مؤامرةُ الأقلمة.. مراحل وخطوات يضعها الأمريكي
يكاد اتّفاق السلم والشراكة الوطنية الاتّفاق اليمني الوحيد الذي وقعته وَاعترفت به جميع القوى والمكونات اليمنية وحظي باعتراف دولي واسع بداية من الأمم المتحدة ومجلس الأمن إلى الاتّحاد الأوروبي وقبله مجلس التعاون الخليجي وهو ما يجعله عقداً سياسياً ملزماً للجميع ومرجعاً سياسياً مهماً قبيل أن يمزقه وما يزال تحالف من يريد اليمن مقطعاً إلى ستة! فكيف جرى ذلك؟ ولماذا؟ وما هي البنود التي جرى اغتيالها بشكل أَسَاسي وبشكل ممنهج في هذا الاتّفاق التاريخي..
عبدُالحميد الغرباني
يعد اتّفاق السلم والشراكة الوطنية وهو صيغة يمنية صرفة، الإنجاز الأهم لثورة الواحد والعشرين من سبتمبر 2014م وَمرَدُّ ذلك عدة أمور منها البنود التي تضمن ضبط الشراكة الفعلية وعدم الانحراف بالعملية السياسية وهي ما يهمنا في هذه القراءة..
ثلاثة بنود أَسَاسية تضمنها الاتّفاق وَركزت على ضبط القرار السياسي المتعلق بمصير اليمن ومستقبله وهي:
– البند الثامن: وينص على العمل من أجل تحقيق توافق على دستور جديد عبر آليات لجنة صياغة الدستور والهيئة الوطنية..
– البند التاسع: وينص تعديل عضوية الهيئة الوطنية خلال نصف شهر لضمان تمثيل عادل للمكونات وإعادة تحضير اللائحة الداخلية المنظمة لعمل الهيئة..
– أما البند العاشر فنص على إعادة النظر في شكل الدولة من خلال إشراف الهيئة الوطنية على لجنة صياغة الدستور.. هذه هي البنود لكن ما الذي جرى؟؟.
الذي حدث على الأرض سار على غير ما حفظته وثيقةُ الاتّفاق والمتتبع للأحداث سيجدُ التالي:
– ماطَلَ هادي وفريقُه في تصحيح الاختلالات المتعلقة بالهيئة الوطنية على مستوى العضوية وَتحضير اللائحة الداخلية المنظمة لعمل الهيئة ومرت أربعة أشهر دون تحقيق ذلك فيما كان المقرّر إجراء التصحيح في غضون نصف شهر. في الأثناء ظهر استعجال فريق هادي لإمضاء مؤامرة الأقاليم بتصميمها السداسي في نصوص الدستور الجديد وقد أوكل ذلك لأحمد عوض بن مبارك الذي سافر إلى الإمارات حينها _ديسمبر 2014 م_ لهذا الغرض، كما كشف عدد من أعضاء لجنة صياغة الدستور..
– لم يمر ذلك دون موقف من القوى الثورية وَفي نهاية ديسمبر 2014 عدت محاولة فرض خيار الستة الأقاليم في نصوص الدستور الجديد عملية انقلاب واضحة على البند العاشر من اتّفاق السلم والشراكة الوطنية.
– مطلع يناير 2015 عادت لجنة الدستور من الإمارات وكان فريق هادي قد أقحم تقسيم اليمن إلى ستة أقاليم ضمن مسودة الدستور.
– أعلن أنصار الله من جهتهم التحفظ على المسودة، كما رفضوا التوقيعَ عليها، وطالبوا بإعادة النظر كليا في شكل الدولة كما تم التوافق على ذلك في مؤتمر الحوار واتّفاق السلم والشراكة الوطنية.. في المقابل حدّد هادي الـ17 من يناير موعدا لتسليم مسودة الدستور للهيئة الوطنية..
– منتصف يناير 2015 جدّد بيان للناطق الرسمي لأنصار الله رفضَ محاولة هادي وبعض القوى فرض الأقلمة دون توافق.
– استقال مستشار الرئاسة عن أنصار الله الأستاذ صالح الصماد؛ احتجاجاً على سياسات هادي وعلى رأسها مؤامرة الأقاليم ومماطلته في تنفيذ اتّفاق السلم والشراكة.
– الـ17 من الشهر ذاته مضى هادي قدماً في المؤامرة وأعلن المسودة دستورا جديدا اليمن.
