قواتٌ أمريكية إضافية في السعودية: فصلٌ جديدٌ من “الابتزاز”.. وردٌّ سلبي على مبادرة صنعاء
الحوثي: زيادة عدد القوات الأمريكية لن تحميَ الرياض ومزاعمُ “مواجهة إيران” باتت مفضوحة
ترامب: المملكة ستدفع تكاليف كل ما نفعله
المسيرة | ضرار الطيّب
معلِناً عن فتح فصل جديد من “الابتزاز”، أَو من ما بات يُعرَفُ في الأوساط الإعلامية بـ”الحلب”، قال الرئيسُ الأمريكي دونالد ترامب: إن السعودية وافقت على أن “تدفع” مقابل كُـلّ ما تفعله الولايات المتحدة لحمايتها، قاصداً بتلك “الحماية” القرارَ الأخير بإرسال قوات ومعدات أمريكية جديدة إلى السعودية؛ “لتعزيز دفاعات المملكة” بعد هجوم الرابع عشر من سبتمبر الذي نفذته القوات المسلحة اليمنية على حقول ومعامل “بقيق” و”خريص” والذي خفّض إنتاج النفط السعودي إلى النصف، واضعاً الرياض والولايات المتحدة في قلب فضيحة عسكرية واقتصادية لا زالت أصداؤها تتردد حتى اليوم.. فضيحة سعت “واشنطن” كعادتها لاستثمارها باستخراج المزيد من الأموال السعودية، مقابل إرسال دعم عسكري مادي وبشري، وهو الأمر الذي يؤكّـد أولاً على أن الإدارة الأمريكية لا زالت مُصرة على تكريس عذر أن “السعوديين لا يجيدون استخدام المعدات الأمريكية”، كما يؤكّـد على أن الولايات المتحدة ترفض، وبشكل علني، عملية السلام التي كانت صنعاء قد بدأت بفتح أبوابها ولو بشكل أحادي من خلال مبادرة رئيس المجلس السياسي الأعلى.
“سنرسل قوات إضافية للسعودية؛ لأن قيمة مشترياتهم من الأسلحة تبلغ مئات المليارات من الدولارات، وبطلب مني وافقت السعودية على أن تدفع لنا تكاليف كُـلّ ما نفعله لمساعدتهم”.. هكذا جاءت تصريحات ترامب عقب إعلان وزير الدفاع الأمريكي عن إرسال قوات جديدة إلى السعودية، تقول صحيفة “واشنطن بوست” إن قوامها البشري يصل إلى 1800 جندي، وتقول “بي بي سي” إن ذلك يرفع عدد القوات الأمريكية في المملكة إلى أكثر من 3000 جندي، ومع هذه القوات معدات دفاعية وقطع بحرية ومقاتلات جديدة؛ وذلك لرفع مستوى “الحماية” على الأراضي السعودية بعد الهجمات الأخيرة المزلزلة على منشآت أرامكو.
ترامب الذي لم يغفل الإشارة إلى المال في كُـلّ مرة يتحدث فيها عن السعودية، يؤكّـد هنا على أنه ملتزم بسياسة “الاستفادة” من السعودية مهما كان الوضع، فعلى الرغم من أن هجمات “بقيق” و”خريص” مثلت ضربة تأريخية على الاقتصاد السعودي ومست المصالح الأمريكية بشكل مباشر، إلا أن الولايات المتحدة رأت أن طريق “الحلب” هو أقصر الطرق للتعامل مع تلك الضربة، وهكذا قدمت القليل من قواتها ومعداتها للحصول على أموال جديدة لا شك بأنها طائلة.
تقول الولايات المتحدة إن قواتها الجديدة ستعزز مستوى “الحماية” لتجنيب المملكة ضربات أُخرى، ولكن ما الجديد الذي ستفعله القوات الأمريكية في سبيل ذلك؟ للإجابة يعود بنا السؤال نفسه إلى ردود الفعل الأمريكية حول العديد من الضربات اليمنية التي تلقتها السعودية على مدى سنوات الحرب، حيث يفضّل المسؤولون الأمريكيون دائماً القول بأن “السعوديين لا يجيدون استخدام منظومات الدفاع الأمريكية” وهو عذر “تجاري” واضح تريد واشنطن من خلاله أن تغطي على حقيقة فشل إنتاجاتها العسكرية، لكن حتى إذَا فرضنا صحة ما يقوله الأمريكيون، فما زلنا نعلم جيَدًا أن هجوم “بقيق” و”خريص” جاء بعد أيام من إعلان الولايات المتحدة نشرَ قوات عسكرية متخصصة بإدارة المنظومات الدفاعية داخل المملكة (وصلت إلى قاعدة سلطان في يوليو) الأمر الذي يعني، بمنطق الولايات المتحدة، أن الأمريكيين أَيْـضاً لا يجيدون استخدام هذه المنظومات!
