أرادوا أن يمحوا أثرَه فأحيا اللهُ ذكرَه وأحياه من نهج نهجه
زينب العيـاني
في ذكرى الإمام زيد بن علي -عليهما السلام- الملقبِ بحليف القرآن؛ لهديه وتلازمه مع القرآن الجليل، يجب أن نستذكرَ بعضاً من سيرة حياته الحافلة بالهدى والنور، والتضحيات الجسيمة.
نشأ الإمامُ زيدٌ في حضن أبيه علي -عليهما السلام- الملقب بزين العابدين وسيد الساجدين، فتعلم على يدي أبيه أخلاقَ النبوة ومعالمَ الدين والسيرَ على الطريق الذي انتهجه له جده محمد -صلوات الله عليه و على آله- ففي زمان زين العابدين كانت الأمةُ الإسلامية في وضعٍ خطير من التكاسل والانحراف الديني، حيثُ إنه حاولَ الإمام زين العابدين -عليه السلام- أن يجعلهم يهتدون بهدي الله، ويمشون على سيرة نبيه، لكنه عندما أدرك أنَّ ليس هناك مناصرٌ لدين الله، انتظر حتى يأتي اللهُ بالفرج على يد ولده زيد -عليه السلام-.
عُرف الإمام زيد بن علي أنه عظيمُ الخشية من الله، فكان حينما يقرأ بعضاً من آيات القرآن الكريم أَو يتأملها أَو يسمعها يسقطُ مغشياً عليه، حيثُ أنه قرّر أن يتوجّـه لتعليم الناس وربطهم بالقرآن الجليل؛ لكي يستضيئوا بهدي الله، وعرف أَيْـضاً بهذا الأثر الإيماني بكله، بعلاقته الوثيقة مع الله، وبتحمله لمسؤولية الأمة الإسلامية ومواجهة الظالمين، كيف لا وهو القائلُ: (والله لو علمت أن رضاء الله عزَّ وجل في أن أقدح نارًا بيدي حتى إذَا اضطرمت رميتُ بنفسي فيها، لفعلت).
رجلٌ عظيم كهذا، هو نموذج للإمامة والعلم والهدي بالله، فهل سيسكت رجل كهذا عن جور الجائرين ويضل يشاهدهم وهم يحرقون الحرثَ والنسلَ ويبغون الفسادَ في الأرض؟؟! حاشا لله، بل هو من علمنا -عليه السلام- أنَّ الالتزامَ بتقوى الله ليس فقط الخشوع في الخلوات، بل عليك أن تُكْمِلَ تقواك بتحملك المسؤولية تجاه الأمة والمسلمين جميعاً، وهكذا كان الإمام زيد-عليه السلام- يحمل على كاهله همومَ الأمة وتأسيس دينها الحنيف الذي كان أهلُ الشام آنذاك يقومون بتحريفه؛ ليقع الإسلام في ضلال كبير وخطير جِـدًّا.
فهو سار على طريق فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ لأنها فريضةٌ إسلامية واجبةُ التنفيذ على كُـلّ مسلم، وكما قال عنها -عليه السلام- في ذلك: “بها تقامُ الفرائض”.
واجه الإمام زيد الكثيرَ من الطواغيت المتولين آنذاك ولكن لم يمنعه ذلك عن الجهاد ونشر معالم الدين، حتى جاء اليوم الموعود، وقام الإمام زيد مع ثلة قليلة؛ لقتال بني أمية، والذين كانوا اثني عشر ألفَ جندي، ولكنهم هزموا وولوا الأدبار، وأنقذ الإمام زيد أهلَ الكوفة، ولكنهم تخاذلوا وأبوا مناصرةَ سبط رسول اللّه، فقاتل زيد بن علي بكل شجاعة وإيمان، غير آبه بمن خذله وخذل دينَ الله، حتى استُشهد -عليه السلام- بسهم في جبينه، وفور الشهادة قال: (الشهادةَ الشهادةَ الحمدُ لله الذي رزقنيها).
دفن جثمانه الطاهر خفيةً؛ خشيةَ أن يعثر عليه بنو أمية فيمثلوا به، غيرَ أن أعداء الله عرفوا بمكان دفنه فعمدوا إليه، واستخرجوا جسدَه الطاهر، ثم قطعوا رأسَه الشريف؛ ليطاف به في البلدان، أما جسدُه الشريف فقد صلب في موضع “القمامة” في الكوفة، منزوعًا عنه الثياب وتلك كانت أفعال بني أمية مع زيد بن علي ومن قبله جده الحسين، فأية بجاحة وجرأة وصل إلها بنو أمية، حتى قتلوا عترةَ نبيهم وغدروا بهم وسفكوا دماءهم الزكية، وخلال صلبه ظهرت آياتٌ كثيرة، منها أنَّ العنكبوتَ نسجت خيطها؛ لتستر عورته، ولكن الطغاة الفاسقين أزالوها، وبعدها استرسل من بطنه لحمٌ من أمامه وخلفه؛ ليستر عورته، وبقي زيد -عليه السلام- مصلوباً أربعَ سنوات، ولكن لما رأوا حكام بني أمية أن الآياتِ فيه قد كثرت، خافوا أن يؤثر ذلك عليهم فأرادوا محوَ أثره، وبعدها أحرقوا جسدَه وذروه في نهر الفرات.
قطعوا رأسه وصلبوا جسده وحولوه إلى رماد، لكن الدين انتشر، واقتدى به أهلُ اليمن وأصبح مذهبهم مذهب الزيدية، الذي هو المذهب الصحيح؛ لما ثبت من الأدلة والبراهين القاهرة.
أرادوا أن يمحَو أثره، فأحيا الله ذكره وأحياه من نهج منهجه وتأسى به، وأصبح ذكرى استشهاده ثورةً خالدة، وتجسّدت في اليمن أقوالُه وأفعالُه -عليه السلام-، فاليمانيون اقتدوا به وجعلوا من شجاعته وإيمانه مسارَ حق يسيرون عليه؛ لكي يستأصلوا به أحفادَ بني أمية، ممالك الضلال آل سلول وتحالفهم، الذين يأتون لنا اليوم بسياسة مختلفة عن أجدادهم، ولكن المخطّط والمراد واحد، وهو طمس معالم دين الله ونشر الفساد في هذه الأرض.