اليمنُ أرضُ السلام
محمد صالح حاتم
اليمنُ أصلُ العرب ومنبعُ التاريخ بلدُ الحضارات، والذي قامت على ترابه الطاهر أعظمُ الدول والإمبراطوريات وَأقدمُ الحضارات الإنسانية، آلافُ السنوات من الحياة والبناء والعطاء، الإنسانُ اليمنيُّ العظيمُ هو أولُ من بنى السدودَ، واستطاع أن يحوّلَ الصحراءَ إلى جنات خضراءَ، والجبالَ إلى مدرجاتٍ زراعية، الإنسانُ اليمني أولُ من شيّد القصورَ وناطحاتِ السحاب.
اليمن الكبير الذي كانت حدودُه إلى فلسطين وبابل وأفريقيا، كانت رحلاتُه التجارية تجوبُ البحارَ والمحيطات شرقاً وغرباً، اليمن عُرفت بالبلد السعيد أَو العربية السعيدة، والبلدة الطيبة، اليمانيون أولُ من جاء بالمصافحة، اليمانيون أولُ من آمن بالرسالة المحمدية ودخلوا في دين الله أفواجاً، وناصروا الرسولَ -صلواتُ الله عليه وآلَه وسلم- قال الرسولُ: (أتاكم أهلُ اليمن هم أرقُّ قلوباً، وألينُ أفئدةً، الإيْمَـانُ يمانٍ والحكمةُ يمانية).
ولكنَّ اليمن اليوم يتعرض لمؤامرةٍ دنيئةٍ، ومخطّطٍ خطيرٍ، يستهدف الإنسانَ والجغرافيا، اليمنُ اليومَ يُفكَّكُ نسيجُه الاجتماعي وتُمزَّقُ وَحدتُه، وتُنتهك سيادتُه ويستباح عرضُ أبنائه، وتحتل أرضُه وتُنتهبُ ثرواته، ويُسفك دم أبنائه.
اليمن أرضُ السلام تبحث عن السلام، خمسُ سنوات من الحرب والعدوان الخارجي على اليمن، عشراتُ الآلاف من القتلى والجرحى سقطوا؛ بسَببِ هذه الحرب وهذا العدوان، دمّــرت البنيةُ التحتية لليمن.
اليمنُ السعيدُ لم يُعد سعيداً، اليمن اليوم يئنُّ وجرحُه ينزفُ، الأخُ يقتل أخاه والصاحب يوجه بندقيته إلى صدر صاحبه.
فالعدوُّ الخارجي لا يريد لليمن الخيرَ ولا يحب له الاستقرارَ، ولا يسعى لبناء اليمن ونهضته ورقيه وتطوره، فمن يقصفك بطائراته ويضربك بصواريخه ويقتل أبنائه ويهدم بنيته التحتية، لن يحقّقَ السلامَ والأمنَ والاستقرارَ.
فعلينا جميعاً تقعُ المسؤوليةُ دولةً وأحزاباً وأفراداً، لنقف صفاً واحداً ضدَّ مشروعِ ومخطّطاتِ العدوّ التي يريدُ تمريرَها في اليمن، وعلينا عدمُ الانجرارِ خلف مخطّطاته الفكرية والإعلامية.
وذَلك من خلال كشف مخطّطاته وأهدافه وتوعية المجتمع بكل فئاته، عن خطورة الانجرار وراء هذه المخطّطات، والتي يهدف من خلالها إلى تمزيق وحدة الصف اليمني، وذَلك عبر بثِّ ثقافة الكراهية والحزبية والمذهبية والمناطقية بين أفرادِ المجتمع اليمني الواحد، فعدُونا يعملُ بكل طاقاته واتّجاهاته، ويبذلُ المالَ ويروّجُ لهذه الثقافات ويعمل على نشرها بيننا.
