ويبقى الحسين (6) …. العاملُ الأَسَاسيُّ في ثبات الإمام الحسين -عَلَيْــهِ السَّلَامُ- وأصحابه يومَ عاشوراء
أم مصطفى محمد
إننا نجدُ أن هناك سؤالاً قد حيّر الكثيرين وهذا السؤال يكمن في كيف بنى الإمام الحسين -عَلَيْــهِ السَّلَامُ- قوتَه في حربه وقتاله الأعداء؟ ولعلنا نجد أن الإجابةَ عن هذا السؤال تكمن في التوحيد الحقيقي لله تعالى، فما من شيءٍ يجعلُ الإنسانَ ذا قوة خارقة مثلما يجعله التوحيد الصحيح بالله عز وجل، فالأنبياءُ والمرسلون والأوصياءُ عليهم السلام لم تكن قواهم مرتكزةً على المدد الغيبي واللطف الإلهي فقط وإنما هم في الأَسَاس أناس بلغوا المراتبَ العليا من التوحيد لله تعالى فكان الله معهم في قولهم وفعلهم فهو عز وجل يدهم التي يضربون بها وسمعهم الذي يسمعون به ونظرهم الذي ينظرون به فكانوا لله وإلى الله تعالى؛ ولذا لم تبنَ قواهم على جودة الغذاء ولا على نوع السلاح ولا على فنون القتال، وإنما بنيت هذه القوى على التوحيد فكان هو الأَسَاس ثم يأتي بعد ذلك ما يحتاج إليه المحارب من وسائل قتالية كالسيف والرمح والتدريب عليها تدريبا واسعا، وعليه فإن هذه المجموعة التي وقفت يوم العاشر تقاتل بين يدي الإمام الحسين -عَلَيْــهِ السَّلَامُ- كانوا قد تأسّسوا على التوحيد الصحيح بالله تعالى فأصبحوا في قتالهم العدوّ (كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ) وهذه الصفة كانت نتيجة لمقدمة ذكرتها الآية الكريمة وهي قوله تعالى: (يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا) ولا يقاتلون في سبيله إلا حينما يكونون موحدين له وكلما كان اعتقادهم بالتوحيد أصدقَ كلما كان بنيانهم أرصَّ، ولعل هذه الحقيقة يمكن ملاحظتها من خلال ليلة عاشوراء حينما جمعهم الإمام الحسين -عَلَيْــهِ السَّلَامُ- وخاطبهم قائلاً، (أثني على الله أحسن الثناء وأحمده على السراء والضراء اللهم إني أحمدك على أن أكرمتنا بالنبوة وعلمتنا القُــرْآن وفقهتنا في الدين وجعلت لنا أسماعا وأبصارا وأفئدة فاجعلنا من الشاكرين أما بعد فإني لا أعلم أصحابا أوفى ولا خيرا من أصحابي ولا أهل بيت أبر ولا أوصل من أهل بيتي فجزاكم الله عنى خير الجزاء ألا وإني لأظن أنه آخرُ يوم لنا من هؤلاء ألا وقد أذنت لكم فانطلقوا جميعاً في حل ليس عليكم منى ذمام هذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جَمَلا) فقال إخوته وأبناؤهم وأبناء عبدالله بن جعفر(لم نفعل لنبقى بعدك لا أرانا الله ذلك اليوم أبدا) فقال الإمام الحسين -عَلَيْــهِ السَّلَامُ- (يا بني عقيل حسبُكم من القتل بمسلم فاذهبوا أنتم فقد أذنت لكم) قالوا (سبحان الله ما نقول للناس؟ نقول إنا تركنا شيخنا وسيدنا وبني عمومتنا خير الأعمام ولم نرم معهم بسهم ولم نطعن معهم برمح ولم نضرب معهم بسيف ولا ندرى ما صنعوا بهم.. لا والله لا نفعل ولكن نفديك أنفسنا وأموالنا وأهلنا أَو نقاتل معك حتى نرد موردك فقبح الله العيش بعدك) وقال مسلم بن عوسجة: (والله لو علمت أني أقتل ثم أحيا ثم أحرق ثم أحيا ثم أحرق ثم أذرى يُفعل بي ذلك سبعين مرة ما فارقتك حتى ألقى حمامي من دونك.. وكيف لا أفعل ذلك وإنما هي قتلة واحدة ثم هي الكرامة التي لا انقضاء لها أبداً) وقام زهير بن القين فقال: (واللهِ لوددتُ أني قُتلتُ ثم نُشرت ثم قُتلت حتى أقتل هكذا ألف مرة وأن الله يدفع بذلك القتل عن نفسك وعن أنفس هؤلاء الفتيان من أهل بيتك لفعلت) فهذه المواقف تنطق بصدق الاعتقاد بالله عز وجل والإخلاص له في توحيده ولولا هذه العقيدة لما كانت لهم تلك المواقف في يوم عاشوراء ولما انتصر الدم على السيف.