حكمة الأنصار في بناء دولة وطنية حديثة
صفاء فايع
يعلم الجميعُ أنّ سياسةَ اليهود لنيل مكاسبِهم وطموحاتِهم في استعمار الدول والشعوب ونهب الثروات هي سياسةُ (فرّق- تسد)؛ لذلك فهم ومنذُ أنْ عرفهم التاريخُ يصدّرون للعالم مسمياتٍ مختلفةً من الطوائف والمذاهب، وحتى في بلدانهم هم يتخذون هذه السياسةَ؛ كوسيلةٍ للوصولِ إلى مصالحِهم، فالتفريقُ لديهم موجودٌ في الأعراق والألوان ويُعتبر ذلك التفريق لدينا منهياً عنه في دينِنا الإسلامي الحنيف.
لكننا في الوقت الذي شهدنا في بلدنا طوائفَ ومذاهبَ وأحزاباً مختلفةً، تنوعت بين مسميات سني وشيعي وزيدي وشافعي وصوفي ومؤتمري وإصلاحي وأنصاري…، شهدنا أَيْـضاً وتجرّعنا عدواناً بربرياً يطالُ الجميع ويُراق فيه الدمُ اليمني بكل أطيافِه وألوانِه، فلم يكن من حلٍ لمن يواجهون ويدافعون عن اليمن بأكمله إلا أن يُرسخوا دعائمَ اللحمة الوطنية، حيثُ أطلق السيدُ عبدُالملك -حفظه الله- حينها التوقيعَ على وثيقة القبيلة اليمنية؛ لتحفظ لليمنيين وحدتهم ولتضمن اصطفافهم ضدّ العدوان كأنهم بنيانٌ مرصوصٌ، ولاقت هذه الوثيقةُ اهتماماً واسعاً وتقبّلاً شعبياً وقبلياً لم يكن أحدٌ يتصوره، للحد الذي عفى فيه صاحبُ الدم عن قَتيلِه وتوحدت قبائلُ اليمن، عافيةً عن الدم مبتعدةً عن الثارات داعمةً ورافدةً للجبهات، بالرجال والأموال.
حينها تُوجت اليمن بالانتصارات والابتكارات بشكل متسارعٍ وملحوظٍ، جعلت العدوانَ في حالةٍ من الجنون فتمادى في إجرامه وحشّد مرتزِقته من أصقاع الأرض وبحث عن وسائلَ وأساليبَ أُخرى للتفرقة والشتات.
مع كُـلِّ هذا وذاك السجال بين العدوان والأنصار إلا أنّ رهانَ العدوان مازال خاسراً، فها هم أنصارُ اليمن وليس للمرة الأولى ولن تكون الأخيرةَ، يشكّلون فريقَ مصالحةٍ وطنيةٍ بين كُـلّ أطياف الشعب، ويعفون عن من خان الوطن، ويدعونه للعودة إلى حضن الوطن باعتباره مخدوعاً، كما هي دعواتُهم الدائمة إلى ترك الفرقة والتنازع والاقتتال.
ويأتي قرارُ المصالحة الوطنية الشاملة والحل السياسي من صنعاءَ، في ظل أوضاعٍ مأساوية يعيشها الجنوبُ المحتلُ في عدن، فالشركاءُ المحتلون لم يستسيغوا تقسيمَ أمريكا للكعكة واعتبروها قسمةً ضيزى فأتوا بقواتِهم الحربية؛ ليقضوا على ما تبقى من الجنوب تحت مسمياتٍ وذرائعَ لا تدعُ مجالاً للشك لدى أيِّ يمني فيما هو المقصود وما هو الهدف الحقيقي من العدوان.
في وقتٍ كان من المفترض أن يكون لعدن وجود بل ودور فاعل في تنفيذ الرؤية الوطنية لبناء الدولة اليمنية الحديثة، فمتى سيفهم أخوتنا في الجنوب أنّ عليهم أنْ يحملوا السلاح من أجل طرد الغازي المحتل، لا من أجل قتلِ إخوتهم اليمنيين؟ من المؤلم حقاً أنه وبعد كُـلِّ هذا الذي يحدث لم يدركوا ولم يتعقّلوا ولم ينطلقوا الانطلاقةَ الصحيحةَ التي تضمن لهم الحرية والعزة والكرامة في بلدهم، فيا ترى ما الذي تحمله الأيّامُ لعدن بعد كُـلّ هذه الفوضى؟ وهل في أبناء عدن رجلٌ رشيدٌ؛ ليستفيدوا من قرار المصالحة الوطنية ويضعوا أيديهم في أيدي إخوانهم اليمنيين ضد الغزاة والمحتلين، أم أنّ مطرقةَ الإمارات التي تطرق بها سندان السعودية في الجنوب ستبقى على ما هي عليه إلى أن يتم القضاءُ على كُـلّ جنوبي وسلبه كُـلّ مقومات الحياة؟!