“أرامكو” تتداعى إثر الضربات اليمنية: لا “اكتتابَ” هذه السنة
“وول ستريت جورنال”: الإصلاحاتُ قد تحتاجُ إلى عام كامل والاقتصاد السعودي في خطر
المسيرة | متابعات
لا زالت آثارُ الضربة اليمنية الكبرى على مِصفاتَي “بقيق” و”خريص” تتكشفُ بعدَ مرورِ أكثرَ من أسبوع، مؤكّـدةً على أن السعوديةَ عاجزة تماماً عن التعافي من الخسائر خلال الأسابيع أَو الأشهر القليلة القادمة، فبحسب آخر المعلومات التي نشرتها “وول ستريت جورنال” الأمريكية، تحتاجُ عمليةُ إصلاح المنشآت المدمّرة إلى قرابة عام، فيما كشفت “رويترز” أنه بات من المستبعَد طرحُ أرامكو للاكتتاب هذا العام؛ بسَببِ ما تعرضت له منشآتها من أضرار، وهو ما يكشف مجدّداً زيف الادّعاءات و”التطمينات” السعودية حول إمْكَانية عودة الإنتاج النفطي إلى سابق عهده خلال فترة قريبة.. وهي التطمينات التي حتى الآن لم تفلح في تغيير أي شيء من حقيقة تدهور الصادرات النفطية للسعودية التي تأكّـد أنها تقوم بشراء كميات كبيرة من النفط لتغطية التزاماتها، وسط “أزمة” كبيرة تعيشها في التعامل مع “زبائنها” الذين باتوا يشتكون من التأخيرات المتواصلة في تسليم الطلبات.
ونقلت وكالةُ “رويترز”، أمس الثلاثاء، عن “مصدرين مطلعين” داخل شركة أرامكو السعودية، أنه “من المستبعد أن تدرج المملكة شركتَها النفطية العملاقة (للاكتتاب) هذا العام” بعد الهجوم الذي أصاب منشآتها في “بقيق” و”خريص” في الرابع عشر من سبتمبر الجاري، الأمر الذي يؤكّـد ذلك على أن الأضرار التي أصابت الشركة بالغة جداً، وأن الضربةَ اليمنيةَ أصابت بالفعل قلب النظام السعودي وأدخلته في غيبوبة لن يتعافى منها قريباً.
ويأتي هذا بعد أن كانت السعودية قد أجّلت الطرح العام لأرامكو شهراً واحداً، عقب الهجوم، حيث كان من المقرّر أن يتم الاكتتاب في نوفمبر القادم، لكن المعلومات التي نقلتها “رويترز” تؤكّـد أن الضرر أكبر من أن يتم تجاوزه في شهر واحد، أَو حتى شهرين أَو ثلاثة.
ويعد الطرحُ العام الأولي لأرامكو، أحدَ أركان خطة “ابن سلمان” لتنويع موارد الاقتصاد بدلاً عن الاعتماد على النفط عبر جذب رأس المال الأجنبي، لكن مع تأثير الضربات اليمنية يصبح كُـلّ ذلك بلا معنى.
وتلتقي هذه المعلوماتُ، مع ما كشفته صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية، أمس الأول، حيث نقلت عن “مسؤولين سعوديين ومقاولين نفطيين” تصريحاتٍ تفيد بأن “إصلاح منشآت أرامكو قد يستغرق 8 أشهر”، بل إنه “قد يستغرق بعض المقاولين مدة تصل إلى عام لتصنيع وتسليم وتركيب قطع الغيار والمعدات حسب المقاسات المطلوبة من قبل أرامكو”.
وتفسّرُ هذه المعلومات بوضوح سببَ استبعادِ طرح أرامكو للاكتتاب هذا العالم، وقد أكّـدت الصحيفة الأمريكية أن “الاكتتاب العام لأرامكو والصحة المالية للشركة واقتصاد البلاد في خطر الآن بعد الهجمات الأخيرة، كما يقول المسؤولون والمستشارون السعوديون”.
إلى جانب ذلك، تكشفُ هذه المعلوماتُ عن زيف ادّعاءات وزارة الطاقة السعودية بشأن عودة الإنتاج النفطي السعودي كما كان عليه، وادّعاءات مسؤولي أرامكو بشأن الانتهاء من إصلاح الأضرار نهاية الشهر الجاري.
وفي هذا السياق، أكّـدت “وول ستريت جورنال” أن موظفي أرامكو “أصيبوا بالدهشة عندما رأوا وزير الطاقة السعودي يعلن عن انتعاش الشركة، في الأسبوع الماضي”.
وكانت السعودية قد لجأت إلى إعلان هذه المزاعم؛ بغرض بعث “رسائلَ تطمينيةٍ” للمشترين الذين كشفت “رويترز” قبل أيامٍ أنهم يواجهون حالة “واسعة النطاق” من التأخيرات في تسليم الطلبات من قبل السعودية، في الوقت الذي تلجأ فيه الرياض إلى “تغيير درجات الخام” وشراء كميات من النفط من الدول المجاورة لتغطية النقص.
ونقلت “رويترز” أَيْـضاً أن “أرامكو السعودية اشترت أَيْـضاً شحنتين من وقود الديزل سيتم بيعهما إلى أوروبا وإفريقيا كبضائع من مصافي التكرير السعودية”.
وتشهد عدة مدن داخل المملكة منذ أيام، أزمة في المشتقات النفطية، حيث تصطف السيارات والشاحنات في طوابير طويلة أمام محطات الوقود، وذلك بعد أن كشفت مصادر مطلعة أن النظام السعودي وجه بإعطاء الأولوية لتصدير النفط على استهلاكه محلياً.
كل هذه المعلومات الجديدة تدعو إلى إعادة النظر مجدّداً في حجم تأثير الضربة اليمنية على الاقتصاد السعودي، وقراءة الأشهر القادمة في ضوء هذا التأثير، إذ لا يبدو أن المخزونَ النفطي السعودي سيكفي لتغطية العجز خلال الفترة التي تحتاجها أرامكو لإصلاح منشأتها، والتي يبدو أنها، عمليا، ستزيد على عام، وَإذَا استمرت السعودية بالمكابرة فسيتوجب عليها إغراق نفسها بالشراء لتغطية طلبات المشترين، وهو ما يمثل خسارة كبيرة، أَو سيكون عليها أن تقلص تعاملاتها بما يتناسب مع قدرتها الإنتاجية الحالية من باب “التصالح مع الخسارة”.
ومع ذلك يبقى من المرجح دائماً أن يزيد حجم العجز في الإنتاج النفطي؛ بسَببِ ضربات يمنية قادمة، إذ لا تزال قيادة الثورة تؤكّـد على أن هناك “عمليات أشد فتكاً” في حال رفضت السعودية الانصياعَ لخيار السلام ووقف العدوان.
وبين حجم الخسارة الكبرى التي ستظل الرياض غارقة فيها لعام قادم، والخسائر الإضافية المرجحة في حال نفّذت القوات المسلحة اليمنية عمليات أُخرى، تبدو كلفة استمرار العدوان على اليمن مهدّدة لوجود النظام السعودي بأكمله، ولا يبدو أن هناك أيَّ خيار آخر لإنقاذه من هذه الورطة، خَاصَّةً وقد أثبتت الولايات المتحدة بوضوح أن موقفها سيستقر دائماً على “ابتزاز” الرياض فقط.