ثورة 21 سبتمبر والتحرّر من الهيمنة الأمريكية والسعودية

بعد نجاح ثورة 21 سبتمبر خرج الساسة الصهاينة والأمريكان ليصرحوا بشكل علني أن نجاحَ الثورة شكّل ضربةً قاضيةً لمصالحهم في اليمن والمنطقة

ثورةُ 21 سبتمبر لم تكن وليدة اللحظة السياسية، بل نتيجة صراع طويل ممتد إلى زمن الصرخة الأولى التي أطلقها الشهيدُ القائد

الثورة التي تصدّرها أنصار الله عطّلت عملياً الوصاية الإقليمية على اليمن عندما تجاوزت المبادرةَ الخليجية التي أعادت إنتاج النظام السابق بآلية الوصاية

ثورة 21 سبتمبر تعتبر أول ثورة عربية حقيقية تصحّح مسارَ ما يسمى الربيع العربي وانتزعت زمامَ الأمور من الخارج

الشعب اليمني تمكّن من الصمود أمام أبشع عدوان في العالم، محافظاً على مؤسّسات الدولة ومنشآتها

 

ورقة عمل قُدِّمت خلال ندوة أقامها مركَزُ الدراسات السياسية والاستراتيجية اليمني بصنعاء:

 

 د. أحمد العرامي*

* رئيس جامعة البيضاء

نظّم مركَــزُ الدراسات السياسية والاستراتيجية اليمني، أمس الأول بصنعاءَ، ندوةً سياسيةً بعنوان “ثوره 21 سبتمبر والاستهدافُ الخارجي”، حضرها عددٌ من الوزراء والمسؤولين والسياسيين والأكاديميين.

وفي الندوة التي أقيمت ببيت الثقافة بأمانة العاصمة، تناول الدكتورُ أحمد العرامي -رئيسُ جامعة البيضاء-، والدكتور عبدالرحمن المختار، ورقتَي عمل تطرقتا إلى المميزات والخصائص التي ميّزت ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر، لافتَين إلى المخطّط الصهيو أمريكي الذي أعقب انتصارَ الثورة؛ لمحاولة استعادة القرار والوصاية على اليمن.

وتخلل الندوةَ مداخلاتٌ لعدد من السياسيين والمسؤولين والوزراء، سلّطت الأضواءَ على الدور الكبير الذي قامت بها ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر في تصحيح مسار الثورات السابقة والتأسيس لعملية إصلاح شاملة.

فيما تطرقت الورقتان إلى عدد من القضايا المتعلقة بالثورة والتحَرّك الخارجي قبل وبعد انتصارها، تستعرضهما نصاً صحيفة المسيرة في ثلاث مراحل، وبداية مع الورقة الأولى للدكتور أحمد العرامي رئيس جامعة البيضاء:

 

توطئة:

اتّبعت الولاياتُ المتحدة الأمريكية سياساتٍ واستراتيجياتٍ لفرض هيمنتها على العالم وعلى رأسها الفوضى الخَــلَّاقَـة.

يكادُ يُجمِعُ المهتمون بالشؤون الاستراتيجية على أن هذا مصطلح الفوضى الخَــلَّاقَـة قديم، فيرى البعض أنه ورد في كتابات ميكافيللي صاحب كتاب “الأمير” ونظرية “الغاية تبرر الوسيلة”، ويرى البعض الآخر أنه أخذ مجراه العملي خلال أحداث الثورة الفرنسية عندما أكلت الثورة أبناءَها، وهناك من يقول إن جانبَه الاقتصادي ورد في كتاب عالم الاقتصاد النمساوي جوزيف شامبيتر عن الرأسمالية والاشتراكية عام 1942م، وهناك من يقول بأن الفيلسوفَ الفرنسي جان بول سارتر تحدث عن الفوضى الخَــلَّاقَـة من خلال كتاباته عن الوجودية والفوضوية.

