ويبقى الحسين (8) … معركةُ كربلاء كشفت فسادَ العقيدة وفسادَ الضمير
أم مصطفى محمد
إن المنهجَ الذي اعتمده الإمامُ الحسينُ -عَلَيْهِ السَّــلَامُ- في حربه مع الظالمين أعطى الحسمَ لهذه الحرب قبل أن تقعَ المعركة القتالية على أرض كربلاء، فالتاريخُ قد قدّم لكل قارئ أَو سامع حواراً فكرياً وعقدياً ووجدانياً وإنسانياً في عاشوراء لا يجد الإنسان السويُّ بعد الاطلاع عليه سوى الانجذاب لعقيدة الإمام الحسين -عَلَيْهِ السَّــلَامُ- والتمسك بها ونبذ عقيدة الآخر والتبرؤ منها، فقد كانت معركة فكرية قبل أَنْ تكُوْنَ بدنيةً تسفك على أثرها الدماء، ولعل الإنسانَ قد ينقادُ؛ بفعل الموروث النشأوي والأسري إلى مجموعة من الرموز الإسْــلَامية ويتمسك بها، وبالتالي لا يستطيعُ؛ بفعل هذا الموروث من إخراجها من الرمزية التي اتخذها لنفسه، لكنه حينما يقرأ ذاك الحوارَ الذي دار في معركة كربلاء وما آلت إليه عقيدةُ مَن اتخذوا تلك الرموز عنوانا لحركتهم وقتلهم سيد شباب أهل الجنة ستتملكه الحيرة في بقاء تلك الثوابت والرمزية في رسم هُوِيّته وانتماءه.. أيكون في زمرة أولئك القتلة الظالمين أم يقف على الأقل وأمام ضميره بجانب أولئك المظلومين وهذا الشعور بحد ذاته إنجاز قد حقّقته عاشوراء الحسين -عَلَيْهِ السَّــلَامُ-، فمعركةُ كربلاء لم تنجح على المستوى الفكري والعقائدي والأخلاقي فحسب، بل نجحت أَيْـضاً على المستوى الوجداني والعاطفي والفطري؛ لذلك نجدُ عُمَرَ بن سعد أمير الجيش وقادتَه ورؤساءَ الأرباع على أهل الكوفة عندما أدركوا أنهم قد خسروا الحربَ عقائدياً وفكرياً وسياسياً واجتماعياً وأن الإمامَ الحسين -عَلَيْهِ السَّــلَامُ- قد كشف فسادَ عقيدتهم وفساد ضمائرهم نجدهم قد اتخذوا خدعةً في تضليل الناس وذلك بدعوتهم لنُصرة التوحيد والإسْــلَام وبيان أن الإمام الحسين لم يخرُجْ إلا من أجل السلطة، لكن الله تعالى أراد أن يخزيَهم فجعلهم يشاهدون قبل البدء بالقتال الآثار الغيبية والمَدَد الإلهي لنُصرة وليه وحُجته على خلقه، فلقد توالت الكرامات في سُرعة استجابة الله تعالى لدعاء الإمام الحسين -عَلَيْهِ السَّــلَامُ- حينما دعا على بعض عناصر الجيش فأهلكهم الله تعالى في الحال فعلى سبيل المثال ها هو عبدالله بن حوزة التميمي قد أقبل مع القوم وهم يزحفون نحو الحسين -عَلَيْهِ السَّــلَامُ- فصاح أفيكم حسينٌ فقال أصحاب الحسين -عَلَيْهِ السَّــلَامُ- (هذا الحسين فما تريدُ منه؟) قال يا حسين أبشر بالنار، فقال الحسين -عَلَيْهِ السَّــلَامُ- (كذبت بل أقدم على ربٍّ غفور كريم مطاع شفيع فمن أنت؟ قال أنا ابن حوزة، فرفع الإمام الحسين -عَلَيْهِ السَّــلَامُ- يدَيه حتى بان بياضُ إبطيه وقال (اللهم حزه إلى النار)، حينها غضب ابن حوزة وأقحم الفرسَ إليه وكان بينهما نهرٌ فسقط عنها وعلقت قدمُه بالركاب وجالت به الفرسُ فانقطعت قدمُه وساقُه وفخذه وبقي جانبُه الآخر معلقاً بالركاب وأخذتِ الفرس تضربُ به كُـلّ حجر وشجر ومن ثم ألقته في النار المشتعلة في الخندق فاحترق بها ومات، حينها خر الإمام الحسين -عَلَيْهِ السَّــلَامُ- ساجداً شاكراً حامداً لله على إجابة دعائه ثم أنه رفع صوته يقول (اللهم إنا أهلُ بيت نبيك وذريته وقرابته فاقصم من ظلمنا وغصبنا حقنا إنك سميع قريب) فمثل هذا الموقف وغيره من المواقف أثبت أن الخطب التي أُلقيت في هذه الحرب وقبل البدء في القتال والتي كانت ضمن استراتيجية التضاد قد حقّقت أهدافَها في إخراج العدوّ من مخبئه، وبالتالي فإن القتال سيكونُ بفعاليةٍ أكبرَ؛ كون العدوِّ قد تم تشخيصُه ومن ثَمَّ فإن هذا العدوَّ هو من يشحنُك بالهدف والاتّجاه، فكان الهدف التوحيد وكان الاتّجاه أُمَّــة المصطفى -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِــهِ وَسَلَّمَ-.