لكن على الرغم من ذلك، عقب هجوم الرابع عشر من سبتمبر، حرصت الولايات المتحدة على تكريس الرواية المزيفة التي تقول إن الهجوم نُفِّذَ بأكثرَ من 20 طائرة مسيّرة وعدة صواريخَ مجنحة متطورة، وأنه لم يأتِ من اليمن.. وكانت هذه محاولة واضحة لتبرير فشل منظومات الدفاع الجوي الأمريكي في التصدي للهجوم، من خلال الإيحاء بأن القائمين (السعوديين) على هذه المنظومات لم يستعدوا لمثل هذا الوضع.
وفقاً لهذا، يكشف قرار إرسال القوات الأمريكية الجديدة إلى السعودية أن توجّـه واشنطن ما زال قائماً على تكريس عذر “عدم إجادة القوات السعودية التعاملَ مع المنظومات” فمن جهة، يعتبر هذا كُـلّ ما تستطيع الولايات المتحدة قوله لتبرير فشل منظوماتها، على الرغم من أنه عذر غير مقبول، ومن جهة أُخرى، يبقي التمسك الأمريكي بهذا الأمر الباب مفتوحاً أمام ترامب؛ لممارسة المزيد من الابتزاز، وهو ما ترجمه القرار الأخير بإرسال القوات الجديدة، وأوضحته تصريحات ترامب أيضاً.
على الجانب اليمني، ليس قدوم قوات أمريكية إلى السعودية بالأمر المستغرب، بل أصبحت مثل هذه الخطوات تمثل -بعد أكثر من خمس سنوات- دلائل واضحة على فاعلية قوة الردع اليمنية في المعركة التي حاولت الولايات المتحدة توصيفها طيلة هذه المدة بأنها “حرب ضد إيران” لكنها اليوم تقر بأنها معركة اليمن في مواجهة الهيمنة الأمريكية.
هذا ما أكّـد عليه عضو المجلس السياسي الأعلى، محمد علي الحوثي، الذي علق على قدوم القوات الأمريكي الجديدة قائلاً: “ما لم يحقّقه 14000 جندي لا يمكن أن تحقّقه الزيادةُ المعلنة سواءٌ أكانت2000 أو3000″، وأضاف أن “مزاعم المواجهة مع إيران من السعودية باتت مفضوحة”، موجهاً رسالةً للإدارة الأمريكية بأن “الشعب اليمني الذي لم تُخِفْه قواتُكم السابقة وسلاحكم وقيادتكم للعدوان، هو بالتأكيد لا تقلقه زيادة أعدادكم”.
وبالحديث عن المجلس السياسي الأعلى، فقد جاءت خطوةُ إرسال قوات أمريكية جديدة إلى السعودية، بمثابة ردٍّ سلبي على مبادرة السلام التي قدمها رئيس المجلس، مهدي المشّاط، عشية الذكرى الخامسة لثورة 21 سبتمبر، ففيما يشيرُ بعض المحللين إلى أن الولايات المتحدة استغلت استمراريةَ هذه المبادرة لإرسال قواتها في الوقت الذي لا تتعرضُ فيه المملكة لأية ضربات تختبر القدرات الأمريكية، يؤكّـد الأغلبيةُ على أن الأمر جاء رداً واضحاً من قبل الأمريكيين برفضِ خيار السلام، وهو الأمر الذي تدعمُه الكثير من المؤشرات، حيث لا زالت مبادرةُ الرئيس المشّاط حتى الآن بدون أية استجابة حقيقية أَو فعلية، ولا زالت هجماتُ العدوان على اليمن متواصلةً بشكل يومي.
الرئيسُ المشّاط كان قد أعلن في خطابه بمناسبة ذكرى ثورة 26 سبتمبر بأنه خلال “أيام محدودة جداً” سينتهي تقييمُ استجابة السعودية للمبادرة، وفي ظل انعدام أية مؤشرات إيجابية عن هذه الاستجابة، ومع تصاعد واستمرار المؤشرات السلبية، وبإضافة وصول القوات الأمريكية الجديدة، فإنَّ احتمالاتِ استمرارِ المبادرة لوقتٍ أطولَ تتقلّصُ أكثرَ فأكثرَ.