الأمرُ المؤكَّـدُ أن هذا المصطلح انتشر في منطقتنا في هذه الفترة على يد المحللين والساسة الأمريكيين، ويقول البعضُ: إن أول تجسيد له بدأ في عهد الرئيس جورج بوش الأب بعد حرب الخليج الثانية عام 1991م، ويرى البعض أنه ابتدأ في عهد الرئيس جورج بوش الابن بعد احتلال العراق عام 2003م، ولعل أبرز الإشارات إليه جاءت على لسان كوندوليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية في عهد جورج بوش الابن في حديث أجرته مع صحيفة الواشنطن بوست الأمريكية في أبريل عام 2005م، وتختلف التعريفات التي أعطيت له.

فهناك من عرّفه بأنه حالة سياسية أَو إنسانية مريحة بعد مرحلة فوضى متعمدة الإحداث،   وهناك من قال إنه عمليةُ اختلاق المشاكل وتفعيلها بصورة منظمة من قبل فاعل خارجي يريدُ إعادة ترتيب أوضاع معينة. وقالت جهة ثالثة بأنه عملية إشاعة الفوضى السياسية والاجتماعية والأمنية في المجتمعات ليتم السيطرة عليها بأقل مجهود. وقالت جهة رابعة بأنه مصطلحٌ موجودٌ في الماسونية وعقائد الإلحاد والشرك انتشر مع غزو العراق ويقصد به تكوينُ حالة اجتماعية وفق نمط معيَّن.

ومهما اختلفت التعريفات فإن الفوضى الخَــلَّاقَـة هي نوع من العولمة، تهدفُ إلى تدويل الغضب من أجل تحقيق أهداف تتعدى القُطرية والإقليمية. إنه سلاح أمسكت به الإدارة الأمريكية في حقبة هيمنة (المحافظين الجُدُد) التي كان على رأس مخطّطاتها تشييدُ الإمبراطورية الأمريكية بعد انتهاء الحرب الباردة وانفراد الولايات المتحدة الأمريكية بزعامة العالم، وأرادوا من خلالِ تفعيل الفوضى الخَــلَّاقَـة تجسيدَ مخطّط (الشرق الأوسط الكبير) الذي يبتدئ منه تنفيذ المخطّط الأمريكي الكوني.

والهدفُ من مشروع الشرق الأوسط الكبير دمج العرب والمسلمين في الاستراتيجيات الإسرائيلية والأمريكية وإلغاء الهُوِيَّة العربية الإسلامية وخلق هُوِيَّات مذهبية وطائفية لتكريس مشروع كيان العدوّ الصهيوني يهودية دولته المزعومة.

 

أولاً: الوصايةُ الخارجيةُ على اليمن قبل ثورة 21 سبتمبر 2014 م:

ثورةُ 21 سبتمبر 2014 يوم وصل “أنصار الله” والقوى المتحالفة معها إلى صنعاء، ليأخذ هذا اليوم حيّزاً له في تاريخ اليمن، ويشكل تحولاً مهماً في اليمن. ولم تكن ثورة 21 سبتمبر وليدةَ اللحظة السياسية، بل هي نتيجة صراع طويل ممتد إلى زمن الصرخة الأولى التي أطلقها الشهيد حسين الحوثي من مران: إن مشاريع الهيمنة على اليمن ليس لها إلا الموت. وثورة 21 سبتمبر هي نتاج مشروع أنصار الله، فالثورة هي نتاج تاريخ الحركة، وخلاصة مشروعها للانطلاق باليمن وغيره إلى تحرير اليمن من الهيمنة.

بالعودة إلى ما قبل 21 سبتمبر 2014، شكّل قرارُ الحكومة اليمنية برفعِ الدعم عن المشتقات النفطية موجةَ غضب واسعة في الشارع اليمني، الذي رأى في القرار استكمالاً لسياسة التجويع والإفقار كعقاب جماعي. وعلى إثرها خرجت التظاهراتُ إلى صنعاء للمطالبة بإلغاء ما عُرف يومها بقرار “الجُرعة” وإعفاء الحكومة وتنفيذ مخرجات مؤتمر الحوار. كان قرار الجرعة الشرارة الأخيرة والمباشرة لانطلاق الثورة.

إلا أن هناك جملة محطات شهدها اليمنُ بين عامَي 2011-2014 ساهمت في إنضاج ثورة 21 سبتمبر، بعد فشلها في تطويع الشعب اليمني لمشاريع استعادة الهيمنة.

