المقاتلُ اليمنيُّ في عملية نصر من الله: من الواجب العسكري إلى المهمة الإنسانية
تفاصيلُ جمع وتأمين الأسرى خلال العملية:
المسيرة: يحيى الشامي
بعد انقطاعِ الخطِّ وإطباقِ الحصارِ على مرتزِقة الجيش السعودي داخل مناطق الاستدراج قبالة نجران، تحوّلت مهمةُ المجاهدين العسكرية إلى دور إنساني صَرْفٍ، يتعلَّقُ بتأمين مجاميع المستسلمين وتوفير الحماية اللازمة لهم من غارات طيران العدوان، ومن ثَمَّ البحث عن طُرُقٍ آمنةٍ؛ لنقلهم من المنطقة وإخراجهم إلى أماكنَ بعيدة عن ساحة المعارك، وهي مهمةٌ وصفها قادةٌ في الجيش واللجان الشعبيّة بالأصعب من المهمة العسكرية؛ لما تنطوي عليه من مخاطرَ جمةٍ، في مقدمتها غاراتُ الطيران المعادي الذي شرع في ملاحقتهم في كُـلّ الشِّعاب والأودية والجبال، مستعيناً في البحث عنهم بالطيران الاستطلاعي.
في البدء، رفض غالبيةُ المرتزِقة الاستسلامَ، متمسكين بأسلحتهم، متجاهلين دعواتِ المجاهدين لهم الاستسلام، أصرّت هذه الشريحةُ من المرتزِقة على التمسُّك بالسلاح رغم إدراكهم حجمَ الخيانة التي تعرضوا لها من قبل قيادتهم، سواء السعوديين أم اليمنيين والذين هربوا في اللحظات الأولى من بدء العملية دون إشعارهم بالخطر المحدِق، كانت معنوياتُ المرتزِقة حينَها قد هبطت إلى الحضيض وتيقن البقيةُ منهم أن المقاومةَ تضُرُّهم أكثرَ مما تنفعُهم، وأن الناجيَ منهم من القتل بنيران الجيش واللجان لن ينجوَ من غارات طيران أسياده السعوديين، ولن يجدَ في سور الحصار المضروب على جوانب المنطقة ثغرةً ينسلُّ منها وإن وَجَد فإلى أين؟!، حيثُ الآفاق مسدودة وليس في الفيافي إلّا السرابُ، والأرضُ لا ترحمُ التائهين فيها الجاهلين لدروبها ومناكبها، لم يمر من الوقت طويلٌ حتى انضمَّ الجميعُ إلى صفوف المستسلمين.
كان المشهدُ مهيباً ومليئاً بالمفارقات، بنادقُ وجعاب المخدوعين تتراكم فوق بعضها في عدة نقاط مخصصة لها، فيما أعلنت بنادقُ المجاهدين صمتَها؛ لترتفعَ أصواتُ حَمَلتِها بعبارات الترحيب: ارحبوا لوطنكم، ارحبوا إلى يمنكم (المشهد الشهير الذي عرضه الإعلامُ الحربي)، فيما دخل المخدوعون في نوبةٍ من الصدمة إثر عشرات الغارات التي لاحقتهم وتعاملت معهم كأهدافٍ، وعبّر بعضُهم عن امتنانهم للمجاهدين الذين سرعانَ ما بادروا في تنظيم عملية الخروج، باذلين أقصى جهودهم لحمايتهم وتأمينهم، في عملية نقل استمرت لأكثرَ من أسبوع، وهي أحد أسباب تأخُّر الإعلان عن العملية وفقَ ما أشار إليه الناطقُ الرسمي لأنصار الله في مقابلة تلفزيونية.
وأمام جنون الطيران -الذي أوكلت إليه مهمةُ الدفاع بالنيابة عن مرتزِقة الجيش السعودي إثر انهيارهم- تضاعفت التحدياتُ التي واجهت مجاهدي الجيش واللجان، الغارات لا تتوقف، تضرب مجاميع الأسرى أينما وجدتهم، ما وضَعَ المجاهدين في سباق مع الوقت وتحَدِّي اجتياز المكان في المنطقة المحرّرة ٣٥٠كم2، وهي مساحةٌ واسعة تنعدم فيها الطرقاتُ التي حتى وإن وُجدت يصعُبُ إدخال السيارات إليها؛ لسببين.. الأول: تضاريس المنطقة شديدة الوعورة، والثاني: كثافة تحليق الطيران الحربي وتضاعف غاراته على كُـلّ الأهداف المتحَرّكة والثابتة كالمعسكرات والمواقع التي أخلاها وخرج منها آلافُ المخدوعين، والعدد هو تحَــدٍّ آخر لا يقلُّ عن تحديات البيئة الحربية وأجواء المعركة، التي يلمس المعاينُ لها والحاضرُ فيها كيف نجح المجاهدون في تحويل الظرف العسكري القاسي إلى لحظةٍ إنسانيةٍ مفعمةٍ بالمسؤولية وبالروح الجهادية، برزت تجلياتها في التعامل الأخلاقي الكبير مع الأسرى الذي بدا بعضٌ منه في مَشاهِدِ الإعلام الحربي المنشورة لعملية نصر من الله..
ولو كان بهم خصاصة:
لا يخفى أن استسلامَ الآلاف من منتسبي ثلاثة ألوية كان نتاجَ تظافُرِ عدة عوامل عسكرية من بينها الحصار، الماءُ والغذاءُ نفدا سريعاً بعد انقطاع خط الإمداد الوحيد من داخل نجران إليهم، والمفارقة هنا أن الجوعَ كان يعصفُ أَيْـضاً بعشرات المجاهدين الذين استمروا في عملياتهم دون استراحة بانتظار انتهاء مهمة أطال من عمرها عددُ الأسرى الكبير، وتمدُّدُ المهامِّ؛ لتتجاوز كثيراً حدودَ المعركة، ومع ذلك وَوسطَ جَــوٍّ من العناء والتعب والعطش والجوع، تقاسم المجاهدون لقمةَ عيشهم الصغيرة المحمولة على حقائبهم وعلبة الماء مع من وجدوهم من الأسرى، بل إن البعض (وهي شهادةٌ أنقلُها من واقع تواجُدِي) جَادَ بما يملِكُ من الزاد للأسرى ولم يحتفظ لنفسه بشيء، وهي مواقفُ تركت أثراً بالغاً في نفوس الأسرى الذين ما تزال بنادقُ الكثير منهم محتفظةً بحرارتها بعد الرصاص المضروب!