وكذَلك للأسف فنحن نقوم بزراعةِ هذه الثقافات العدوانية، من خلال الألفاظ والتسميات مثل “حوثي ورافضي ومجوسي وعفاشي وشيعي وسني وداعشي وإخواني وتكفيري” وغيرها من المسميات الدخيلة علينا، والتي نعملُ على نشرها عبرَ وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي وفي مجالسنا وخطابنا الديني السياسي والإعلامي، والتي لن يستفيدَ منها غيرُ العدوّ، فكُلُّ هذه المسميات تزرعُ وتوّلدُ الكراهيةَ والحقدَ في نفوس أبناء المجتمع، وتؤسسُ لمشروع صراع ديني وثقافي وأَخْــلَاقي، وتمزق لحمة الجسد اليمني الواحد، فيجب التوقفُ عن هذه الألفاظ والمسميات، وعدم الترويج لها؛ لأَنَّها تخدمُ مشروعَ ومخطّطاتِ العدوّ.
فيجب علينا تحصين مجتمعنا وبثّ ثقافة التسامح والإخاء ونسيان الماضي بكُلّ سلبياته، والعمل على تأسيس وبناء مجتمع واحد قوي، يسوده الإخاءُ والمودةُ والمحبةُ والتسامحُ والتعاونُ، عبرَ ترشيدِ الخطاب السياسي والإعلامي والديني، من خلال تصحيح المفاهيم المغلوطة والثقافات الدخيلة وَعدم تسييس المنابر الدينية، وإبعادها عن الخصومات والمماحكات السياسية، فنحن أبناءُ مجتمع واحد مسلم لا يوجد بيننا دياناتٌ أُخرى، أَو طوائفُ دينية، أَو أقلياتٌ مجتمعية، أَو مذاهبُ متعددة.
فاليمنُ أمانةٌ في أعناقنا جميعاً، وإفشال مخطّطات أعدائنا يكون بتوحيد صفوفنا، والحفاظِ على قيمنا وأَخْــلَاقنا، ونبذ ثقافة الكراهية والحقد فيما بيننا؛ لنعيش في أمنٍ وأمانٍ ونبني الغدَ المشرق لليمن الواحد.
وأن على الجميع العودةَ إلى جادَّة الصواب وتحكيمَ العقل والمنطق، والعودةَ إلى حضن الوطن فهو يتسعُ للجميع، وأَن نتوقف عن القتال فيما بيننا، فمن يُقتل في صنعاء هو يمني، ومن يُقتل في تعز يمني، ومن يُقتل في عدن يمني، وفي شبوة وحضرموت والحديدة والمخاء كُلّهم يمنيون، والدمُ الذي يسفك يمنيٌّ.
كفانا قتالاً كفانا سفكاً للدم اليمني! فالوقتُ يمضي ومخطّطاتُ الأعداء ننفّــذها نحن اليمنيين بأيدينا، وندفع ثمنها دماءنا وأرواحنا.
فما أحوجنا اليوم إلى السلامِ، وما أحوجنا إلى التسامحِ والتصالحِ والحوارِ تحتَ مظلة اليمن الواحد، وطي صفحة الماضي بكُلّ آلامِه وجراحِه، والبدء بصفحة جديدة، صفحةِ السلام والإخاء صفحةِ الأمن والاستقرار، والمضي في بناء اليمن واستغلال ثرواته والعمل على بنائه وصنع مستقبل زاهرٍ ومتطورٍ لأبنائه.
فمن حقِّ أبناء اليمن العيشُ في أمنٍ وأمانٍ وسعادةٍ وحريةٍ، وهذا لن يحدثَ إلّا بتوحيد الصفِّ وجمع الكلمة، وتحكيم كتاب الله وسنة رَسُــوْله، والوقوف صفاً واحداً ضدَّ العدوّ الخارجي، الذي يسعى لتدميرِ اليمن وقتل أبنائه واحتلال أرضه ونهب ثرواته.