 

المبادرةُ الخليجية واستيعابُ “ثورة فبراير”:

وهي المبادرة التي شكّلت أولَ رد فعل خارجي، بالتظافر مع قوى يمنية محلية؛ لإجهاض ثورة فبراير 2011، التي لم تكن ضد شخص علي عبدالله صالح، بقدر ما كانت ضد منهج شامل للنظام قبل ما عُرف بـ “الربيع العربي”. وهي عبارة عن مشروع سياسي أعلنته دول الخليج في 3 أبريل 2011؛ لاستيعاب “ثورة الشباب اليمنية”، ورعاه كُـلٌّ من: مجلس التعاون الخليجي والولايات المتحدة الأميركية والاتّحاد الأوروبي. عملت المبادرة على نقل السلطة من شخص علي عبدالله صالح إلى عبدربه منصور هادي، بعد تعليق العمل بالدستور.

ونظر إلى المبادرة على أنها أتت لاحتواء العمل الثوري، وعرقلة التحولات التي كانت تنشُدُها ”الثورة”، وأن المبادرة كان هدفها التحايل على تطلعات الشعب، من خلال توفيق مصالح الأقطاب السياسية، وتحقيق محاصصة عمادُها عملية تقسيم اليمن، على حساب مطالب الشراكة الوطنية والتنمية المتوازنة، وسعت المبادرة إلى الحفاظ على الهيمنة الخليجية – الأميركية على القرار اليمني.

 

مؤتمرُ الحوار الوطني والتقسيم:

حاولت الأطرافُ الراعية للمبادرة الخليجية، تنفيذ ما عجزت عن تكريسه من خلال إطلاق الحوار الذي ضمت إليه الحراك الجنوبي وحركة أنصار الله. وعملت هذه الأطراف على توجيه مؤتمر الحوار قبل أن تصلَ إلى إعاقته في النهاية. وتم اغتيالُ كوادر أنصار الله في الحوار كالبرلماني الدكتور “عبدالكريم جدبان” في 22 نوفمبر 2013م، وعضو مؤتمر الحوار الوطني الدكتور أحمد شرف الدين في21 يناير 2014م. ومن جهة الحراك الجنوبي، استقالت بعض قياداته من الحراك وقالت إن هناك مؤامرة على قضية الجنوب، وأكّـدت في وقتها أن وقائع الحوار تسير لإنتاج منظومة الحكم السابقة، وإلى فرض تقسيم الجنوب لأكثرَ من إقليم. وانتهى مؤتمر الحوار بفرض هادي إقرار تقسيم اليمن إلى بلدٍ اتّحاديٍّ من 6 أقاليم!!!

وفي وقت كانت جلساتُ الحوار الوطني تشهدُ اضطراباتٍ تتعلقُ بالتمثيل غير العادل في اللجنة الوطنية لمتابعة مخرجات الحوار، وفي لجنة صياغة الدستور، كانت اتّهامات الفساد تلاحق ما كان يُعرف بحكومة الوفاق.

يمكن القول: إن “ثورة 21 سبتمبر 2014” أتت كمسارٍ تصحيحي، للتحولات التي طمح إليها الشعبُ اليمني قبل أن تتمَّ مصادرتُها وعلى رأسها ثورة الشباب في فبراير 2011. كما إنها أتت لتسقط كُـلّ مشاريع الهيمنة وتسُدَّ الأبوابَ التي كانت تُفتحُ؛ لتكريس الوصاية على القرار اليمني، ولإفشال مشروع تقسيم اليمن إلى أقاليمَ متناحرة.

