موقفُ القوى الخارجية من ثورة 21 سبتمبر (1 _2)
في ورقة عمل قُدِّمت خلال ندوة أقامها مركَــزُ الدراسات السياسية والاستراتيجية اليمني بصنعاء:
الدكتور عبدالرحمن المختار
نظّم مركزُ الدراسات السياسية والاستراتيجية اليمني، السبت الماضي 21 سبتمبر بصنعاء، ندوةً سياسيةً بعنوان “ثوره 21 سبتمبر والاستهداف الخارجي”، حضرها عدد من الوزراء والمسؤولين والسياسيين والأكاديميين.
وفي الندوة التي أقيمت ببيت الثقافة بأمانة العاصمة، تناوَلَ الدكتور أحمد العرامي رئيس جامعة البيضاء، والدكتور عبدالرحمن المختار، ورقتَي عمل تطرقتا إلى المميزات والخصائص التي ميزت ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر، لافتين إلى المخطط الصهيو أمريكي الذي أعقب انتصار الثورة لمحاولة استعادة القرار والوصاية على اليمن.
وتخلل الندوة مداخلاتٌ لعدد من السياسيين والمسؤولين والوزراء سلطت الأضواء على الدور الكبير الذي قامت بها ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر في تصحيح مسار الثورات السابقة والتأسيس لعملية إصلاح شاملة.
فيما تطرقت الورقتان إلى عدد من القضايا المتعلقة بالثورة والتحرك الخارجي قبل وبعد انتصارها، تستعرضهما نصاً صحيفة المسيرة في ثلاث مراحل، كانت الأولى منها ورقة بعنوان “ثورة 21 سبتمبر والتحرر من الهيمنة الأمريكية والسعودية” للدكتور أحمد العرامي رئيس جامعة البيضاء، في حين تأتي المرحلة الثانية للمحور الأول من ورقة العمل التي قدمها الدكتور عبدالرحمن المختار بعنوان “موقفُ القوى الخارجية من ثورة 21 سبتمبر”، والذي تطرق فيه إلى عددٍ من الزوايا السياسية في فترة ما قبل الثورة، نستعرضُها تالياً:
تمهيدٌ فِي مفهوم الثورة والانقلاب:
يبدو وللوهلة الأولى -لغير المطلِّع- أن تحالفَ العدوان يُقِرُّ بحَقِّ الشعب اليمني في الثورة على رموز الفساد، وحقه في اختيار حكامه ونظام حكمه بحرية مطلقة، وأن ما ينكره تخالف العدوان هو الانقلاب على شرعية الحاكم المستمدة من الشعب بوصفه صاحب السيادة، ومالك السلطة ومصدرها، ولذلك فتحالف العدوان بكل ما ارتكبه ويرتكبه من فظائع إنما يدافعُ عن حقوق الشعب اليمني، وهذا منطقُه حتى الآن، وقد يكون الأمرُ ملتبساً على تحالف العدوان فيما بين الثورة والانقلاب؛ باعتبار أن نظامَ الحكم في أغلب دول تحالف العدوان وراثي ولا علاقة للشعب في هذه الدول بالسيادة الشعبية، وما يترتبُ عليها من حقوق اختيار الحكام بل ونظام الحكم، فالملك أو الأمير أو الشيخ هو صاحب السيادة، وما الشعوب إلا رعية للحكام، ولذلك أعلن تحالف العدوان عن عملياته العسكرية على اليمن بذريعة محاربة الانقلاب ونصرة الشرعية التي هي ممثل للشعب اليمني، وإعادة الحاكم إلى سدة الحكم ولو لم يبق شعبٌ ليحكمه.
وقبلَ الدخول في موضوع هذه الورقة لا بد من التمهيد لذلك بتوضيح مفهوم الثورة وتمييزه عن مفهوم الانقلاب فلعل تحالف العدوان بذلك أن يفهم ولو متأخراً أن ما حصل في اليمن ثورة شعبية، وأن من نفّذوا الانقلابَ ينعمون بالدفء منذ خمس سنوات في أحضان التحالف الذي يزعم محاربة الانقلاب؛ دفاعاً عن حقوق الشعب اليمني.
