من ثمار الهجرة النبوية المباركة
صالح مقبل فارع
انتهى العامُ الهجري 1440 ودخل العامُ الهجري 1441، هذا التاريخُ يذكرنا بهجرة الرسول صلوات الله عليه وآله وسلم، من مكةَ إلى المدينة.
وحدثُ الهجرة النبوية يعتبر حدثاً مهماً في تاريخ الإسلام لا ينبغي المرور عليه مرور الكرام، دون أن نستعرض هذا اليوم العظيم الذي يعتبر يوماً من أيام الله، فقد اهتم المسلمون السابقون بالهجرة وجعلوه تاريخاً مهماً جداً جداً؛ للأسباب التالية:
انتقل الإسلامُ بعد الهجرة نقلةً نوعيةً، فالمسلمون بعد الهجرة تغيرت أحوالهم وأوضاعهم فأصبحوا غيرَ المسلمين الذين كانوا قبل الهجرة، فبعد الهجرة تم بناءُ الدولة الإسلامية المدنية الأولى بقيادة رسول الله صلوات الله عليه وآله، أصبح للمسلمين دولةً لها أرضٌ وشعبٌ وقيادةٌ وحكمٌ وجيشٌ ونظامٌ ودستورٌ وقوانين.
هذه الدولة التي أسسها ووضع لبناتها الأولى رسولُ الله صلوات الله عليه وعلى آله في المدينة المنورة بعد الهجرة النبوية المباركة، توسعت قليلاً قليلاً حتى استطاعت القضاءَ على أكبر إمبراطوريتين في ذلك العصر، إمبراطورية الفرس، وإمبراطورية الروم.
هذه الدولة التي نشرت الإسلامَ في كُـلّ أصقاع الأرض، وخلّدته للأجيال جيلاً بعد جيل حتى وصل إلينا غضاً طرياً، وقضت على الشرك والعبادة الوثنية وفضحت انحرافَ النصارى واليهود عن الدين القويم الذي استقوه من عيسى وموسى.
هذه الدولة التي رفعت شأنَ الإنسان ذكراً أكان أَم أنثى، وقدّست عقلَه، وكرّمته على جميع المخلوقات، وحافظت على كُـلّ حقوقه (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ).
هذه الدولة رفعت من شأن العلم والعلماء وحثّت عليه وأوصت به، وجعلت المعرفة وطلبها واجبة وفريضة على كُـلّ مسلم ومسلمة؛ لأنها كانت تعلم أن تقدُّم الأمم وحضارتها مرهونٌ بما لديها من علم ومعرفة في كُـلّ المجالات.
أولُ من حصد خيرات هذه الدولة هم العربُ، فأصبح لهم كيانٌ وقيادةٌ ودولةٌ اعترف بها العالم بعد أن كانوا بلا دولةٍ ولا كيان، بل كانوا أتباعاً لكسرى وقيصرَ وبدواً رُحّلاً، وجُهلاءَ يقتتلون فيما بينهم سنين وسنين على شيء تافه، كناقة البسوس أَو سباق داحس والغبراء أَو غير ذلك.
قيامُ الدولة الإسلامية هي أولُ ثمار الهجرة النبوية المباركة، هذه الدولة أسسها رسول الله صلوات الله عليه وآله، بعد وصوله المدينة المنورة وارتكزت على ثلاثة دعائم:
1- بناء المسجد النبوي الشريف؛ ليربط الناس بالله عز وجل وكتابه الكريم القرآن ليزدادوا ثقة فيه؛ وليكون هذا المسجد معياراً لصلاح الناس والحاكم لفسادهم؛ وليكون المسجد هو الأصل والأَسَاس في نشر الإسلام وبناء الإنسان وتنميته وتكوين هذه الدولة بكل تفاصيلها وفروعها، فقد كان المسجدُ النبوي هو الجامعةَ الوحيدة والركيزةَ الأَسَاسية لتكوين هذه الدولة وانطلاقتها إلى العالم الآخر والفضاء الرحب، ففيه كانوا يعبدون الله، وفيه ناقش المسلمون جميعَ أمورهم وحياتهم وتفاصيلهم الدقيقة، وحلّوا مشاكلَهم البينية، ومنه نشر المسلمون القوّادَ العسكريين والجيوشَ الإسلامية الموحِّدة، التي فتحت العالم شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً.
وفيه مارس المسلمون السياسيةَ ليربطوا السياسةَ بالدين، وأيُّ سياسة تعارض هذا الدين وهذا المسجد فهي سياسةٌ ملغية ومرفوضة وغيرُ مقبولة، وليعرف الناسُ أن مبدأ “فصل الدين عن السياسة” ما هو إلا مبدأٌ مستوردٌ من الغرب والكنيسة الأوروبية، وليس له صلةٌ بالإسلام بل نشروه في أوساطنا؛ لننفصل عن ديننا وتشريعاتنا وقوانين الله الربانية فنضعف ونضعف ونكون فيما بعد لقمة سائغة بيد الأعداء، وهذا الذي حصل فيما بعد لنا، فالدولة الإسلامية عندما فصلت الدينَ عن السياسة ضعُفت، وتجرأ الغربُ على بلادنا وهزمونا وأصبحنا تحت رحمتهم وطاعتهم، ونخاف من سياطهم وجلاديهم، وأصبحنا سامعين مطيعين لأوامرهم، لا نقول إلا الذي قالوا، ولا نفعل إلا ما أمرونا به.
2 – المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار؛ لأنه يعرفُ أن بسبب هذه المؤاخاة سيتوحّد المسلمون، وسيترابطون ويتآخون ويتعاضدون، فأصبحوا قوةً ضاربةً لا يستهان بها، قوةً حطّمت كُـلَّ القوى المناوئة لها، حطّمت كسرى وقيصر.
فمفعولُ قوة الأخوة أقوى من مفعول النووي والصواريخ الباليستية؛ لأنّ من ثمارها الوحدةَ بين الناس، فعندما يتآخى الناسُ يصبحون متوحدين ويداً واحدة، ولذلك عندما توحّد المسلمون سادوا العالم وسيطروا على جميع ثرواته ومنافذه وأصبحوا قوةً عظمى، ولكن عندما تفرقوا وضعفَ عاملُ الأخوة فيما بينهم ضعفوا وهزموا أمامَ كياناتٍ صغيرةٍ كإسبانيا واليونان ومالطة، ناهيك عن الكيانات الكبيرة؛ ولذلك أمر اللهُ بالوحدة (وأن هذه أمتكم أمة واحدة)، وأمر بالاعتصام (واعتصموا بحبل الله جميعاً)، وحث على الإخاء (وكونوا عبادَ الله إخواناً) بل جعله قاعدة أَسَاسية من قواعد الدين (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) ونهى عن الفرقة (ولا تفرقوا) والنزاع والشقاق (وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ)؛ لأن نهاية الشقاق هو ذهاب الهيبة والسطوة.
3- وثيقة عهدٍ بين المسلمين والكيانات اليهودية الموجودة في المدينة وما جاورها، فهذه الثلاث هي أهمُ الدعائم التي قامت عليها دولة الإسلام بقيادة الرسول صلوات الله عليه وآله وسلم.