 

ثانياً: ثورةُ 21 سبتمبر والقضاءُ على الوصايا الإقليمية:

ثورةُ 21 سبتمبر التي تصدّرها أنصارُ الله عطّلت عملياً الوصاية الإقليمية على اليمن عندما تم تجاوزُ المبادرة الخليجية التي أعادت إنتاجَ النظام السابق بآلية إشرافية إقليمية ودولية مستدامة (الوصاية)، بانتصار ثورة 21 سبتمبر وسقوط حكومة المقاسمة التي تنص عليها المبادرة الخليجية سقطت عملياً القدرة الكاملة الأمريكية الإقليمية؛ لتجزئة اليمن وتدمير شَعبه بواسطة رعاية الفساد والفَلَتان الأمني وتغذية الصراعات والاغتيالات وغيرها ولم يستطع الفصلُ السابع ولا مجلسُ الأمن أَو أمريكا حمايةَ حكومة “التحاصص” التي عصفت بها ثورةُ 21 سبتمبر، وجاءت على أنقاضه بوثيقة “السلم والشراكة” التي تنُصُّ على تشكيل حكومة كفاءات وشراكة وطنية، بالإضافة إلى محاربة الفساد واستعادة موارد البلاد من أيدي العابثين والناهبين.

وحدّت ثورةُ 21 سبتمبر من التدخلات الخارجية وإنْ لم يكن بشكل كامل في بدايتها ولكن بشكل كبير وعملياً بدأ الخارج يعجزُ عن تنفيذ أجنداته وتدخلاته كما كان عليه من قبل هذه الثورة في اليمن.

وتعتبر ثورة 21 سبتمبر أولَ ثورة عربية حقيقية تصحِّحُ مسار ما يسمى الربيع العربي وتنتزعُ زمامَ المبادرة من الخارج الذي حاول إعادة تشكيل البلد بذات القوى الفاسدة التي خرج الشعب أصلاً وبداية ثائراً عليها وعلى سياساتها وممارساتها المستبدة والفاسدة.

نستطيع القول إنها هي الثورة الوحيدة التي تمكّنت من القضاء، بشكل كبير، على مشروع الفوضى والذبح والتدمير الذي ترعاه أمريكا تحت مسمى داعش والنُّصرة وغيرهما، وبينما نرى تلك الجماعات تحتل المزيدَ من المدن والبلدات في العراق وسوريا ولكنها في اليمن تخسر مناطقَها التاريخية والاستراتيجية واحدةً تلو الأُخرى، الأمر الذي تسبب في انزعاج وإرباك إقليمي ودولي واضحَين ظهر من خلال أداء بعض وسائل الإعلام القريبة من مشروع الفوضى والتقسيم الأمريكي.

لقد كان أنصار الله والثورة الشعبيّة حريصين على إقامة علاقات احترامٍ متبادل مع كافة الأشقاء والأصدقاء في أنحاء العالم عدا أمريكا والصهيونية؛ لأَنَّهم يحملون مشاريعَ القضاء على أمتنا بشكل ليس خافياً ولا يحتاجُ إلى دليل، الحقيقة هي أنصار الله وثورة 21 سبتمبر يريدون إعادة الاعتبار للشعب اليمني وإقامة نظام سياسي يعبر عن الشعب وليس عن مصالح الخارج، وبحدوث التغيير السياسي الإيجابي في صنعاء وإقامة دولة عادلة وحرة سيتمكّن اليمنيون من استعادة سيادة بلدهم والحد من التدخلات الخارجية واستغلال منافذ اليمن البحرية والجوية والبرية بطريقة غير مشروعة.

لكن هذه الثورة جُوبهت وحاول الأعداءُ القضاءَ عليها في المهد وقاموا بأعتى عدوان للقضاء عليها؛ لأَنَّها أفقدتهم مصالحهم بل وباتت تهدّدُ مشاريعهم، وتم القضاء من خلالها على أيديهم وعملائهم في الداخل فحاولوا إعادة هؤلاء عن طريق القوة والآلة العسكرية، لكنهم لم يستطيعوا القضاء على هذه الثورة، فالثورة ما زالت مستمرة ومنتصرة إلى اليوم وستنتصر؛ لأَنَّها تستند إلى شعب لم يعد الخنوع والخضوع الاستسلام شأنَهم فقد رفضوه وسيرفضونه إلى الأبد.

