كربلاءُ بتفاصيلها جسّدتها اليمن
دينا الرميمة
لا تزال قوى الطغيان تملؤ هذه الأرضَ؛ لتعيثَ فيها الفسادَ وتنشُرُ الظلمَ بطريقة متسارعة وبشعة.
وبالمقابل نرى القليلَ ممن يثورون ضدَّ هذا الظلم، وتقابَلُ ثورتهم بالخِذلان والوقوف إلى صَـفِّ الظالم، تماماً كما حصل مع الإمَـام الحُسين في كربلاء حين واجه قوى الشر وحيداً مخذولاً مع تلك القلة القليلة ممن ناصروه ووقفوا بجانبه، وفي وقتنا الحالي نرى الكثيرَ من مشاهد كربلاءَ تتكرّر، خَاصَّةً مع تنامي قوى الشر المتمثلة بأمريكا التي ترى الإسْــلَامَ والمسلمين العدوَّ الأكبرَ لها، وبالمقابل نرى الكثيرَ منهم يسقطون في وحل الارتهان لها ضدَّ إخوانهم المسلمين.. ولنا فيما يحدث في اليمن خيرُ دليل.
اليمنُ التي تقفُ مع شعبها في مواجهة طغاة العصر، كما وقف الإمَـامُ الحُسين -عَلَيْـهِ السَّــلَامُ- في مواجهة الطغيان اليزيدي، وجسّدت صورةً مطابقةً لكربلاءَ وأحداثِ ومشاهدِ يوم الطفّ، وذلك بعد أن خذله الصديق والأخ والقريب، وَفرضوا عليه حصاراً شبيهاً بذاك الذي فُرِضَ على الطفّ.
وهناك الكثيرُ ممن كانت قلوبُهم معنا، ولكن أسلحةَ حكوماتهم كانت علينا، وكان سكوتُهم عن ما يحدُثُ في اليمن وصمةَ عارٍ في جبين الإنسانية.
رأينا الكثيرَ كعبدالله الرضيع محمولين بأيدي آبائهم والدماء تغطي أجسادَهم، بعد أن اغتالتهم طائراتُ يزيد العصر.
رأينا الكثيرَ ممن كان مصيرُهم هو ذبحَ رؤوسهم عن أجسادهم، لا لشيء إلا لأَنَّهم سلكوا طريقَ الإمَـام الحُسين ووقفوا بصَفِّ اليمن المظلوم ضدَّ الطغاة والمتربصين.
رأينا -كزُهير بن القين- الكثيرَ ممن تركوا الأموالَ والتجارةَ وكلَّ النعيم، والتحقوا بصفِّ اليمن يذودون عنها ويدافعون عن عزتها وكرامتها إلى أن ارتقوا شهداءَ.
رأينا ذاك الشابَّ الذي موقفُه تماماً كموقف وهب الكلبي، الذي ودّع عروسَه وذهب إلى جبهات العِــزَّة؛ كي يدافعَ ويذود عن الأرض والعرض، ولم يعد إلّا شهيداً حاملاً وِسامَ الحياة الأبدية بجوار أصحاب الحُسين.
رأينا من نساء اليمن مَن هي كزينب الحوراء، تلك من استقبلت جثامين عبّاسها وحسينها وجعفرها بكل عِــزَّة وفخر قائلةً: (اللهمَّ إن كان هذا يرضيك فخذ حتى ترضى يا رب)، وقارعت قوى البغي ولم ترضَ بكل الإغراءات أمام قضيتها.
رأينا الكثيرَ ممن كانت كسكينةَ بنت الحُسين، شهدت مقتلَ والدها وإخوتها وأعمامها وبكل صبرٍ وشجاعةٍ انتقلت بقضيتها ومظلوميتها تجوبُ الديارَ وتقيم المجالسَ؛ لتُحْييَ دينَ الله الذي كاد يطغى عليه الدينُ الوهابي، وقامت بنشر مظلومية أهلها وتفنيد كُـلّ تلك الشائعات التي تُلفَّقُ لليمن وقادتها الأحرار والمجاهدين.
رأينا كخولةَ ممن فارقت الحياة؛ بسَببِ منع الدواء والغذاء عنها.
رأينا الكثيرَ من نساء اليمن ممن كان موقفُها لا يختلفُ عن موقف أم وهبٍ، جاؤوها برأسِ ولدها فقالت: (ما وهبناه لله لا نسترده)، اعتزازاً بما وهبته لله وفي سبيل الله واليمن.
وكأرضِ الطفّ وأهلِ الحُسين، تحاصَرُ الدريهمي وأهلها من الماء والغذاء والدواء، ويموتُ الكثيرُ منهم جُوعاً وعطشاً ولا يصل إليهم إلا قذائفُ العدوان ورصاصاته.
ورأينا أولئك العائدين إلى صَـفِّ اليمن يعتذرون لها ولأهلها مما اقترفوه بحقها بعد أن خذلتهم قوى الشر والعدوان، التي انضموا إليها وتبيّن لهم حقيقتهم التي لا تختلف عن حقيقة يزيدَ وعمرَ بن سعد وابنِ مرجانة.
الكثير الكثير من مشاهد كربلاء تجسدت في اليمن وعايشها أهلها لحظةً بلحظةٍ، وها نحن نرى اليمنَ تنتصر بتلك الدماء التي أروت أرضَها وترابَها وسهلَها وجبلَها على كُـلِّ ذلك الكمِّ الهائل من السلاح الذي دخلوا به اليمن؛ لاستباحتها والقضاء على كرامتها تماماً، كما انتصر دمّ الإمَـام الحُسين على السيف.
وهنا نحن في اليمن نهجنا نهجَ الإمَـام الحُسين وأصحابه ورفضنا أن نذلَّ للطغاة فانتصرنا.
وهنا نقف أمام الدروس والعِبَــر من كربلاءِ الطفّ، وكربلاءِ اليمن ومن أهمها: أنه لا يمكن لسلطة الجور الاستمرارَ في طغيانها طالما هناك أُمَّــة تتحَرّك بنهج الحُسين، وتسير تحت قاعدة هيهات منا الذلة، وستبقى تجربةُ الأمس ودروسُ اليوم مدعاةً لبقية أبناء هذه الأُمَّــة ليسيروا في هذا الدرب، ما لم فليبقوا تحت نيران الطغاة والمستبدين غير مأسوفٍ عليهم.