عبدُالسلام يكشف ملامحَ ما بعد “بقيق”: ليس أمامَنا خطوطٌ حمراء
سلعة النفط ليست أغلى من دماء شعبنا والعملياتُ القادمة أشدُّ إيلاماً
– أسلحة جديدة دخلت الخدمة لضرب أهداف نوعية
– لن ندّخر جهداً في استهداف كُـلّ الدول المتورطة بالعدوان ما لم يتوقف
– الإمارات تستحق الاستهداف الآن أكثر من أي وقت مضى وإعلانُ انسحابها لم يكن صادقاً
– واشنطن طلبت لقاءَنا ولكننا لا نريدُ “لقاءً لغرض اللقاء”
في بيان وتصريحات متلفزة حول تفاصيل وتداعيات “توزان الردع الثانية”
المسيرة | خاص
فيما تواصلت تداعياتُ الضربة اليمنية الكبرى على معامل أرامكو السعودية في “بقيق” و”خريص”، كاشفةً عن المزيد من تفاصيل الخسائر غير المسبوقة التي تسببت بها الضربة على إنتاج النفط السعودي، وفي الوقت الذي لا زالت فيه السعوديةُ وحلفاؤها يحاولون استحضار شبح “مؤامرة إقليمية ودولية” ينسبون إليها الهجومَ؛ للتغطية على هُـوِيَّته اليمنية؛ هرباً من الفضيحة.. جاءت الإجاباتُ النموذجية عن سؤال “ماذا بعد؟” من رئيس الوفد الوطني وناطق أنصار الله، محمد عَبدالسلام، أمس الثلاثاء؛ لتزيحَ كُـلَّ “الضجيج” العالمي الجانبي، وتضع على الواجهة الحقيقة الثابتة التي تحمل التوضيحَ الوحيد والعملي للهجوم ومنطلقه ورسائله… حقيقة أنَّ استمرار العدوان على اليمن يلغي كافَّةَ الخطوط الحمراء أمام قوة الردع، وأنه لا جدوى من صنع “فزّاعات” دولية وإقليمية؛ لحماية مصالح السعودية والإمارات ومن ورائهما الولاياتُ المتحدة؛ لأَنَّ اليمنَ مصممٌ على الاقتصاص ممن يعتدي عليه، بكل الطرق، وبلا سقف، ومن يرفض استيعابَ ذلك فلينطحْ كُـلَّ ما يستطيعُ إيجادَه من جدران، ولينتظر الضربات القادمة.
“الفَـزَّاعات” الدولية لن تحميَ السعودية: القادمُ أشدُّ وأقسى
إجابات عَبدالسلام جاءت أوّلاً ضمن بيان صادر عنه، ابتدأه برسالة قوية اللهجة للجهات الإقليمية والدولية التي “أدانت” هجومَ الرابع عشر من سبتمبر، حيثُ تساءل مستنكراً: “بأي منطقٍ سمحَ العالمُ لنفسه أن يندّدَ ويشجبَ لمصلحة المعتدي بينما هو صامتٌ صمتَ القبور أمام جريمة العصر المرتكبة بحق شعبنا اليمني قتلاً وحصاراً وتجويعاً وتدميراً وإهلاكاً للبشر والشجر والحجر؟” وأضاف أن “أصحابَ الإدانات لعملية فجر 14 من سبتمبر، إنما أدانوا أنفسَهم وكشفوا تحيزهم المخزي إلى جانب المعتدي، بل وجاءت بياناتُ التنديد بمثابة تشجيعٍ للمجرم بأن يواصلَ إجرامه بحق شعبنا اليمني”.
رسالةٌ سلبت السعوديةَ “مواساتها” الوحيدة بعد الهجوم، حيث كانت “الإداناتُ” هي كُـلَّ ما استطاعت الحصول عليه من حلفائها حول العالم، وحاولت بأقصى جهد أن تجعلَ من تلك الإدانات “فَـزَّاعة”؛ لتخويف الجيش واللجان الشعبيّة، لكن ها هي تتحوّل إلى دليلٍ يدعم حقَّ اليمن في استخدام كُـلّ ما يمكن استخدامه؛ لكسر هذا الاستكبار الإجرامي.
عبدُالسلام أوضح ذلك أكثر، بمواجهة “المصالح الاقتصادية” التي يضج العالم حول استهدافها، مع الدم اليمني المسكوت عنه، حيث أكّـد أنَّ “سلعةَ النفط ليست أغلى من دماء شعبنا اليمني، ومن استهتر بالدم اليمني عليه أن يتحملَ عواقبَ استهتاره”، وأضاف “من يحرص على ضمان استقرار سوق النفط، فليتوجّـه لتحالف العدوان بأن يوقفَ عدوانَه ويرفعَ حصارَه عن الشعب اليمني”.