 

ثالثاً: موقفُ أمريكا من نجاح ثورة 21 سبتمبر 2014م:

بعد نجاح ثورة 21 سبتمبر بأيامٍ، خرج الساسةُ الصهاينة والأمريكان ليصرِّحوا بشكل علني وباعتراف صريح أن نجاحَ الثورة شكّل ضربةً قاضيةً لمصالحهم في اليمن والمنطقة، وأن سقوط القوى التابعة لهم في اليمن شكّل خطراً كبيراً على مصالحهم في اليمن، حيث أعلن رئيسُ الوزراء الصهيوني أن نجاح ثورة 21 سبتمبر، وانتزاع الشعب اليمني لسيادته المسلوبة والتي كان تتحكم بها إسرائيل وأمريكا عبر أدواتها في اليمن يشكل خطراً كبيراً على الكيان الصهيوني، خصوصاً بعد سيطرتهم على باب المندب والمناطق الساحلية، وكذا المناطق النفطية في الشمال والجنوب، وأكّـد الساسة الأمريكيون بدورهم وعبر وسائل الإعلام أن انهيارَ القوى المتحالفة مع الإدارة الأمريكية وسقوط سُلطتها في اليمن يهدّدُ المصالح الأمريكية في اليمن ويقضي على الأهداف -الأطماع – الأمريكية في اليمن، وهو ما لن تسمحَ به أمريكا، واعترف المستشارُ السعودي الجنرال أنور عشقي وبكل صراحة أن هناك ثرواتٍ طائلة جِـدًّا في اليمن وآبار نفطية عملاقة في الجوف وباب المندب!، وأن هذه الثروات ستستخرج عبر تحالف أمريكي صهيوني سعودي وأن ثورة الـ 21 سبتمبر قضت على هذا المخطّط والمشاريع؛ لأَنَّ الشعبَ اليمني انتزع قرار سيادته من القوى المحلية والتي كانت تحقّق تلك الأهداف، ودعا وزيرُ حرب الكيان الصهيوني والمسؤولون الصهاينة إلى مواجهة الثورة الشعبيّة سياسياً وعسكرياً واستعادة الهيمنة على اليمن؛ من أجل تحقيق المخطّطات والأهداف المشتركة بين الكيان وأمريكا، داعين نظام آل سعود للتحَرّك السريع من أجل استعادة الهيمنة وإعادة اليمن إلى التحكم السعودي الأمريكي، وعدم السماح للشعب اليمني بمواصلة الثورة وتحقيق الأمن والازدهار.

إن تماسُكَ ثورة الـ 21 من سبتمبر والالتفاف الشعبي الكبير وتكاتف مختلف شرائح المجتمع اليمني حولها، جعل الثورةَ تمضي بخُطَى قويةٍ؛ للقضاء على الفساد وتحقيق الأمن الازدهار، وهو ما لم تستسغه دولُ العدوان الداعمة للإجرام التكفيري، والتي سعَت منذ عقود لتمزيق اللُّحمة الوطنية وتفتيت الوطن وتمزيقه، إلى التدخل المباشر ومحاولة تصفية الثورة عسكرياً بعد فشلها في تصفية الثورة عبر الطرق والوسائل السياسية والاقتصادية، حيث أعلن سفير السعودية من واشنطن بدءَ الحرب على اليمن؛ للقضاء على الثورة الشعبيّة بالتنسيق مع الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني وعدد من الدول الأوروبية والعربية تحت ذريعة إعادة “الشرعية بالرغم من انتهاء فترة هادي وإعلانه الاستقالة، إلا أن السعوديةَ تحتَ ذريعة إعادة شرعيته سعت للقضاء على الثورة الشعبيّة التي أسمتها “الانقلابَ”، ومع بدء العدوان على اليمن بمشاركة أكثرَ من 15 دولةً، على رأسها أمريكا وإسرائيل والسعودية أعلن الساسة الأمريكيون والسعوديون وبكل بجاحة وفي مختلف وسائل الإعلام الدولية، أن أمريكا والسعودية لن تسمح للشعب اليمني بالخروج عن سيطرتها وطاعتها، مهما كلّف الثمن؛ لأَنَّ اليمنَ -حسب تعبيرهم- بوابةً خلفيةً لهم، ويجبُ أن تكون تحت سيطرتهم السياسية والعسكرية، وليس من حق الشعب اليمني أن يقرّرَ مصيره وحقَّه في العيش؛ لأَنَّ هذا يتعارضُ مع مصالحهم.

