من عمق آلامنا ينبثق الصمودُ ويُصنَعُ النصر
أمل المطهر
بين الآونة والأُخرى تمرُّ علينا ذكرى مجزرة من عشرات المجازر التي ارتكبها تحالفُ دول العدوان بحَقّ أبناء الشعب اليمني الصابر الصامد، مجازرُ وحشيةٌ انتهكت فيها كُـلُّ حقوق الإنسانية، وتمادى فيها العدوُّ في وحشيته التي أثبتت تجرده التام من المبادئ والقيم الأخلاقية والإنسانية والعسكرية.
وها هي ذكرى مجزرة الصالة الكبرى التي استهدف فيها العدوُّ السعودي صالةً للعزاء في العاصمة صنعاء تطِلُّ بكل ذكرياتها الموجعة وصورها المؤلمة.
رائحةُ الدماء والأجساد المتفحمة والقطع البشرية لعشرات الضحايا الذين تناثروا في زوايا المكان، تلك المجزرة المروعة لم تفاجأنا كشعبٍ وعى وعرف عدوَّه وعرف أساليبَه ومنهجيتَه وطرقَه القذرةَ؛ لذلك لن يكون مرور تلك الذكرى مروراً يُحْيي الوجعَ في قلوب أسر الضحايا فقط، ولن تمرَّ هذه الذكرى ونحن نذرف الدموعَ على الأطلال ونشعل الشموعَ فوق الخراب ونضع الورودَ على ما تبقى من الأجساد المدفونة في الركام، لن تمرَّ ونحن ندعو ونتضرع لأممهم المتحدة؛ لتأخذَ لنا بثأرنا وتوقف هذا التجبر والوحشية.
ذكرى هذه المجزرة وغيرها من المجازر أتت ونحن ماضون دونما توقفٍ لصنع سلامنا، ماضون في طريق حريتنا وخلاصنا، فنحنُ شعبٌ لا نحبّذُ الوقوف عند آلامنا لنكتفيَ بكتابتها في دفتر ذكرياتنا؛ لنقرأها بين الحين والآخر، فكلُّ ما ازداد وجعنا وكَثُرَت آلامنا كبرت حمولتنا وسعينا للبحث عن دوائنا لاقتلاع سبب تلك الأوجاع من جذورها.
وها هو واقعنا يحكي للعالم أنه مع قدوم ذكرى مجزرة الصالة الكبرى أين أصبحنا ونحن نحيي تلك الذكريات الموجعة، وأين أصبح عدوُّنا وهي تُعرض عليه؛ لتذكره بما جنت يداه وتتوعده بالمزيد من التحَرّك لأخذ الثأر.
فنحن نقولها بصوت الحَقِّ العالي والدامغ للباطل: نحن هنا في كُـلّ أرضٍ للمواجهة، نواجهكم بقوة الله وبعدالة القضية وثبات المنهجية انتصرنا وما زلنا ننتصر.
ها نحن نصنع من تلك الذكرى مشعلاً يضيء لنا دروبنا أثناء مضينا في طريق الثأر من عدونا؛ للتنكيل به ومع مرور ذكرى كُـلِّ مجزرة نزداد همّةً وعزماً على المضي قدماً دونما تراجع، فنحن لن نسمحَ لها بأن تكون ذكريات تصيبنا بضعف أَو وهن، أَو ترجعنا إلى الخلف خطوةً واحدة.
صحيحٌ أننا نسترجعها في الذاكرة وقلوبُنا تتفجر حممًا، لكنها في وجه عدونا تفجّرت وقذفت نيرانها غضباً وسخطاً عليهم.
ذكرى مجزرة الصالة الكبرى في ذلك اليوم كانت بمثابة الصفعة القوية التي نبّهت البعضَ إلى أن الجميعَ في هذا الوطن مستهدفٌ ولا حرمةَ لدمه عندهم، فكانت النتيجةُ عكسيةٌ على العدوِّ، بالتلاحم والتكاتف والوقوف صفاً كالبنيان ضدَّه ولمواجهته.
فما أعظم أن تمرَّ هذه الذكرى ومسيراتنا تهدد العدوَّ كُـلَّ ثانية، وتجعله في حالة استنفار دائم، وصواريخنا تنزل على رأسه كالعذاب الذي ينزل بغتةً من السماء، فتلك المجازرُ زادت فوق العزيمةِ عزائمَ وفوق الهمةِ همماً.
فلتفهم أيها العالمُ بأن اليمانيين لا يجيدون لغةَ الاستجداء ولا يفهمون معنى التوسل لغير الله تعالى، والعاقبة للمتقين.