وفي تذكيرٍ مهم بالمنطلق الحقيقي لعملية توازن الردع الثانية، بعيداً عن التضليلات الأمريكية السعودية، أوضح عَبدالسلام أنَّ “عربدةَ تحالف العدوان لا بد أن يوضع لها حَـدٌّ، فهو إلى جانب استمراره في إغلاق مطار صنعاء الدولي أمام أشدّ وأقسى الحالات الإنسانية، يواصلُ احتجازَ أكثر من 13 سفينة مشتقات نفطية في عرض البحر الأحمر، مانعاً إياها من تفريغ حمولتها في ميناء الحديدة رغم أنها قد خضعت لتفتيش الأممِ المتحدة”.
وبعد أنْ وضعَ عَبدالسلام الإجابةَ النموذجية لكل التساؤلات حول أسباب ومنطلقات استهداف منشآت النفط السعودية، انتقلَ للإجابة عن سؤال “ماذا بعد؟” مؤكّـداً بصراحة أنَّ “الشعبّ اليمنيَّ لن يألوَ جهداً في التصدي للعدوان والحصار بكل الوسائل المشروعة ودون هوادة، وقادمُ العمليات الدفاعية أقسى وأشدُّ إيلاماً إذَا استمر العدوان والحصار”، وأن “على تحالف العدوان والمملكة خصوصاً أن تدركَ جيَدًا أنَّ غرورَها وصلفَها هو الذي يوردها المهالك، وآن الأوان لها أن تدرك أَيْـضاً أن رهانَها على حماية أمريكية هو رهانٌ خاسرٌ، وشعبُنا اليمني شعبٌ يحب أن يَعُــمَّ الأمنُ والسلامُ ربوعَ الجزيرة العربية، إنما ذلك لن يتأتى بالقهر والهيمنة والتسلط من طرفٍ على طرف، وإنما بالحوار والتفاهم بعيداً عن قعقعة السلاح، وهذه رسالتنا لعموم العرب والمسلمين أن يتقوا اللهَ في مصير هذه الأمة، فنحن في اليمن لسنا طلابَ حروب، وإنما نحن في موقع الدفاع عن النفس، وشعبُنا اليمني لن يسكتَ على الضيم”.
هكذا اختتم رئيسُ الوفد الوطني بيانَه، معيداً توجيهَ الأسئلة التي امتلأت بها وسائلُ الإعلام الدولية خلال الأيّام الماضية، إلى الاتّجاه الصحيح لتصل بنفسها إلى الإجابة المنطقية الوحيدة، وهي أنَّ اليمنَ الذي واجه أكثرَ من أربع سنوات، تكالُباً دولياً غيرَ مسبوقٍ، وحصاراً خانقاً، وحرباً وحشيةً مدمّرة، لن يتراجعَ الآن أمامَ “الإدانات” والضجّةِ التخويفية التي تُطلِقُها الولاياتُ المتحدة وحلفاؤها، خَاصَّةً وقد بات اليوم يمتلكُ القدرةَ الفاعلة على معاقبة من انتهكوا سيادته وحرماته.
استمرارُ العدوان يلغي كُـلَّ الخطوط الحمراء أمامنا
بيانُ رئيس الوفد الوطني تبلور بصورة أُخرى في رسائلَ أكثرَ تفصيلاً، حملتها تصريحات أدلى بها، لاحقاً، لقناتي الجزيرة والميادين، وتوزعت على ثلاثة محاور رئيسية هامة:
الأول: كان توضيحَ المزيد حول طبيعة الاستهداف الأخير لمنشآت أرامكو السعودية، حيث أعلنها عَبدُالسلام صراحةً خلال حديثه للجزيرة: “لا خطوطَ حُمْراً أمامنا، وسنستهدف كُـلَّ الدول المتورطة في الحرب علينا”، في تلخيص شامل لملامح مرحلة ما بعد “بقيق”، في الوقت الذي تحاول فيه الولاياتُ المتحدة والسعودية وحلفاؤهما تكريسَ “أوهام” بأنَّ الضرباتِ اليمنية ستتوقف؛ بسبب الضجّة الدولية.
وفي هذا السياق أَيْـضاً، أوضحّ أنَّ الهدف من الاتّهامات السعودية الأمريكية لإيران والعراق بالوقوف وراء الهجوم؛ من أجل إظهار “السعودية نفسها وكأنها تواجهُ قوةً إقليمية وليس اليمنيين فحسب”، ما يعني أنها محاولاتٌ للهروب من الفضيحة، وإبعادها عن ارتباطها الوثيق باستمرار العدوان على اليمن.
وجدّد عَبدُالسلام التأكيدَ على أنَّ نتائجَ الضربات اليمنية “يتحملها من أشعلَ الحرب ودمّر اليمن والأمة”، مذكراً بأنَّ الضجّة العالمية حول استهداف المنشآت الاقتصادية يجبُ أن تتوجّـهَ ضد “التحالف”؛ لأَنَّها لن تفلحَ في إيقاف الضربات اليمنية، وهو ما لخّصه قائلاً: إنَّ “الحلَ الأقرب للسلام هو وقفُ العدوان”، وإن “المالَ السعودي وراء مشكلات المنطقة، وما يجري هو ردعٌ وردٌّ يمني ضمن معركة حقيقية”.