مفهومُ الثورة:
يمكنُ تعريفُ الثورة بأنها فعل شعبي عفوي تلقائي غير منظم يهدف إلى إحداث تغيير جذري شامل في بنية النظام السائد في المجتمع، ووفقاً لهذا المفهوم الأصل أن هدف الثورة يتحدد بشكل تلقائي تلتقي عنده توجهات جميع الثوار، وهو يؤكد نضج الشعب الثائر في تحديد هذا الهدف والعمل على تحقيقه، وهنا قد تتولى فئات من الشعب زمام المبادرة لتكون في مقدمة صفوفها سعياً مع غيرها لتحقيق غاية الثورة فتبرز هذه الفئة بحكم جرأتها وإقدامها في حال نجاح الثورة لقيادة مرحلة الانتقال التالية لها، وقد تواجه هذه الفئة عنف السلطة القائمة الذي قد يصل إلى حَـدِّ الفتك بها، ومن ثم تصبح هذه الفئة قيادة مثالية للثورة يترتب على تضحياتها التعجيل بوصول الثورة إلى تحقيق هدفها المنشود، وتكون هذه القيادة بتضحياتها قد رسمت الخطوط العريضة للثورة، ولا يتطلب الأمر من الآخرين سوى السير على هداها، واستكمال ما يتعلق بها من تفاصيل.
مفهومُ الانقلاب:
يمكنُ تعريفُ الانقلاب بأنه فعل منظم تنفذه مجموعة منظمة هدفه السيطرة على السلطة من خلال إزاحة الممسكين بها عنها والحلول محلهم في الإمساك بزمامها.
ويختلف الانقلاب عن الثورة في أن قيادته من داخل السلطة وغالباً ما تكون من العسكريين تخطط مسبقاً للانقلاب على الحاكم وترتب وتوزع الأدوار بين المجموعة الانقلابية المنظمة، وقد تحدد مسبقاً منصب القيادة العليا لما بعد نجاح الانقلاب، بعكس الثورة الشعبية التي لا تتحدد في ظلها قيادات السلطة العليا في الدولة لما بعد نجاح الثورة، بل إن الأفعال المبادرة لصناع الثورة هي التي يمكنُ أن تتحدَ وفقاً لها قيادات السلطة العليا في الدولة لما بعد نجاح الثورة.
المحور الأول: ما قبل ثورة 21 سبتمبر 2014:
– ثورة 11 فبراير 2011
انطلقت ثورة فبراير 2011 معلنة عدداً من المطالب على رأسها إسقاط النظام وتصاعدت وتيرة مطالب الثورة عندما قرر الشباب الاعتصام في عدد من الميادين والساحات العامة إلى حين رحيل رأس النظام الحاكم الجاثم على صدر البلاد منذ أكثر من ثلاثين عاماً، وأفراد عائلته الذين شغلوا أهم المناصب في الدولة مدنية وعسكرية، وقد تمدّدت الثورة في ساحات وميادين الاعتصام محاصرة الحاكم في زاوية ضيقة جعلت خياراته محدودة، غير أن العوامل التي طرأت على الثورة منحت الحاكمَ هامشاً في الحركة والمناورة والعمل بالتنسيق مع القوى الخارجية لمحاصرة الثورة الشعبية والالتفاف عليها واحتوائها ومصادرتها في نهاية المطاف.
العواملُ الدخيلةُ على ثورة 11فبراير وأثرها:
طرأت على خط الثورة عواملُ دخيلةٌ حرفتها عن مسارها، فحين أعلن الجنرال العجوز على محسن الأحمر قائد الفرقة الأولى مدرع الانضمام إلى الثورة ومساندتها وحمايتها وتحت مبرّر حماية الثورة تم الالتفاف عليها، واكتملت عملية الالتفاف والمصادرة بانضمام عدد من الأحزاب السياسية الانتهازية إلى ساحات الثورة ولتتحول الثورة لاحقاً إلى انقلاب ناقص، حين اتفق المنضمون إلى صفوف الثورة من العسكريين والسياسيين على تشكيل حكومة ائتلافية مناصفة مع من خرجت الجماهير للثورة عليه، بل إن الثورةَ كانت في الأساس ومنذ بداية انطلاقتها تهدفُ إلى إسقاط النظام بما فيه أولئك المنضمون لصفوفها سياسيين وعسكريين، غير أنهم تمكّنوا من الالتفاف على الثورة تحت مبرّر حمايتها، لتتحول من ثم إلى ثورة بنصف انقلاب.
