القــرآن يصنعُ اليقينَ والنظرة إلى أحداث الحياة من خلال القــرآن تصنع اليقين أيضاً
ملزمة معرفة الله ((وعده ووعيده)) الدرس ((الثاني عشر)) (5-5)
الله شاء هدايتنا لكن على الشكل الذي فيه كرامتنا حتى وهو يعبّدنا لنفسه يقول لنا بأنَّ تعبيدَ أنفسنا له هو حريتها وكرامتها وعزتها
المسيرة: علي حمود الأهنومي
السيدُ حسين -رِضْــوَانُ اللهِ عَلَـيْـهِ- تحدّث في ملزمة وعده ووعيده الدرس الثاني عشر عن أمور كثيرة، أهمُّها هدايةُ القُــرْآن الكريم للناس، ومن جُملة الهداية إنزالُ التشريع لتنظيم شؤون الناس، ووجوب الكفر بكلِّ ما يأتي من غير الله كقوانينَ أَو دساتيرَ تخالف القُــرْآن الكريم، وعمل اليهودِ على ترويض الأُمَّـة لتتقبلَ الأشياءَ درجةً درجةً، مثل الشيطانِ عندما يتبع في إغواء الإنسان طريقةَ “الخطوات”، وأكّـد كثيراً على أن الموتَ إنما هو بدايةُ الرجوع إلى الله فقط، ويجب علينا أن نركّزَ على ما ركّزَ عليه القُــرْآن الكريم، وأننا إذَا أردنا أن نصبحَ أُمَّـةً عزيزةً كما أراداها الله لنا يحتّم ذلك علينا الأخذ للدين من القُــرْآن الكريم ومن أهل بيت رسول الله -صـلواتُ اللهِ عَلَيـْهِ وعَلَى آلِـه-، وأن نعمل على اكتشاف الأعمال الصالحة هنا في الدنيا؛ لكي لا نندمَ على تضييعِها في الآخرة.
اليقين نحصل عليه من التبيين في القُــرْآن
في القسم الخامس والأخير من الملزمة وضّح السيدُ حسين -رِضْــوَانُ اللهِ عَلَـيْـهِ- أن القُــرْآنَ هو الذي يصنعُ اليقين، كما قال: [القُــرْآن يصنع اليقين، أحداث الحياة والنظرة إليها من خلال القُــرْآن تصنع اليقين. الإمام علي عليه السلامُ الذي حصل على اليقين من خلال رسول الله ومن خلال القُــرْآن الكريم، كان يقول: (واللهِ لو كُشِفَ لي الغطاءُ ما ازددت يقيناً)، الله هنا في الدنيا بيّن، وكلّمنا في القُــرْآن عدة مرات أنه بيانٌ، كتاب مبين، ومن أين تحصل على درجة اليقين في الأشياء؟ أليس من التبيين؟ لكن أنت الذي علّمت نفسك ألَّا توقن إلِّا عندما تُضرب في رأسك، عندما تُحس بالضربة توقن، (رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا) اليقينُ متوفرٌ في الدنيا على أعلى درجاته].
وبعدَ أن بيّن -رِضْــوَانُ اللهِ عَلَـيْـهِ- أن الخللَ ليس في القُــرْآن الكريم، إذ أن التعامل مع التوجيهات التي في القُــرْآن ببرودة هو الخللُ عينُه، وذكر مثالاً حيّاً وملموساً يدل على ذلك: [تأتي ورقة خطاب من الرئيس إلى أهل منطقة فيتعاملون مع تلك الورقة بكل جدٍّ واهتمام، ويجتمعون ويتشاورون كيف يعملون من أجل تنفيذها، أَو من أجل درء الخطر والتهديد الذي فيها عن أنفسهم، أليس هو ما يحصل؟ لكن هنا بالنسبة للقُــرْآن الكريم لا يحرّك فينا شعرةً، ولا نجتمع لنعرف كيف ننفّذ ما فيه؛ حتى ندرأ عن أنفسنا الخطورة التي تحدّث عنها، وهو أمرٌ يختلف عن أمور الآخرين].
وشرح السيدُ حسين معنى قول الله (وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُـلّ نَفْسٍ هُدَاهَا): [لقد جاء الهدى على أعلى مستوياته، وجاء الهدى في أبين آياته وأحكمها وأكثرها تفصيلاً ووضوحاً، أيُّ هدىً كنت تنتظره؟ كان بالإمْكَان نهديك هذا النوع من الهدى، كما يفسرون هذه الآية: (وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُـلّ نَفْسٍ هُدَاهَا) يقولون: على طريقة القسر والإلجاء، أن يمسكَ بأُذُنِك إلى المسجد، ويضعك في الماء لتتوضأَ غصباً عنك، ويرفعك غصباً عنك، وتصلي غصباً عنك، وأربعة أَو خمسة ملائكة بأيديهم سياط يضربونك وهم وراءك أينما ذهبت، لكن هذا ليس هدىً، أنت حينئذٍ لستَ إنساناً، قد يقال: حمار، تساق كما يساق الحمار..].
الهدي في متناولك على أعلى درجاته
السيدُ حسين -رِضْــوَانُ اللهِ عَلَـيْـهِ- استطرد في إكرام الله للإنسان في كُـلّ شيء يتعلقُ بحياته، فما بالُك بالهداية، وأضاف: [يجب أن نفهمَ تكريم الله لنا، وأن تكريمه لنا في هدايته، وأن من الحكمة أن تقدّمَ هدايته لنا بالشكل الذي يتناسب مع تكريمنا، أما أن يكرمنا فيما يتعلق بتناول الطعام والشراب ثمَّ لا تكون الهداية بالشكل الذي فيها تكريم لنا وعن طريقة أنفسنا نحن، نعقل، نفهم، نوقن، نثق، نصدّق، ننطلق نتلّمس آثار الكرامة في كُـلّ جانب من جوانب هدايته لنا، أليس هذا بوسعنا؟ وسترى كيف سيصل الناس وتصل أنت إلى العزة، أليست العزة للمؤمنين؟].
وأكّـد مرة أُخرى على أن المفترض هو أن يتسابقَ الناسُ نحو الأعمال الصالحة، ويسارعون فيها، واستغرب من المنافقين الذين يؤثّرون في الناس أكثر مما يؤثّر المصلحون، وأرجع السببَ إلى عدم التهيُّب من الأعمال الباطلة، لو نرّوض أنفسَنا على الأعمال الصالحة والانطلاق فيها، وختم السيدُ حسين -رِضْــوَانُ اللهِ عَلَـيْـهِ- بدعاءٍ هذا نَصُّه: [أسأل من الله سُبْحَانَهُ أن يبصرنا هنا في الدينا، أن يجعلنا ممن يبصرون ويسمعون، وأن يجعلنا من أوليائه الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون لا في الدنيا ولافي الآخرة، وأن ينجينا من جهنم، وأن ينجيَ كُـلّ واحد منا مِن أن يكون ممن يقول هذه الكلمةَ: (رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ) وأن يزيدنا يقيناً في الدنيا، وبصيرة في الدنيا، ونحن لا نزال في هذه الدنيا نستطيع أن نعمل، ونستطيع أن ننطلق على هداه، إنه على كُـلّ شيء قدير].