وخلال حديثه للميادين أَيْـضاً، أكّـد أنَّ “العملياتِ القادمة ستكونُ أشدَّ إيلاماً”، وكشف أنَّ “أسلحةً جديدةً دخلت إلى أرض المعركة لضرب أهداف نوعية”.
الإماراتُ في دائرة الاستهداف مجدّداً
المحورُ الثاني من تصريحات عَبدالسلام تضمّن رسائلَ وتحذيراتٍ مفاجئةً، إذ تركز فيه الحديثُ حولَ دور الإمارات في العدوان، بعد أن كانت قد أعلنت سحبَ قواتها من اليمن؛ لتجنُّبِ ضربات الردع اليمني.
وفي هذا السياق، أعلن رئيسُ الوفد الوطني أنَّ “الإماراتِ تستحقُّ الاستهدافَ في هذا الوقت أكثرَ من أي وقتٍ مضى”، موضحاً أنَّ “مصداقيتَها في إعلان الانسحاب من اليمن يتراجع مع مرور الوقت”، وأنها “لم تنسحبْ فعلاً وتحاول التضليلَ لتجنب الاستهداف”.
كما أضاف لاحقاً في حديث لقناة الميادين أنَّ “الإماراتِ ما زالت في بنك الأهداف، وليس لديها القدرة على تحمُّل عمليات بحجم الهجمات ضد السعودية”.
رسائلُ ناريةٌ مباشرة ترفعُ فُرَصَ عودة الإمارات إلى رأس قائمة العمليات القادمة للجيش واللجان، وهو الأمرُ الذي كان واضحاً في أن أبو ظبي تريد تجنُّبَه بشدة لدرجة إعلان سحب قواتها، ولا شكَّ أنها تريدُ ذلك الآن بشكلٍ أشدَّ بعد أن رأت مستوى الردع اليمني وآثارَه على الاقتصاد السعودي، خَاصَّةً بعد ضربة “بقيق” و”خريص”.
ومن شأن هذه الرسائل أن تستدعيَ خطواتٍ أَو “مراوغاتٍ” إماراتية جديدةً وسريعة قد تحاول أبو ظبي من خلالها أن تثبتَ “حُسنَ نواياها”، لكن سيكون عليها أنْ تدركَ جيَدًا أنَّ جديةَ الانسحاب ووضوحَه العملي، هو الضامنُ الوحيدُ للتجاوب معها، وهو ما لا يبدو أنَّ الإماراتِ تريدُ استيعابَه حتى الآن.
لا مصداقيةَ لواشنطن
المحورُ الثالث من حديث عَبدالسلام لقناة الجزيرة، تركّز على المزاعم الأمريكية الأخيرة للبحث عن حَلٍّ سياسي في اليمن، بعد أن كانت قد أعلنت “استعدادَها للحوار مع صنعاء” عقب ضربة حقل الشيبة.
وهنا جاءت رسالةُ رئيس الوفد الوطني من موقع القوة، بعد ضربة “بقيق”، وبوضوحٍ شديد يحرج المراوغة الأمريكية، حيث أكّـد أوّلاً أنَّ “الولايات المتحدة طلبت لقاءَنا ولكن لا نريد اللقاءَ لمجرد اللقاء”، وأنها “فاقدةٌ للمصداقية في زعمها البحث عن حل للأزمة في اليمن”.
يؤكّـدُ ذلك على أنَّ تصاعُدَ قوة الردع اليمنية هو العاملُ الوحيدُ الذي أجبرَ الولايات المتحدة على الحديث عن “حلول” ولو من قبيل المراوغة؛ لتفادي الضربات، الأمرُ الذي يبعثُ برسالةٍ واضحة إلى واشنطن، مفادُها سيكونُ هناك المزيدُ من أمثال ضربة “بقيق” إذَا ما قرّرت المماطلةَ أكثرَ.
إجمالاً، كانت رسائلُ بيان محمد عَبدالسلام وتصريحاتُه شديدةَ الوضوح في تأكيدها لكلِّ من تحالَفَ مع العدوان والولايات المتحدة والمجتمع الدولي، على أنَّ مسألةَ وقف الضربات مرهونةٌ بالوقف الفعلي للعدوان، وهي معادلةُ قوة يفرضُها اليمنُ في مفاوضة ميدانية مع العالم، الذي بات عليه أن يستوعبَ جيَدًا أنه لا يتحكمُ بالمتغيرات، وأنَّ ضجيجَه ونفطَه واقتصادَه لا قيمةَ له أمام معاناة اليمنيين.