ما قبلَ النصر ليس كما بعده
هنـادي محمـد
تحدّث السيدُ القائدُ -يحفظه الله ويرعاه- في خطابِه العاشورائي، يوم أمس، عن الحربِ التي واجهها النبيُّ من قبل جلاوزة الكفر والطغيان، وعلى رأسهم أبو سفيان المتأسلِـمُ هزيمةً وذلّاً، وفي سياق حديثه قال: “إنَّ من آمنَ بعد فتحِ مكةَ لم يدخلْ ضمن دائرة المهاجرين والأنصار”؛ لأنَّ فئةَ ما قبل الفتح هي الفئةُ الصّادقةُ التي ناصرت رسولَ الله -صلوات الله عليه وعلى آله- ولم تلتفتْ للعدد والعُدة، ولم ترهب وتهتب من قوة العدوّ وإمكاناته، فهي مَن رفعت رايةَ الإسلام عالياً في الوقت الذي كانت رياحُ الكفر والحقد في أوَجِّها وذروتِها تعصفُ بكلِّ من يقف في وجهها، هي من صدعت بالحقِّ في يومِ لا صوتٌ فيه نطق، وفي يوم كانت فيه المقامعُ والنارُ ملجمةً للأفواه، لأنْ لا يصدرَ عنها نورٌ أو بيانٌ، هي من ظهرت في الساحة عزيزةً شامخةً بشموخ الدين والمنهج يومَ أن تنكّر لهذا الدين الكثيرون، ولبسوا لباسَ الخوف والذلة والإعراض، هي من وثبت وثبتت في ميادينِ الصراع وقالت للعدو: إن محياي ومماتي لله ربِّ العالمين، فما أنتَ فاعلُه فكُلُّهُ خيرٌ لديني ودنياي وآخرتي، هي من تركت الأهلَ والديارَ والمالَ وزينةَ الدنيا يومَ أن تشبّث غيرُها بكل ذلك الحطام وآثرت المتاعَ؛ طمعاً وجهلاً، هي مَن كانت قويّةَ النَّفس يومَ أن تزعزعت وارتابت وضَعُفَتْ فيه النفوسُ، هي من شهرت سيوفَها في رقاب المستكبرين يومَ أن انحنت لهم ظهورُ المستعبدين، فما قبلَ الفتح ليس كما بعده.
وعليـه، فمَن جاهد في سبيل الله بماله ونفسه وبذل جُهداً صادقاً في مواجهة العدوان اليوم، وكان جادًّا في تحمُّلِ المسؤولية الدينية والتاريخية في هذه المرحلة ليس كما بعد العدوان؛ لأَنَّ ما قبل النصر ليس كما بعده حتماً ودون أي شك؛ باعتبار أنَّ مصداقيةَ الإيمان وحقيقتَه تتجلى في الظروف الحرجة والمعاناة الصَّعبة التي تتطلبُ الصبرَ والثباتَ والعطاءَ والتضحيةَ والفداءَ، ولو أخذنا -بعين الاعتبار- الجانبَ المعنويَّ لقُلنا بالعامّية الصريحة وبالمختصر المفيد: «هذا الوقت وقت الكيّافة، ما هو وقت المعاناة والنفير في الحَر والقصف والحصار والتجويع».