من وحي السمو الأخلاقي
عَبدالله هاشم السياني
هل تأملتم في وجوه المغرّر بهم وهم يسيرون نحوَ تسليمِ أنفسهم للجيش واللجان الشعبيّة؟!، وكم كانت مظاهِرُ الذل والانكسار مطبوعةً على كُـلّ تعابير حركتهم؟!، وكيف كانوا ينظرون إلى قادتهم ومَن جلبوهم إلى هذه المعركة كخونة وجبناءَ وغدّارين وكذابين، وكيف تغيّرت نظرتُهم للمال وللارتزاق وكأنهم يحتقرون اللحظةَ التي جازفوا فيها وقَبِلوا أن يكونوا عملاءَ ومرتزِقةً؟!.
ولعلهم كانوا لا يريدون استحضار الساعة التي قبلت نفوسُهم بالقتال؛ دفاعاً عن السعودية ومواجهة إخوانهم من أبناء بلدهم، وهل لاحظتم كم كانت دهشتُهم الممزوجةُ بالخوف والحذر وهم يلقون بالتحية على المجاهدين الذين لا يعرفون كيف سيكون ردُّهم للتحية وهم الذين قد امتلأت قلوبُهم حقداً وكراهيةً لهم إلى درجة أنهم كانوا ينتظرون اللحظةَ التي يقتُلون ويذبحون ويمثّلون بهم؛ باعتبارهم مجوساً ومليشيا إيرانية؟!
أظن أن الندمَ والحسرةَ قد قتلت كُـلّ ما بداخلهم عندما سمعوا المجاهدين يرحّبون بهم بكل محبة وإخاء وصدق وهم يحاولون طمأنتَهم ونزعَ الرعب من قلوبهم ويؤكّـدون لهم بالقول: (أنتم بين إخوتكم، لا تخافوا)، أنا لا أستطيع تصور مشاعرهم وهم يكتشفون كُـلّ تلك الحقائق ولا كيف نظروا إلى ماضيهم ولا كيف رسموا مستقبل حياتهم!
بعد اكتشافهم حقيقةَ المسيرة القرآنية التي تمثّلت بأرقى صور الرقي في سماحة وأخلاق وتواضع المجاهدين الذين كانت ألسنتُهم لا تَمِلُّ من الحمدِ والشكر لله على نصره وتأييده وكأنَّ لا دورَ ولا حولَ ولا قوةَ لهم في كُـلّ ذَلك.
إن ما شاهدناه من سلوك وما سمعناها من كلمات وما انطبع في نفوسنا من مَعَانٍ سواء من المجاهدين وعزتهم وسموِّ نفوسهم أَو من المغرّر بهم وما ظهر عليهم من الذل والانكسار والخوف والأمل لا يمكن التعبيرُ عنه أَو صياغتُه.