بعدها قام العدوانُ السعودي الإماراتي الصهيوني الأمريكي، باستهداف البُنية التحتية لليمن وبتدمير كُـلّ المنشآت والمؤسّسات الحكومية، ولم يكتفِ بذلك، بل عمد إلى تدمير المساجد والمدارس والمستشفيات ومنازل المواطنين، وقام بارتكاب أبشع الجرائم بحق المواطنين، خصوصاً النساء والأطفال، وأعلن بشكل واضح أنه سيقومُ بالقضاء على كُـلّ شيء في اليمن حتى يعلنَ الشعبُ اليمني قبولَه بالوصاية السعودية والأمريكية، وأن السعودية وأمريكا ماضيةٌ لتجويع الشعب ومواصلة الحصار الخانق وارتكاب المجازر وتدمير المدن وكل البنى التحتية حتى تحقيق أهدافه.

لقد استطاع الشعب اليمني وثوار 21 سبتمبر من الصمود أمام أبشع عدوان في العالم، محافظاً على مؤسّسات الدولة ومنشآتها وكذا استمرار عمل هذه المنشآت ودفع رواتب الدولة في القطاعَين المدني والعسكري، الأمر الذي أكّـد للعالم أن ثورة الـ 21 سبتمبر ثورة شعبيّة قام بها جميع أبناء الشعب اليمني بمختلف شرائحه حتى عمدت قوى العدوان لنقل البنك المركزي وقطع مرتبات الموظفين لكن الشعب صمد أيضاً، الصمود الأسطوري وتكاتف مختلف شرائح المجتمع، خُصُوْصاً الأَحْزَابُ والمكونات السياسية، وكذا القبائل اليمنية والشباب والأكاديميين، بل وتعاظم التكاتف الشعبي وتقديم العطاء ودعم جبهات القتال ومواصلة تشغيل وتفعيل مؤسّسات الدولة، شكَّلَ صدمةً قويةً جِـدًّا للعدوان، وأكّـد للعالم أن الشعبَ اليمني هو من خرج بثورة الـ 21 سبتمبر، ولن تستطيعَ أَيَّة قوة في الأرض أن تصفيَ ثورتهم، وتسلُبَ قرارَهم وسيادتهم، وتنهب ثروات الشعب؛ لأَنَّ الشعبَ اليمني مجتمعٌ قرّرَ الاستقلال وحكم نفسه بنفسه والتمتع بثرواته وخيراته.

 

رابعاً: ثورةُ 21 سبتمبر تُنهي الوصايةَ الخارجية:

ثورةُ 21 سبتمبر التي رفعت شعار: التحرّر من الوصاية الخارجية قد أجبرت تلك الدول التي اعتادت على التدخل في الشأن اليمني وعلى رأسها السعودية وأمريكا لتقومَ بشن عدوان ظالم على اليمن وشعبها العظيم بعد أن وجدت بأن مصالحها التي كانت تعتقد أنها لن تتحقّق في اليمن إلا من خلال السيطرة على قراره السياسي وفرض عملاء ومرتزِقة محليين على رأس الحكم ينفذون لها أهدافها بالطريقة التي تريدها الدول المتدخلة وليس من خلال إقامة علاقات ندية مع شعب يعتبرُ بالدرجة الأولى العمقَ الاستراتيجي لدول الجزيرة والخليج..؛ ولأن هذه الميزة التي كانت تتمتع بها الدول المتدخلة في الشأن اليمني لا سيما السفير السعودي ونظيره الأمريكي اللذين كانا يتصرفان وكأنهما صاحبا القرار في اليمن.. بدليل أن السفير الأمريكي قال أثناء مغادرته للعاصمة صنعاء بأنه لم يعد لنا شيءٌ نفعله!

