ويبقى الحسين (3) ….. الاستراتيجيةُ الحربيةُ عند الإمام الحسين عليه السلام
أم مصطفى محمد
إن فهمَ استراتيجية الهدف العسكري والهدف المعنوي عند الإمَام الحسين عليه السلام يلزمنا أن نفهم هذين الهدفين عند خصمه فبالتضاد تعرف الصفات، فلو تأملنا في أقرب صورة حديثة لقراءة الهدف العسكري عند القيادة العليا لمعسكر أعداء الإمَام الحسين عليه السلام ممثلا برأس السلطة يزيد بن معاوية وواليه على الكوفة عبيد الله بن زياد لوجدنا أن هدف العمل الحربي هو نزع سلاح العدوّ بالإضافة إلى ضرورة أن يكونَ حجم القوة العسكرية كبيراً وذلك من أجل تدمير قوة العدوّ، كما أن الحل الدموي هو الخيار الأسرع لحسم المعركة فهذه الأسس في نظرية الهدف العسكري تكاد تكون موحدة عند معظم القادة العسكريين الذين يطمحون للحسم العسكري في حروبهم مستفيدين من المعركة بكونها الوسيلة التي تحقّق الهدف العسكري وهذا الأمر هو ما نطقت به صنوف جيش عمر بن سعد في كربلاء قديماً وفي اليمن حديثا فالكثرة العددية وصفوف الجيش وتنوع العدة القتالية والإصرار على قتل جميع أفراد الخصم وإن كانوا قلة قليلة كان وما زال هو الهدف الأوحد لدى خصوم الإمَام الحسين عليه السلام في كربلاء وخصوم أحفاده في اليمن ولذا نجد في مقابل ذلك أن الإمَام الحسين عليه السلام لم يكن ليغفل عن هذه التوجّـهات والطموحات في تحقيق الهدف العسكري الذي يسعى إليه عدوه؛ ولذا عزم على وضع استراتيجية معقدة على المستوى العسكري في ذراعي المعركة أي الهجوم والدفاع وتكبيد العدوّ خسائر عظيمة فضلا عن تأسيسه لمنظومة استراتيجية هجومية دفاعية لكل من أراد أن ينهل من علوم مدرسة كربلاء ويوم عاشوراء ولعل هذه العلوم قد نهلت منها قيادتنا الحكيمة لمواجهة هذا العدوان الظالم.
لقد كان الهدف العسكري عند الإمَام الحسين عليه السلام في معركته مع يزيد الطاغية هو إظهار عجز العدوّ ذي الامتيازات العسكرية.. تلك الامتيازات المتمثلة بكثرة العدد وصنوف الجيش وتشكيلاته، فلقد حرص الإمَام الحسين عليه السلام على إظهار عجز هذا الجيش من خلال وضع استراتيجية حربية الهدف منها بناء الروح المعنوية والعقيدة القتالية لمن كان معه من الرجال الأمر الذي جعل تلك الثلة القليلة ممن كانوا معه عليه السلام تؤثره على نفسها فتبيع الحياة الدنيا بما فيها من زخرف من أجل أن تخلد في الحياة الآخرة، وما كان ذلك ليتحقّق إلا لكون الاستراتيجية التي اتخذها الإمَام الحسين عليه السلام كانت منطلقة من القرآن الكريم الذي أسس للهدف المعنوي قبل الهدف العسكري ليس ذلك فحسب بل إنه قد جعل الهدف العسكري نافذة على تحقيق الهدف المعنوي يقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ، إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ، وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَفْقَهُونَ) ويقول أَيْـضاً (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا، وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَٰلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ)، ولعل الرجوع إلى القرآن الكريم والكتب السماوية وحياة الأنبياء التي قادت بعض المواجهات بين أتباعها وأعدائها يقدم لنا صورة واضحة عن الهدف المعنوي الذي كان غاية الأنبياء والرسالات السماوية.