الصورةُ الرمزيةُ للإمام الحُسين (ع)
عبدالقوي السباعي
ونحن نعيشُ في ظل عالِمٍ من الرموز وكُـلُّ توجُّهٍ أيديولوجي –فكري أو سياسي أو…- في العالم كله له رموزه التي يُعلي من شأنها ويقتدي بها، حيث يؤكّـدُ علماءُ النفس والاجتماع ومؤرخو الأديان أن الإنسانَ كائنٌ تاريخي ورمزٌ حيٌّ في الوقت ذاته؛ لذلك لم يعد من الممكن أن يبقى العقلُ وحدَه المدخلَ الوحيدَ والآليةَ المُثلى لفهم الظواهر الاجتماعية والدينية والأحداث والوقائع التاريخية، ومن ورائها الخضارة الإنسانية هنا أَو هناك، بل أصبح من الضروري فهمُها بمدى ارتباطها بمراحل حياة البطل الديني هذا أَو ذاك وما أنيط بعُهدته من فعل في التاريخ.
لذا تحتلُّ الصورة والرمز مكانةً كبيرةً في الفكر الإنساني عامةً والفكر الديني خَاصَّةً؛ ولذلك أن الظاهرة الدينية عندما تبزُغُ شمسُها في مجموعة معينة تفسح المجال أمام الإنسان؛ كي يفعل في التاريخ حسبما تقتضيه حاجتُه في الواقع بطريقة عفوية محدّدة بتاريخ وجغرافيا، لكن أثرَ هذه الظاهرة لا يتوقفُ عند حدود واقع المجموعة المحتضنة، بل يتحولُ بفضل الكُتّاب والمؤرخين والرُّواة إلى ثقافةٍ تنهلُ منها الأجيالُ اللاحقةُ بعد أن تشبعَ دلالات لحظة تدوينها ثم تأويلها بواسطة الملكات الروحية والفكرية المتمرسة للقَصّاص أَو الراوي، وتدريجياً تصبح الصورة المرسومة للبطل الأسطوري جزءاً من كيان هذه المجموعة أَو تلك، لا يستقيمُ العيشُ دونها أَو خارجها، بل يصبح العيشُ في عالم بلا رموز موتا روحيا للإنسان.
وحين أقول هنا “البطل الأسطوري” ليس جزافاً أَو استدعاءً بل لأَنَّه يمثّلُ النموذجَ الأصلي والصورة المثالية المتجسدة في روحية الجماهير المعتقدة به، فأيُّ خطاب أسطوري تربطه علاقةٌ وثيقة بين بالخطاب الديني من خلال عدد من المفاهيم التي تدور في فلكها من قبيل الرموز والصور والنموذج الأصلي؛ لأَنَّ الأسطورة كما عرّفها علماء الاجتماع (عبارة عن بناء أيديولوجي ينهضُ على أنقاض خطاب اجتماعي متقادم).
ولو استعرضنا نماذجَ من الصور والرموز الدينية في الفكر والتراث الإسْــلَامي وبإجماع كافة الفرق والمذاهب سنجدُ شخصيةَ الإمَـام الحُسين بن علي (عليهما السلام) هي الصورةَ الرمزية الدينية الأنموذج وذلك لعدة دلالات.. خلال البحث في مختلف أدبيات المنظومة الإسْــلَامية، فالإمَـام الحُسين (ع) يجسّدُ في صورته الرمزية الطفلَ الإلهي الذي حملته والدتُه فاطمة الزهراء فكانت الوعاءَ المقدَّسَ الذي حمل وارثَ الأنبياء، وسببُ هذا التركيز هو المكانة الخَاصَّة التي توليها المنظومة الإسْــلَامية للسيد فاطمة، إذ كانت امرأةً تقية من جهة أفعالها وصفاتها ومقدسة من جهة انتمائها إلى آل بيت النبي محمد صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله.
وهذا يمثِّلُ في حدِّ ذاته تشريفاً وتكليفاً، كيف لا وهي سيدةُ نساء العالمين في الدنيا والأُخرى، وسيدة نساء أهل الجنة في كُـلّ نصوص التراث الإسْــلَامي؟.
والإمَـامُ الحُسينُ (ع) يجسد في صورته الرمزية في إطار الوعي وتحمل المسؤولية من خلال ما تلقاه من علومٍ ومعارفَ وتربية واتزان وسلوك على يد جده الرسول الأعظم محمد صلى الله عليه وآله وسلم ومدى حميمية العلاقة التي ربطته بجده (حسينٌ مني وأنا من حسين، أحب اللهُ من أحب حسينا).
والإمَـامُ الحُسين (ع) يجسد في صورته الرمزية الجهادَ الواعيَ ورفض الظلم ومقارعة الطغاة، كيف لا؟، وهو ابن علي بن أبي طالب باب مدينة العلم، ووصي النبي الأكرم وولي المؤمنين من بعد رَسُــوْل الله صلى الله عليه وآله وسلم.
لقد اختار الإمَـام الحُسين -عَلَيْـهِ السَّــلَامُ- الموتَ الواعي وهو نفسُ الاختيار الذي اختاره السيد المسيح عيسى بن مريم -عَلَيْـهِ السَّــلَامُ- دونَ المبادئ والمُثُلِ والقيم الدينية والرسالة التي يحملُها، فكان باستشهاده -عَلَيْـهِ السَّــلَامُ- ثورةً حقيقيةً متجدّدةً في وجه الطغاة والمستكبرين في كُـلّ زمان ومكان، فكان بحق الصورةَ الرمزية والدينية المُثلى في الفكر والتراث الإسْــلَامي الحي.