حمايةُ الثورة:
الأصلُ أن وسائلَ حماية الثورة ذاتية تتمثلُ في نضج ووعي الثوار وإيمانهم بنُبل أهداف ثورتهم وغاياتها التي يرخص في سبيل تحقيقها كُــلّ غالٍ ونفيسٍ؛ باعتبار أن الثورة ما انطلقت إلا لتحمي قيمة أو قيماً سامية تعرضت للانتهاك والانتقاص، وتوفير هذه الحماية ليس لجيل الثورة فقط بل للأجيال القادمة، إذاً فالثورة إنما انطلقت لتحمي لا لتُحمى بغض النظر عن الثمن الذي تدفعه الثورة سداداً لفاتورة أهدافها وغاياتها النبيلة.
لكن إذا كان ذلك ما يتعلق بالحماية الذاتية أو الداخلية للثورة فماذا عن الحماية الخارجية لها؟ وما أثار هذه الحماية على الثورة ومسارها؟
لقد برَزَ في مراحل الثورة الشعبية اليمنية السلمية عاملان أحدهما عسكري والآخر سياسي، اتفقا ظاهراً في تبني الثورة وحمايتها والدفاع عنها، ويختلف العاملان من حيث الطبيعة والأهمية، ويتمثل الأول في إعلان قسم مهم في المؤسسة العسكرية تأييده للثورة الشبابية الشعبية السلمية والتزامه الدفاع عنها في مواجهة قوات السلطة وبلاطجتها، وهذا العامل بطبيعته متميز تماماً عن الثورة الشبابية الشعبية السلمية وغير مندمج فيها، وهنا وفيما يتعلق بهذا العامل تطرح عدد من التساؤلات الملحة حول نطاق الحماية التي قدمها هذا العامل للثورة الشعبية السلمية؟ وما إذا كانت هذه الحماية مشروطة ببقاء شباب الثورة في النطاق المكاني لساحات الاعتصام دونما تمدد خارجها؟
لم يكن واضحاً بالطبع نطاقُ الحماية التي قدمها هذا العامل وشروطها، فإذا ما افترضنا أن نطاق الحماية لا يحده مكان كان هذا الأمر إيجابياً من ناحية وسلبياً من ناحية أخرى، فإذا ما تمددت الحماية بالتوازي مع تمدد واتساع ساحات وميادين الاعتصام إلى أن تتهاوى وتسقط أركان النظام دونما احتكاك عنيف بين أدوات هذا العامل وأدوات بقايا سلطة النظام تحقق وفقاً لذلك الجانب الايجابي لهذه الحماية، ويتحقق الجانب السلبي لهذه الحماية من وجهين:
الأول: إذا ما كان سقف هذه الحماية يقتصر فقط على حدود النطاق المكاني لساحات وميادين الاعتصام فتصبح الثورة وفقاً لهذا الوجه محاصرة تحت مبرّر الحماية فتُحجم وتتضاءل وتتلاشى.
الثاني: الجانب السلبي للحماية يتمثل في الالتزام بالحماية في كُــلّ الأحوال والظروف مع حصول اشتباك مسلح غير محدود بين أدوات سلطة النظام وأدوات الحماية التي يملكها العامل العسكري، وهو ما سيعني انحراف الثورة عن شعار سلميتها وشعبيتها وانزلاقها إلى العنف وينحصر من ثم الصراع المسلح بين فريقين بيد كُــلّ منهما أدواته مع إمكانية انخراط شباب الثورة السلمية أو بعضهم على الأقل في هذا الصراع وهو ما سيعني وأد الثورة السلمية التي ستخلو ساحاتها وميادينها حتماً من وجود غير طرفي الصراع المسلح فيها، وتحقق هذا الوجه يعد مصادرة للثورة، وتصبح النتيجة التي تحسم الصراع لصالح أحد طرفيه هي المعوّل عليها في ترتيب ما بعده وليس ما كان مطروحاً في ظل الثورة السلمية في ميادينها وساحاتها.
