قراءة في مشاهد عملية نصر من الله
صفاء فايع
ما زال الإعلامُ الحربي يبثُّ لنا حتى اليوم مشاهدَ جديدةً من أكبر عملية استدراج منذُ بدء العدوان على اليمن.. العمليةُ العسكرية “نصر من الله”.
وبالطبع ليس بالغريب أبداً أن يصِفَ أحدُ مرتزِقة العدوان والنافخين في بوقه هذه العمليةَ بالفيلم الهوليدي، فعقليته المادّية التي تربّت على المعادلات الحسابية فقط، لن تستطيعَ أن تستوعب عمليات التأييد الإلهي لعباده المؤمنين الصادقين الذين يحملون في أعماق قلوبهم قضيةَ دينٍ ووطن، ولكنه لا يُلام أبداً في وصفه، فقد وقف المؤمنون أنفسُهم مشدوهين أمامَ شاشات التلفزة عندَ مشاهدة مقاطع وصفتها أنا بالملحمة التاريخية.
مشاهدُ تكاد تكون أقرب إلى الخيال منه إلى الصدق، إذَا نظرنا للأمر من زاوية المقارنة بين إمْكَانيات كلا الطرفين، فعن أيِّ مشهد يجب على الكاتب أن يكتبه، وعن أيِّ مقطع يجب على المحلل أن يحلله؟! وكلُّ ما تمَّ عرضه يقول جملة واحدة: (هو الله).
رأينا آلاف الأسرى كقطيع الأغنام يُساقون في طوابيرَ طويلةٍ وقد استسلموا استسلاماً مطلقاً لمصيرهم الذي يبدوا من قسمات وجوههم أنهم غيرُ خائفين منه، فمن المؤكّـد أنهم قد سمعوا ولمسوا أخلاقَ الأنبياء في الأنصار.
فيتم تضميد جراحهم وإشباع بطونهم وكأنهم لم يكونوا قبلَ قليل يضربون على الطرف الذي أنقذهم النارَ بكلِّ حقد وكراهية في محاولة لإبادتهم (إبادة الأنصار) عن بكرة أبيهم، ومن أجل ماذا؟ لا يعرفون! بدون قضية أَو مبدأ تحَرّكوا إلى ساحات القتال؛ ليبيعوا أنفسهم بريالات قليلة.
رأينا عشراتِ المدرعات والآليات الحديثة قد انقلبت رأساً على عقب، وخرجت من الطريق المعبدة المرصوفة والمخصصة لسيرها إلى بطون الوادي وتحت التلال.. بحيثُ يبدو للمُشاهد أنها قد انطلقت كالصواريخ فراراً لتسابق الزمان والمكان والرياح؛ خوفاً من المصير الذي لم يكن منه مناصاً في الأخير.. وأُخرى تُساق كما حال سائقيها قبلَ وقت قصير في طوابير طويلة خاضعة ذليلة رغم كُـلِّ ما تحمل من فخامة وكفاءة وإمْكَانيات قتالية، لكنها تستسلم أمام سلاح شخصي بسيط يرفعه مجاهدٌ واحدٌ فتقطع الطريقَ عن باقي الآليات لتمنعها من العبور.. ثم تُساق غنيمة مع أخواتها بالعشرات.
رأينا المئاتِ من جثث المرتزِقة والمخدوعين متفحمةً، بعضها جراءَ الغارات العنيفة التي شنَّها العدوانُ عليهم، وبعضها مقطعة الأوصال في صورة شنيعة جِـدًّا توضح نهاية كُـلِّ خائن وعميل، ورأينا كيف يقوم المجاهدون بتضميد الجرحى وطمأنتهم أنهم في أمان.
رأينا مئات الأسلحة الشخصية التي تمَّ تسليمها من الأسرى، أَو تم اغتنامها من ساحة المعركة، رصفت بها مساحة واسعة من الأرض وكأنما تمَّ تعبيد الطريق بالسلاح لكثرة عددها.
رأينا مخازنَ للأسلحة فيها آلاف الذخائر والأسلحة تسقط في يد الأنصار بكميات كبيرة سجلها مصورو الإعلام الحربي وهم في غاية التعجب والاستغراب ممن يملك كُـلَّ هذه الأسلحة واستسلم أمامَ من لا يملك إلا سلاحَه الشخصي.
رأينا المساحةَ الكبيرة التي تمَّ تطهيرها من قبل الجيش اليمني والتي كانت مساحتها 350 كم2، حتى وصل الأنصار إلى ما بعد أطراف مناطق العدوان.
رأينا ألفي أسير ولم يحدث بحرب أن يصلَ عددُ الأسرى بالآلاف إلا في الحرب العالمية الثانية، فقتل 500 منهم، 200 بطيران العدوان الذي وصلت عدد غاراته على مرتزِقته 350 غارة جوية.
رأينا وزيرَ الدفاع يشارك في العملية ويزور المرابطين ويفحص الآليات ونحن كما نعلم أنَّ أكبرَ ضابط في أية معركة، عمله أن يصدر الأوامر ويقوم بدفع الجنود للساحات، ويحافظ هو على رأسه، فما بالكم بوزير دفاع يتحَرّك في ساحة المعركة رغم تكثيف الطلعات الجوية سواءً الراصدة أَو المنفذة للضرب بعدَ أن جُنَّت من نجاح عملية الأنصار وانكسار مرتزِقتها واستسلامهم.
رأينا الريالَ السعودي الذي تم دفعه للمرتزِقة؛ ليبيعوا به أنفسهم ودينهم ووطنهم من أجله، رأيناه يُحرَق بنفس الأداة التي أحرقت آلياتهم ومدرعاتهم من قبلُ وفي هذه المعركة نفسها.. هذه الأداة التي مثّلت عصا موسى وجعلت فخر الصناعات القتالية والتي كان آخرها الكندية رماداً تذروه الرياح.
رأينا العالم يقف مذهولاً أمام قوة وشجاعة المقاتل اليمني، وأمام مشاهد هذه العملية، حيثُ تم بث وتداول المقاطع في عدد من القنوات، منها القنوات العربية وكذلك القناة الكورية.. ورأينا السعودية تقف خرساء لا تستطيع أن تنفيَ ولا أن تؤكّـد.. فقد انكشف الغطاءُ التي طالما تستخدمه لنفي أية عملية يمنية ضدّها بوضع شماعة إيران، وذلك عندما تكلّم الجنود السعوديون من هم ولماذا أتوا وكيف تمَّ التعامل معهم، وكما صرّحت أسماء وشعارات القوات العسكرية السعودية المكتوبة فوقَ أبواب ومؤخرات الآليات والطقوم.. ثم يقوم الأنصارُ بترقيمها وكأنها أغنامٌ للعيد وتنتظر ذبحها.
100 كاميرا للإعلام الحربي رصدت العمليةَ التي لو جنحت السعودية للسلم وردّت التحية التي بادر بها الرئيس المشّاط قبلَ أيام من إظهار العملية أَو ردتها بمثلها أَو بأحسنَ منها لما تمَّ عرضها.
أخيراً، عمليةُ “نصر من الله” التي حدثت في ساحة الانتصارات منذُ أيام الحروب الست (وادي آل أبو جبارة) لا يمكن وصفها إلا بزلزلة إلهية أَو ملحمة تاريخية أعلنت اليمنُ من خلالها قوتَها التي طالما استهان بها الأعداءُ، وأعلنت السعودية بها انتحارها المؤكّـد والموثوق.