كيف أصبح اليمن لاعباً دولياً؟
إبراهيم السراجي
لو عُدنا بالذاكرةِ إلى لحظة إعلان العدوان على اليمن وتشكيل تحالف من أكثرَ من عشر دول تدعمُها أمريكا وبريطانيا وفرنسا، سنجدُ أنه في تلك اللحظة، وعلى الرغم من الحجم الكبير للعملية التي ستحدُثُ في المنطقة الأكثر حساسيةً في العالم، وهي ما يسمى بمنطقة الشرق الأوسط، إلا أننا لم نشهدْ في ذلك اليوم أيَّ اضطراب في الأسواق الدولية، ولا أيةَ مخاوف اقتصادية أَو أمنية، وفي ذلك الوقت كان لحدَثٍ مثلِ استهداف ناقلة نفط سيتسبب باضطراب في الأسواق الدولية والذي لم يتسبب به إعلانُ الحرب على اليمن؛ وذلك لأن اليمن كان إلى ذلك الحين ما يزالُ دولةً هامشيةً وملعباً للقوى الكبرى دون أية مؤهلات للتأثير على محيطه الإقليمي والدولي.
وعلى الرغم أَيْـضاً من حجم الحرب التي يُفترَضُ أن تسحقَ اليمنَ إلا أنه بدأ تدريجياً في اتخاذ موقع مؤثّر في الساحة الدولية لم يعهدها اليمن على مدى العقود الماضية، بل وربما على مدى القرن الماضي، وكان هذا الموقعُ في البداية متواضعاً وناتجاً فقط عن صمود الشعب اليمني وهو الصمود الذي مثل أَو خطوات اليمن ليكونَ لاعباً دولياً ومؤثراً، بداية من خلال أن هذا الصمود أغرق دولَ العدوان في مستنقع صعبٍ ساهم في تخفيف الضغوط على سوريا التي بدأت منذ ذلك الحين تقلب الطاولة على الأمريكيين والسعوديين ومئات الآلاف من المسلحين الذين جيء بهم من أقطار العالم.
كما إن الصمود اليمني ساعد العراق أَيْـضاً على التعافي وإفشال المخطّط الأمريكي لفصل إقليم كردستان عن العراق لنفس الأسباب المتعلقة بغرق القوى اللاعبة في العراق في مستنقع اليمن. وفي لبنان أَيْـضاً لم يكن لهذا البلد المحكومةِ بالتأثيرات الخارجية، أن يشهدَ تنصيبَ رئيس جديد على غير هوى السعودية وتشكيل حكومة وانتخاب برلمان جديد لولا الصمودُ اليمني الذي أنهك كُـلَّ القوى الدولية المشاركة في المؤامرات على سوريا والعراق ولبنان.
فاعليةُ الصمود اليمني والموقف الرسمي والشعبي أسهم أَيْـضاً في إفشال ما سمي بـ”صفقة القرن” التي سعت أمريكا وعملاؤها في المنطقة من خلالها إلى إنهاء القضية الفلسطينية ومنح القدس والأرض العربية بالكامل للكيان الصهيوني.
أما اليوم وخصوصاً منذ مطلع العام الجاري مع تنامي القدرات الجوية والصاروخية اليمنية وارتفاع مستوى القوات اليمنية البرية من حيث العددِ والنوعيةِ والانتصارات التي حقّقتها في مختلف الميادين، فكلها قد منحت اليمنَ موقعاً متقدماً في السياسة الإقليمية والدولية، ومن علامات ذلك هو لجوءُ روسيا إلى تقديم ورقة تتعلق بأمن المنطقة وتسليمها لدول المنطقة ومنها اليمن ممثلةً بالمجلس السياسي الأعلى.
وكما عُدنا في البداية إلى لحظة إعلان العدوان على اليمن وكيف أن ذلك لم يؤثر على الأسواق والاقتصاد الدولي، لنقف اليوم عند اللحظة الراهنة، ففي ظل الحديث عن مساعي التهدئة في المنطقة برمتها تارةً وعن توجّـهات للتصعيد الشامل في منطقة الشرق الأوسط سنجدُ أن كُـلّ تلك المساعي وكل تلك التوجّـهات لا يمكن قراءتُها دون المرور باليمن ودون طرح أسئلة عن موقف اليمن من كُـلّ ما يجري وسطَ قناعة تامة أن اليمن بات لاعباً رئيسياً لا يمكن بدونه تحقيقُ السلام في المنطقة ولا يمكنُ استبعادُهُ من التأثير في حالة التصعيد.
صحيحٌ أن اليمنَ لم يتجاوز بعدُ محنةَ العدوان وما خلّفه من دمار ومأساةٍ إنسانية إلا أنه استطاع في وقت مبكر أن يستعيدَ موقعَه في الخريطة الإقليمية والدولية بعدَ ما ظل لعقود مجرّدَ حديقة خلفية يتحكّمُ بها النظامُ السعودي كوكيل للمشروع الأمريكي.