رئاسةُ تونس من بوابة فلسطين
رئيس التحرير
لفت انتباهي وإعجابي ما تحدَّثَ به الرئيسُ التونسي قيس سعيد في مقابلة تلفزيونية حول طبيعة العلاقة مع إسرائيل والقضية الفلسطينية، حيث أكّـد (أن طبيعَة علاقة العرب مع إسرائيل هي حالة حرب، وأن مصطلح “التطبيع” خاطئٌ وأن الكلمة الصحيحة هي “الخيانة العظمى”، وأن كُـلَّ من يتعامل مع الكيان الإسرائيلي خائنٌ ويجبُ محاكمتُه بتهمة الخيانة العظمى، مُشيراً إلى أن موقفَ تونس يجبُ أن يتماشى مع موقف السلطة الفلسطينية بما يحقّق دعمها).
هذا الموقفُ المبدئي والصريح لم يأتِ من فراغ، وإنما جاء نتيجةً لمعرفة دقيقة بحقيقة الكيان الصهيوني الغاصب، وطبيعة العداء معه، وهو يوضحُ أن وراء هذا الموقف قناعةً راسخةً بأن الاحتلال الإسرائيلي كيان غاصب، وعدوٌّ حقيقي للأمة العربية والإسلامية ويشكل أبرز المخاطر عليها.
موقفُ الرجل -الواصل حديثاً إلى قصر قرطاج بانتخابات ديمقراطية- ينُــمُّ عن رؤية صحيحة بأن لا مخرج لكل شعوب الأمة العربية والإسلامية من مخاطر الكيان الصهيوني ومؤامراته إلا بالمواجهة، وهي الحالةُ الطبيعية كما وصفها سعيّد وتحرير كافة الأرض التي اغتصبها وإعادة كافة أبناء الشعب الفلسطيني إلى فلسطين.
كما يؤكّـد هذا الموقف على حقيقة أن الاحتلال الإسرائيلي كيان غاصب، لا يهُمُّه الإصلاحُ في الأرض على الإطلاق؛ لأن الصهاينة المحتلين في واقعهم شريرون، يقيسون الأشياءَ بمقياس مصالحهم، لا يهمهم باقي البشر، قلوبهم فاسدة وخبيثة ولا يمكن أن تنظُرَ إلى البشرية نظرةَ رحمة ولا رعاية على الإطلاق.
وما يجب الانتباه له أن تصريح الرئيس التونسي المنتخب جاء في الأيّام الأخيرة لحملته الانتخابية أي قبل أيام من التصويت النهائي، وبالتالي فإن انتصارَه في الانتخابات بشكل كاسح لاحقا أكّـد أنه عندَما يستمدُّ الحكام شرعيتَهم من الشعوب فإنهم لن يكونوا بحاجة لخيانة أوطانهم والقضايا العربية والإسلامية، وأكّـد أَيْـضاً أن الموقف من القضية الفلسطينية يعد من أهمّ ما تتطلع إليه الشعوب، في المقابل نجد أن الأنظمة التي تفتقد للشرعية الشعبيّة كالنظام السعودي، تتجّهُ لخيانة القضايا المركَزية للأمة؛ كي تحظى بالحماية والدعم الأمريكي، بالتقرب والهرولة نحو الكيان الصهيوني.
ولعل الرئيس التونسي وبهذا الموقف المتميز يعد من الرؤساء القلائل الذي يعي طبيعةَ الصراع مع العدوّ الإسرائيلي.
وما ظهر جلياً هو الشعبيّةُ الكبيرة التي حظي بها الرئيسُ التونسي وأهّلته للوصول إلى الرئاسة، وهو ما يعني أن الشعبَ التونسي لديه من الوعي والبصيرة ما تجعلُه يميّزُ بين عدوِّه وصديقه، ويؤمِنُ بحقيقة العداء مع العدوّ الصهيوني الغاصب، وَإذَا ما قسنا هذا الوعيَ العاليَ على بقية الشعوب العربية فسندركُ أننا أمام حقيقة أن الشعوبَ العربية والإسلامية تعرفُ جيَدًا من هو عدوُّها وتعرفُ أَيْـضاً من هو صديقها، وتدركُ جيَدًا خطورةَ الكيان الصهيوني عليها، وأن إقدامَ بعض الأنظمة العربية الخائنة مؤخّراً على التطبيع المعلَن مع الكيان الصهيوني لا يعبّر عن موقف شعوب تلك البلدان إطلاقاً.