ويتمثل العامل السياسي في المعارضة المنضوية فيما عُرف باللقاء المشترك والتي أعلنت الانضمام للثورة الشعبية السلمية وتبني مطالبها برحيل سلطة النظام الحاكم، والعامل السياسي لا يختلف عن العامل العسكري من حيث أثره على الثورة فله أثران أحدهما إيجابي والآخر سلبي، فإعلان هذه الأحزاب الانضمام للثورة يمثل قوة ضغط سياسية إضافية على السلطة الحاكمة تدفع عجلة الثورة إلى الأمام شريطة إجادة استخدام هذه القوة، غير أن الأثر السلبي للعامل السياسي تمثل في استمرار سلوك أحزاب اللقاء المشترك في سياستها التحاورية مع السلطة القائمة على أساس الصفقات السياسية التي تبرمها قيادات هذه الأحزاب بعيداً عن قواعدها والتي برع الحزب الحاكم في تجريعها لها على مدار عقدين من الزمن، ولقد برزت على السطح بعض السلوكيات التي أكدت سير هذه الأحزاب على نهجها السابق رغم زعمها ركوب موجة الثورة الشعبية السلمية في حينه.
تحوُّلُ ثورة 11 فبراير إلى انقلاب ناقص:
تعرّف الثورة –كما أسلفنا- بأنها فعل عفوي غير منظم يهدف إلى إحداث تغيير جذري شامل، ووفقاً لهذا المضمون فكل من خرج ثائراً لم يكن بينه وبين غيره ترتيب أو تنسيق أو تنظيم مسبق، فالجميع خرجوا فقط استجابة لشعورهم جميعاً بضرورة وحتمية تغيير أوضاع حياتهم، وهم يدركون تماماً أن الثمن يمكن أن يكون حياتهم، أو سلامتهم الجسدية، إذاً الجميع يدرك أن السكوت لم يعد مجدياً، وأن الثورة هي الأمل في التغيير، وأن الخروج للثورة هو الذي سيغير الأوضاع، وأن لهذا الخروج ثمناً، وأن كُــلّ ثائر يدرك أنه معني بدفع هذا الثمن مهما كان باهظاً، فالثائر قد يمضي إلى سبيل ربه لكن هدف الثورة يتحقق لأنه يستحيل وفقاً للمجري الطبيعي للأمور أن يدفع الثوار الثمن ولا يتحقق الهدف، وإلا كان معنى ذلك أن الثورة ليست ثورة، وإنما شيء آخر.
هذا الشيءُ الآخرُ هو الانقلاب الذي يعرّف بأنه فعلٌ منظمٌ يهدفُ إلى إزاحة الممسكين بالسلطة عنها والحلول محلهم دون أن يكونَ تغييرُ الأوضاع العامة ضمن أهداف الانقلاب، فقط ينشد القائمون على الانقلاب الوصول إلى السلطة، فهم أنانيون يفضلون مصالحهم على مصلحة المجتمع، وربما يكونون أشد طغياناً ممن انقلبوا عليهم وقد يبدأ الطغيان بمحاكمات وإعدامات والقاء الخصوم في غياهب السجون، فكم هو الفرق كبير والبون شاسع بين الثوار والانقلابيين، وأهدف الثورة وهدف الانقلاب، وكم هي المأساة كبيرة عندما تتحول الثورة اليمنية ليس إلى الانقلاب بل إلى ما يشبه الانقلاب، لقد كانت في بدايتها ثورة بكل ما للكلمة من معنى لكن من ركبوا موجتها حولوها إلى مجرد نصف انقلاب عندما سيطروا على نصف الحكومة ونصف الثروة ونصف الوظيفة العامة، ونصف… ونصف… ! ومعلوم أن اقادة الانقلاب وفقاً للتعريف السابق لا يقبلون بأقل من السيطرة على السلطة بالكامل، وإزاحة وإعدام أو نفي من كانوا متمسكين بزمامها وهذا يعد تسامحاً منهم إن نفوا من انقلبوا عليهم، فلماذا تسامح الانقلابيون في بلادنا وقبلوا فقط بالنصف من كُــلّ شيء؟ وحرموا الثوار من كُــلّ شيء! لسبب بسيط هو أنهم مشتركون مع من انقبلوا عليهم في إجرامهم وفسادهم وطغيانهم وبدلاً عن أن تكنسَهم الثورة جميعاً اعتقدوا أن ركبوهم موجتها ونزولهم ساحاتها قد طهرهم من فسادهم وطغيانهم.