صحيحٌ أن مثلَ هذه الدول التي عرقلت بناء الدولة الحديثة في اليمن ووقفت ضد قيامها وخَاصَّة السعودية قد اعتادت على ألا يقولَ لها أحدٌ: “لا”، فجاءت ثور 21 سبتمبر لتفرضَ هذه الـ “لا” المحرّمة على اليمنيين في السابق، والتي التف حولها اليمنيون وشعروا بعد قولها بأن كرامتَهم وسيادتهم المسلوبة قد عادت إليهم عدا حفنة من العملاء، وعليه فقد جاءت ثورة 21سبتمبر لتقطعَ عليهم الطريق؛ لأَنَّ شعارَها الأَسَاسي الذي رفعته بعد قيامها مباشرة هو: بناءُ الدولة اليمنية الحديثة وتحقيق الشراكة الوطنية بين كُـلِّ الأطراف السياسية حتى لا يستأثرَ طرفٌ على آخر، بحيث تكونُ مهمة بناء اليمن الجديد من مسؤولية كُـلِّ أبنائه مع أن ثورة 21 سبتمبر كان بإمْكَانها أن تنفرد بالقرار، لكن ثوار 21 سبتمبر مدركون أن الشعوب والأوطان لا يتكفل بها طرفٌ معين مهما أظهر الإخلاص وادّعى الوطنية، وإنما بناء الأوطان وقيادتها نحو مسار صحيح مهمة مجتمعية تشارك فيها كُـلّ الأطراف السياسية بدعم شعبي، وهذا ما أزعج الأطراف الخارجية المتدخلة في الشأن اليمني؛ لأنها أرادت لليمنيين أن يستمرَّ قرارهم السياسي تحت وصايتها وتسييرهم حسب أهوائها وخدمة مصالحها.. وعندما أدركت بأنه بعد قيام ثورة 21 سبتمبر قد استعصى عليها القيامُ بما كانت تقوم به سابقاً وأن اليمنيين عازمون على بناء دولة وطنية قوية وعادلة تجعل منهم رقماً مهماً في المنطقة، وتؤسس لاستعادة دورهم الريادي الذي عرفوا به على مدى تاريخهم القديم والحديث، حيث كان لهم شرَفُ السبق في الريادة منذ سبعة آلاف عام طار صواب الأنظمة التي أسستها بريطانيا في شبه الجزيرة العربية والخليج، وجعلت منها دويلات متفرقة تحت الحماية الخارجية؛ لأَنَّهم يدركون تماماً لو أن اليمنيين نجحوا في بناء دولتهم الحديثة واستعادوا مجدَهم فإن دويلاتهم المصطنعة قد تنتهي وتتلاشى تلقائياً؛ ولذلك فهم يعتقدون بأن عدوانهم الهمجي على اليمن وشعبها العظيم هو دفاعاً عن انظمتهم ودويلاتهم المزعومة مع أن اليمنيين لا يكنون لهم إلّا كُـلّ الود والاحترام ولا يتدخلون في شؤونهم.

كشفت ثورة 21 سبتمبر حقيقة النزعة الأمريكية الحاقدة الإجرامية المتسلطة على اليمن، وفي نسف ادّعاءاتهم بالحرية والذي من خلالهم استطاع آل سعود أن يحشدوا الجيوشَ؛ للقضاء على الثورة اليمنية في عدوان ظالم جائر وحشي دموي، مستعينين بحالة غياب الوعي وشيوع الجهل الذي خلّفته قصعات الفساد والعمالة والخيانة والارتهان والذل.

إن العدوانَ الغاشم على اليمن هو ضد ثورة شعب أعلن من خلالها التحرّر من الوصاية والهيمنة ورميها في مزبلة الهزيمة وإحياء الرسالة الوطنية – العربية – القرآنية – الإسلامية، إضافةً إلى إحياء إرادة الأُمّة وروح الجهاد والإباء والشموخ والاعتزاز بالانتماء والهُوِيَّة لدى أبناء اليمن.

لقد حقّقت ثورةُ 21 سبتمبر نجاحاً كبيراً برغم كُلفتها العالية لوضع النقاط على حروفِ جدوى التغيير، فقد أكّـدت الأحداثُ أن الشارعَ مستعِدٌّ للخروج والتضحية في سبيل لقمة العيش ورفض التبعية والوصاية الخارجية.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com