولعلك أيها القارئ الكريم تزداد عجبا من هذه النتيجة التي توصلنا إليها من خلال الدراسة وَالتي بينت لنا أن ارتباطَ الإمَام الحسين -عَلَيْــهِ السَّلَامُ- بالقرآن الكريم طوال مسيرة حياته كان هو العامل الأَسَاسي في حسم تلك المعركة لصالح الإمَام الحسين -عَلَيْــهِ السَّلَامُ- قديما وحديثا، فالقرآن الكريم يقدم لنا نماذج عديدة في كيفية بلوغ النصر وتحقيق الهدف في خضم الظروف الصعبة وَالتي تجعل العقل عاجزاً عن التفكير بها وَإذَا فكر بها كان أعجز من الوصول إلى قبول سيرها وعملها فكيف له باليقين بنتائجها الإيجابية فعلى سبيل المثال نجد القرآن يقدم لنا نموذج متمثل بامرأة تقدم على إلقاء طفلها الرضيع في البحر بعد أن تضعه في صندوق لتسوقه الملائكة إلى عدو الله فرعون وذلك لينشأ في بيته ويكون سقوط ملكه وموته على يد نبي الله موسى -عَلَيْــهِ السَّلَامُ-، فهذه الحادثة لا يمكن إخضاعها للموازين المنطقية والعقلية دون إرجاعها إلى الله تعالى والتسليم لأمره وحكمته ولطف تدبيره ومن ثم الانشغال في التفكير بهذا الصنع الإلهي بغية تعلم كيفية التعامل مع الأحداث في هذه الحياة.
ما أحوجنا ونحن نواجهُه هذا العدوان الظالم على بلادنا الحبيب إلى معرفة الاستراتيجية التي قام بها الإمام الحسين -عَلَيْــهِ السَّلَامُ- يوم عاشوراء وذلك لنفهم تلك المعطيات والوسائل التي اعتمدها الإمام الحسين -عَلَيْــهِ السَّلَامُ- في حربه ضد الظلم والفساد فما أشبه اليوم بالأمس فهذا العدوان يمثل الباطل الذي واجهه الإمام الحسين -عَلَيْــهِ السَّلَامُ- بعدته وعتاده وبفكره وعقيدته، وبالتالي كان لابد لنا من معرفة ما دار في تلك المعركة التي كان هدف الإمَام الحسين -عَلَيْــهِ السَّلَامُ- منها الإصلاح في هذه الأمة وذلك لكي نصل إلى معرفة السبل التي تمكّن الإنسان من الإصلاح للنفس أولا وللأسرة ثانياً وللمجتمع ثالثاً ليكونَ بعد ذلك بلوغ الهدف وتحقيق النصر أمرا ممكن النوال مع قلة العدد وكثرة العدوّ وخذلة الناصر وذلك كما حدث مع سيد الأحرار الإمَام الحسين -عَلَيْــهِ السَّلَامُ- في معركته ضد الباطل، فهو -عَلَيْــهِ السَّلَامُ- قد قام بتهيئة كُـلّ الوسائل الممكنة عسكرياً وعقائدياً من أجل إنجاح هدفه في حربه على الفساد وبلوغ النصر المتمثل بالإصلاح في أمة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم فاستطاع -عَلَيْــهِ السَّلَامُ- بذلك إزالة جميع الموانع التي تراكمت كتراكم الصفوف وعسكرة المقاتلين على أرض كربلاء فبلغ بذلك المقتضى في دخوله المعركة والقتال والمتمثل بالفتح الذي أخبر عنه حينما خرج للمعركة وذلك حين دعا بقرطاس وكتب (بسم الله الرحمن الرحيم من الحسين بن علي إلى بني هاشم أما بعد فَإنَّه من لحق بي منكم استشهد معي ومن تخلف لم يبلغ الفتح).