ثورةُ 21 سبتمبر2014 شعبية خالصة:
أدرك الثوارُ أن ثورتَهم قد تم التآمُرُ عليها ومصادرتها وأن أولئك الانقلابيين باعوا دماءَ شهداء الثورة بثمن بخس، وباعوا ثورتهم بنصف انقلاب فكان لسان حال الثوار الحقيقيين: “هيهات أن تموت الثورة، وهيهات أن ننسى دماء شهدائنا”، وجسدوا ذلك في خطوات عملية لاستعادة الثورة وهدفها المعلن إسقاط رموز ومكونات النظام الفاسد، وبعد مسيرات سلمية واعتصامات وتضحيات جسيمة تمكّن الثوار من الدفاع عن ثورتهم في مواجهة من تأمروا عليها وصادروها، وواجهوا بكل حزم عنف أدوات الإجرام والطغيان حتى كتب الله للثورة النجاح، وللثوار الانتصار على الظلم والجبروت والطغيان والاجرام الذي واجهتهم به السلطة الحاكمة، وبتضحيات الثوار وإصرارهم على العبور بثورتهم إلى بر الأمان فقد تمكّنوا بنجاح ثورتهم من تغيير ذلك الواقع البائس الذي فرضته على الشعب لعقود من الزمن سطوة الفاسدين باستحواذهم على موارد الشعب ومقومات حياته.
وكون ثورة 21 سبتمبر ثورة شعبية خالصة فقد كان لها فلسفتها الخاصة في التعامل مع من أفسدوا حياة المجتمع في جميع مظاهرها، هذه الفلسفة التي اختلفت عن فلسفة الثورات الأخرى القديمة منها والحديثة والمعاصرة، وفي مختلف دول العالم فلم تنصب الثورة اليمنية المشانق لمعاقبة خصوم الشعب، ولم تفتح المعتقلات والسجون لتلقي بهم في غياهبها، ولم تشكل المحاكم الثورية المستعجلة لتقرر مصير أولئك الفاسدين، وتصادر ممتلكاتهم، بل لقد اتسمت الثورة اليمنية بالتسامح وكان جل مطالبها إصلاح الفاسدين لأنفسهم والمشاركة في تحمل مسؤولية إدارة الشأن العام وفقاً للتوجه الجديد الذي أعلنته الثورة.
وفي محاولة جديدة للالتفاف على الثورة وافقت الأطراف المشاركة في السلطة على توقيع اتفاق السلم والشراكة مع ممثلي قيادة الثورة لإدارة شؤون البلاد وإصلاح أوضاعها الاقتصادية والأمنية والسياسية والاجتماعية، ومع كُــلّ التسامح الذي اتسمت به الثورة، وما منحته لهم من فرصة لإصلاح أنفسهم إلا أن الفساد المتغلغل في نفسياتهم والارتهان للقوى الخارجية حال دون اقتناص أولئك للفرصة الأخيرة الثمينة التي منحها لهم الثوار، فاختاروا الاستمرار في طريق التآمر والخيانة والارتهان للقوى الخارجية، لتبدأ بذلك مرحلة جديدة من التآمر على ثورة الشعب ومحاولات إجهاضها، وتدخلت في هذه المرحلة القوى الأجنبية بشكل مباشر إلى جانب عملائها، وهو ما سنسلِّطُ عليه الضوء في المحور التالي.