حليفُ القرآن (4) … كثرةُ الظلم أشعل فتيلَ حركة الإمام زيد -عَلَيْهِ السَّـلَامُ-
أم مصطفى محمد
بعد المذابح الرهيبة وسياسات القمع والتجويع استطاع البيت الأموي السيطرة على السلطة؛ كونه اعتمد على سياسة الترهيب والإغراء وعلى أسلوب التضليل ونشر الباطل فكان من الطبيعي أن يملأ افق الساحة الإسلامية الجور والظلم والضياع الفكري، فقد عملت الأسرة الأموية على فصل الأمة عن مضمون الرسالة وذلك من خلال إيجاد الحواجز الكثيفة للحيلولة دون فهم الرسالة وتطبيقها في السلوك الاجتماعي كما عمدت بنى أمية عن فصل الأمة عن القيادة الرسالية المتمثلة بأهل البيت -عَلَيْهِم السَّـلَامُ- وذلك من خلال فرض الرقابة على منازلهم وملاحقة أنصارهم وتضييق دائرة تأثيرهم وهذه السياسة أدت إلى ضياع قطاعات عريضة من الجماهير عن الاهتداء بهدي أهل البيت -عَلَيْهِم السَّـلَامُ- فسيطرت على الناس مذاهب وأفكار جاهلية كما أنهم قاموا بتعطيل حدود الله وإسقاط السنن الإسلامية وممارسة التقاليد الجاهلية بالإضافة إلى ممارسة سياسة ومواقف أدت إلى شيوع الصراع بين قبائل المجتمع الإسلامي وأفراده واختلاق مذاهب فكرية منحرفة ساهمت في تنويع أشكال النزاع وتعميمه، ولقد شجعت الأسرة الأموية على الفساد واعتبرته سلوكا اجتماعيا مشروعا فانتشر في زمن الحكم الأموي وما بعده الغناء والرقص وشرب الخمر وهنا سؤال يحتاج إلى أن يجيبه كُـلّ من كان له ضمير حي.. أليس النظام السابق الذي كنا نعيش في ظله قبل هذا العدوان كان يُمثل الوجه الآخر لحكومة بني أمية؟ فان كانت الإجابة بنعم فأمامك اختياران إما أن تكون مع معاوية وجلاوزته أَو مع زيد وأنصاره أما إذَا كانت الإجابة بلا فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور.
إن نصيب أئمة أهل البيت -عَلَيْهِم السَّـلَامُ- من هذا الظلم كان كبيراً؛ وذلك لأَنَّهم كانوا يُشكلون المعارضة الحقيقية والصلبة للنظام الأموي فلذلك نجد النظام الأموي قد تعمد إلى إيذائهم والسخرية بهم فقد نقلت الروايات أن هشام بن عبدالملك حج في خلافة عبدالملك فطاف بالبيت فحينما أراد أن يستلم الحجر لم يقدر عليه من كثرة الزحام فما كان منه إلا أن نصب له منبر فجلس عليه وطاف به أهل الشام فبينما هو كذلك إذ أقبل الإمام علي بن الحسين -عَلَيْهِ السَّـلَامُ- وعليه إزار ورداء فكان من أحسن الناس وجها وأطيبهم رائحة فجعل يطوف بالبيت حتى إذَا بلغ إلى موضع الحجر تنحى الناس عنه حتى يستلمه هيبة له وإجلالا له فغاظ ذلك هشاماً فقال له رجل من أهل الشام يا هشام من هذا الذي قد هابه الناس هذه الهيبة وأفرجوا له عن الحجر؟ فقال هشام: لا أعرفه، لئلا يرغب فيه أهل الشام فسمعه الفرزدق فقال: أنا أعرفه فقال الشامي: فمن هو؟ فأنشد الفرزدق:
هَذا الّذي تَعرِفُ البَطْحاءُ وَطْأتَهُ وَالبَيْتُ يعْرِفُهُ وَالحِلُّ وَالحَرَمُ
هذا ابنُ خَيرِ عِبادِ الله كُلّهِمُ هذا التّقيّ النّقيّ الطّاهِرُ العَلَمُ
ولقد ظل هذا النمط من المعاملة سياسة ثابتة مارسها حكام بني أمية تجاه أهل البيت -عَلَيْهِم السَّـلَامُ- طوال فترة توليهم الحكم إلى يومنا هذا، فها هو الإمام زيد بن علي -عَلَيْهِ السَّـلَامُ- قد تعرض لهذا اللون من الظلم، حيثُ تذكر كتب التاريخ أن زيدا قصد هشام بن عبدالملك يشكو إليه واليه فجعل هشام لا يأذن له فما كان من الإمام زيد إلا أن رفع إليه القصص فكلما رفع قصة كتب هشام في أسفلها (ارجع إلى أميرك) فيقول الإمام زيد (والله لا أرجع إلى خالد أبداً) إلى أن أذن له يوماً بعد طول حبس فتأخر عليه طويلاً حينها قال الإمام: (واللهِ لا يحب الدنيا أحد إلا ذل).