– لتعطيل إجراء يوم السابع عشر من يناير، انسحب أنصار الله من جلسة تسليم مسودة الدستور.. وقبل ذلك كانت اللجان الشعبيّة قد أوقفت مدير مكتب هادي لذات الغرض..
– في الـ20من يناير كرّر قائدُ الثورة السيد عبدُالملك الحوثي في خطاب متلفز نصيحتَه لهادي بعدم الخضوع للحسابات الخارجية ومراعاة مصلحة الشعب.
– في الخطاب ذاته رفع قائد الثورة سقف التحَرّك الثوري وبإجراءات مفتوحة ورفع أربعة مطالب:
أولاً: تصحيح وضع الهيئة الوطنية وآلية اتخاذ القرار فيها وَفْــقاً لاتّفاق السلم والشراكة الوطنية..
ثانياً: تهذيب مسودة الدستور وحذف كُـلّ المخالفات وإضافة النواقص وتقديمها للهيئة الوطنية..
ثالثاً: تحقيق الشراكة على مستوى المركز والمحافظات كحتمية قاطعة..
رابعاً: معالجة الوضع الأمني والمخاطر التي تهدّد البلاد والوضع في مأرب.
– 21 يناير توصل اجتماع مشترك لهادي بمستشاريه إلى توافق جديد نص على:
1_ تصحيح واقرار اللائحة الداخلية للهيئة الوطنية وَفْــقاً لاتّفاق السلم والشراكة..
2_مسودة الدستور خاضعة للتوافق وقابلة للتعديل والتهذيب والحذف.
– في اليوم ذاته رفضت الخارجية الأمريكية على لسان جون كيري مقرّرات هذا الاجتماع بزعم أن هادي أجبر على الموافقة عليها كما نقلت قناة الميادين بنفس التاريخ..
– في اليوم التالي كان قد وصل عَبدربه إلى عدن فارًّا، بعد تقديم استقالته ومن عدن أعلن التنصل من اتّفاق السلم والشراكة الوطنية وتأييد عدد من الأقاليم له كما قال وهو ما يكشف أن الأمر برمته كان مقرونا منذ البداية بمؤامرة التقسيم والتفكيك.
– عقب ذلك عادت القوى والمكونات السياسية لطاولة الحوار وحين كانت على وشك التوقيع على اتّفاق سياسي ينهي الأزمة، أطاحت به الهجمة العسكرية للتحالف وفق آخر إحاطة للمبعوث الأممي الأسبق جمال بن عمر في أبريل 2015..
النتيجة:
في المحصلة يتبين جلياً أن أمريكا أجهضت التوافق السياسي في المخاض الأخير بأمل أن تنجز حربها ما فشلت به سياستها، وهو تفكيك البلاد وأن تقديم العدوان على اليمن أداة للتسوية السياسية، مجرد دعاية تروج لها واشنطن عبر أذرعها المختلفة فيما هي تمنع ذلك وتتحَرّك لتحقيق مطامعها الجيوسياسية وأهدافها المشبوهة من خلال فرض مؤامرة الأقلمة والتفكيك وإفراغ تأثير تحولات ميزان القوى يمنيا والالتفاف على ذلك عبر مؤامرة التقسيم التي ستنال من اليمن كهُوِيَّة أصيلة ومتجذرة وككتلة بشرية ضخمة وكموقع استراتيجي هام وثروات هائلة في بلد ما يزال بكراً ومُنِعَ طيلة عقود من استغلال ثرواته الاستراتيجية؛ ليظل تحت السيطرة وتحت الهيمنة الأجنبية التي تتوخى الحذر من أية فرصة قد تتاح لنهوض اليمن؛ باعتبار ذلك العصا السحرية التي ستطلق المارد اليمني..
وثورة الواحد والعشرين من سبتمبر بما حقّقته من إذلال للوصاية الأجنبية وفي مقدمتها الأمريكية والسعودية، هي المارد الذي بعثر خطط حكم السفارات وأعاد للشعب اعتباره وهو ما بدا غير مقبول أمريكياً وخليجياً فاندلعت المواجهة بين حق اليمنيين في الحرية والاستقلال وحلم العودة باليمن إلى تركيبة الوكلاء المحليين لواشنطن والرياض وستستمر حتى يتجرع المعتدون إذلالاً أشد قسوة من ذاك الذي ذاقوه في 21 سبتمبر 2014 م، وما النصر إلا من عند الله..