عاشوراءُ مدرسةٌ للوعي بكـل الأحداث والتحديات
أبو الباقر الجرادي
فاجعةُ كربلاء هي ذكرى حافلةٌ بالدروس ومليئةٌ بالعِبَــر، هي مدرسةٌ إسلاميةٌ تعطِي دروساً أمام كُـلّ الأحداث والتحديات، فمن هذه المدرسةِ تعلّمنا أنَّ الحسينَ جسّد عظمةَ الإسلام في سلوكه ومواقفه، فالإسلامُ يُربِّينا على العزةِ والكرامةِ، يُربِّينا على أنْ لا نقبلَ بالهوان والإذلال، فالحسين قدّم لنا درساً في هذا السياق، خَاصَّةً ونحن في هذه المرحلة التي يسعى الأعداءُ إلى تزييفِ الإسلام، وصناعةِ “إسلامٍ” أمريكيٍّ يتوافقُ وتسلُّطَ الطغاة والمجرمين، عملاءِ اليهود والنصارى.
تعلّمنا من كربلاءَ أنه عندما تكونُ الأعمالُ والمواقفُ التي هي حقٌّ ضائعةً، لا وجودَ لها في واقع الحياة، ماذا سيكون البديل؟ أليس هو الباطل، سيكونُ الظلمَ والفسادَ والطغيانَ والهوانَ والخنوعَ والجمودَ والتيهَ والضياعَ والخُسرانَ في الدنيا والآخرة.
في مثل هذه الحالات، يجبُ أن يحرِصَ الإنسانُ على أن يلقَى اللهَ محقّاً وإن تخلّى الآخرون عنه، أليس مصيرنا إلى الله جميعاً، وأمام الله سيتحمل الإنسانُ المسؤوليةَ، ويحاسبك على الحقِّ الذي خذلته، والموقف الذي لم تقفْه، سيحاسبك ويعاقبك الله عليه.
تعلّمنا من كربلاءَ هذا الدرسَ الذي قدّمه لنا سبطُ رسول الله، قدمه قولاً وعملاً وموقفاً، قدّمه وعمّده بدمائه وبأشلائه، فلا تضحّي بالحق من أجل حطام الدنيا، قد تخذل الحقَّ من أجل أن تبقى حياً تحت هيمنة الظالمين، فالذي ينبغي أن تحرصَ عليه وأن ويكون مرغوباً لديك، أن تلقى الله محقاً؛ لأن الحياةَ مع الظالمين شقاوةٌ، فيجب أن نرسخ ونسعى لتعزيز هذه الثقافة، ثقافةِ عدم القبول بالطغاة والمستكبرين والظالمين.
تعلّمنا من مدرسة الإمام الحسين، أنه حينما نُخيّر بين العزِّ وبين الذلِّ، ونُخيّر بين الحرية والاستعباد والقهر، بأن نقولَ كما قال: (هيهاتَ منا الذلةُ، يأبى اللهُ لنا ذلك ورسولُه والمؤمنون)، أن نقول: (لا والله، لا أعطيهم بيدي إعطاءَ الذليل ولا أقر إقرارَ العبيد)، هذه المقولةُ العظيمةُ التاريخيةُ أطلقها من منبعٍ إيماني ومن مصدرها القرآني، الإمام الحسين قال: (يأبى اللهُ لنا ذلك)، لم تكن فقط مجردَ مقولة أطلقها في حالة ثورة، أَو مقولة انفعالية، إنها مقولةٌ ناشئة عن مبدأ وعن منطلق ديني وإيماني حقيقي، لم تكن حالةَ انفعال عبَّر فيها هذا التعبير “يأبى الله لنا ذلك “.
تعلّمنا من حادثة كربلاء، أنه في الظروف الصعبة وفي مواجهة التحديات والأخطار، يتحَرّك الذين يعيشون المقام الإيماني المنسجم مع مقام المسؤولية، ويكونون في الطليعة، ومن يتعرض للسقوط والتراجع هم ضعيفو الإيمان والوعي والبصيرة، وهم الكثير في كُـلّ عصر.
تعلّمنا من الحسين أن من يتقاعسون ويتخاذلون عن نُصرةِ الحق، وهم ممن كانوا قد سمعوا صوتَ الحق ودُعوا إليه، سيساقون إلى ميادين نصر الباطل، نحن إذَا لم ننطلق في مواجهة الباطل في هذا الزمن، فإننا من سنرى أنفسنا نُساق جنوداً لأمريكا في مواجهة الحق. ما أسوأَ الإنسان حينما يسمع كلمةَ الحق ثم يرى نفسَه في يومٍ من الأيّام يقفُ في وجه الحق يضربُه بسيفه، إنه أسوأُ من ذلك الذي تربّى على الضلال من يومه الأول.
تعلّمنا من الحسين أنه إذَا كنا فقط نلومُ الآخرين، ولا نعرفُ على ماذا نلومُهم، أنت تلومهم؛ لأنهم قتلوا الحسين، أليس كذلك؟ لكن ما الذي جرّهم إلى أن يقتلوا الحسين؟ هل أنت تعيش النفسية، هل أنت تعيشُ الحالة التي جرتهم إلى أن يخرجوا ليواجهوا الحسينَ.
وإذا كان أولئك بتفريطهم، هيأوا الساحةَ لأَنْ يتولى يزيد، فأنت هنا بتفريطِك ستهيئُ الساحةَ لأَن يحُكُمَها “ترامب ونتنياهو”، وتحكمها إسرائيل، فيحكمها اليهود، أوليس اليهودُ أسوأَ من يزيد؟ إنَّ من يهيئ الساحةَ لتحُكُمَها أمريكا، من يهيئ الساحة لتحكمها إسرائيل، من يهيئ الساحة لتحكُمَها ثقافةُ الملعونين من اليهود والنصارى بدلاً عن ثقافة القرآن، هم أسوأُ ممن شهروا سيوفَهم في وجه الحُسين.