الوضع قبل وبداية “الرسالة المحمدية”
أكرم عبدالله الرحبي
النبيُّ الأكرم محمدٌ -صلوات الله عليه وعلى آله- بُعِث والأمةُ العربية والعالم بكلِّه يعيش حالة رهيبة من الظلم والقهر والبطش والإجرام؛ نتيجة لتقبلها حالة الخنوع والاستسلام لطواغيت الأرض.
سادت في تلك المرحلة قبلَ مولد وبعثة النبي الأكرم حالةٌ كبيرة من الجهل في أوساط الشعوب وتعاظم الظلم والضلال، وزاد الطغيان على حدّه، حتى طغى وتمادى طواغيتُ الشر والإجرام، فازداد الفسادُ وتفشى وتغلغل الإفسادُ بين أوساط الشعوب من مشارق الأرض إلى مغاربها.
وكنتيجة غير طبيعية للوضع حينها، أشتد العمى وتفشى الجهلُ في الشعوب، وعاشت شعوبُ العالم العربي بالتحديد حالة مزرية من الانحطاط الشامل في كافَّة مجالات حياتهم الدينية والعسكرية والاجتماعية والثقافية والسياسةَ… إلخ.
حتى استحكمت وتمكّنت قوى الهيمنة والاستكبار العالمي (اليهود والنصارى) من إحكام قبضتهم والسيطرة عليهم والتحكم بهم، كما هو حال شعوب عالمنا اليوم.
فكانت الأمَّـةُ تعيش في مرحلة خطيرة، وتمر بمنعطف خطير، وتعاني من حالة انحطاط مزرية وغير طبيعية؛ بسبب غياب وانعدام الوعي، والتنصل عن تحملها للمسؤولية الدينية والإنسانية؛ ونتيجة لتخاذلهم وابتعادهم عن مصادر ومنابع الهدى والأعلام من أئمة الهداة من ذرية نبي الله إسماعيل عليه السلام، حيث عاشت في حقبة الظلمة والعتمة والجهل المطبق، حتى جاء النبي الأكرم محمد -صلوات الله عليه وعلى آله-، ليحرّرهم وليخرجهم من الظلمات إلى النور، حيثُ قال الحَقُّ جل في علاه: (رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إلى النُّورِ ۚ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا، قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقًا).
هذا الرسولُ الأعظم عانى معاناة شديدة، وذاق الأمرين في نشر الدين الإسلامي الحنيف وتوعية المجتمع الإسلامي، لم يهدأ له بال، لم يضعف أَو ييأس أَو يتذمر من واقع المجتمع حينها، بل كان هو صاحب السبق والمبادرة لنقل المجتمع من مرحلة الهوان والركود والجمود والضعف والهزيمة، إلى مرحلة النهوض والتحَرّك والجهاد وإزهاق الباطل وإعادة تصحيح مسار الانحراف المتفشي في واقع وثقافة الأمَّـة، عمل النبيُّ الأكرم على إحداث نقلة كاملة وإحداث تغيير إيجابي حقيقي شامل في النفوس، والذي انعكس في واقع الميدان العملي.
كان تحَرّكُ النبي الأكرم تحَرّكاً ثورياً جهادياً شاملاً، وفق منهج وقيادة وأمة، مشروعاً قرآنياً متكاملاً من الهدى والنور، يخرج الأمَّـةَ من ظلمات شاملة في كافَّة الاتّجاهات، إلى نور شامل بما يعنيه النور الإلهي الذي منحه الله للعالمين.
عرفتم كيف كان المشهد العام في ذلك الزمان، وذلك المجتمع، وذلك الوضع القائم حينها، هكذا تحَرّك سيدنا محمد -صلوات الله عليه وعلى آله- وقام بدوره ومسؤوليته الرسالية على أكمل وجه.
فكانت المرحلةُ تتطلب التحَرّك من رجال مؤمنين صادقين، يعتصمون بحبل الله ليكونوا أنصاراً لدينه، رجال صادقين لله، مجاهدين في سبيل الله، ثوار، عظماء، كرماء، شرفاء، أحرار، كما هو حال المجاهدين اليوم، ليكونوا هم تحت قيادة النبي وآله، قادة الأرض من مشارقها إلى مغاربها.
وهذا ليس إلا جانباً بسيطاً ومحدوداً من تسليط الضوء على الواقع وعلى الدور الرسالي ومهمة النبي الأكرم محمد -صلوات الله عليه وعلى آله- من بعثه اللهُ رحمةً للعالمين.