كيف نعزز ارتباطنا برسول الله -صلواتُ الله عليه وعلى آله-
أبو الباقر الجرادي
معرفةُ الرسول -صلواتُ الله عليه وعلى آله- قضيةٌ هامةٌ جِـدًّا، في أن يعرف الناسُ فعلاً أنه نعمة عظيمة من الله؛ ولهذا قال الله: (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ) وفي نفس الوقت يجب أن يستوحي الناسُ من سيرته، يستلهمون من حركته كيف يتحَرّكون وكيف يعملون، ولو لم يكن رسول الله -صلواتُ الله عليه وعلى آله- موجوداً بينهم، لكنه موجوداً بآثاره، إذَا حاولنا أن نعرفه هو وليس فقط نعرف أنه قائد المعركة الفلانية بتاريخ كذا وعدد كذا.. إلخ، لا، تعرفه هو لتعرف كيف كان دقيقاً في عمله وكيف كان حكيماً في تعامله مع الأحداث وتعامله مع الناس وكيف كانت نظرته إلى الناس بشكل عام بما فيهم الأعداء، جانب الرعاية والتعليم والتزكية؟ (وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ) جانب تربيتهم، لينشئوا أمة على مستوى عالٍ، هذه المهمة هي التي كانت بارزة في شخصية الرسول -صلواتُ الله عليه وعلى آله- في ممارساته وسلوكه مع الناس الذين هم أولى بهم من أنفسهم (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ)؛ ولهذا قال الله عنه: (لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ) يعز عليه ويؤلمه أية مشقة تلحقكم، هذه صفة هامة جِـدًّا (عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ) أي مشقة تلحقكم (حَرِيصٌ عَلَيْكُم) بكلِّ ما تعنيه الكلمة، حريص عليكم بأن تنشئوا أمة مستقيمة، بأن تكونوا أمة قوية، بأن تنشئوا رجالاً حكماء، أصحاب نفوس زاكية، أصحاب نفوس عالية، حريص أن لا يلحقكم أي ضرر مهما كان، (بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ).
الله عندما قال للناس أن يتبعوا رسولَ الله -صلوات الله عليه وعلى آله-، كيف قال للنبي كيف دوره معهم؟ يعلمهم الكتاب، والحكمة، ويزكيهم، أنت عندما تتبع علماً من أعلام دين الله، معناه أنه هو من سيقدّم لك من المعارف ما لا يمكن أن تصل إليه بنفسك، هو من يمكن أن يبني نفسك بالشكل الذي لا يمكنك أنت أن تصل إليه، الله يقول لنبيه: دعوه يزكي أنفسكم، أتركوه يعلمكم، كيف نعمل؟ اتبعوه، وهو سيقوم بالمهمة، وكلُّ كلمة تنطلق من فمه اجعلوا لها أهميتها؛ لتطلعوا علماء وَعباقرة وَعظماء، لتطلعوا بالشكل الذي لا يمكن لأي شخص منكم أن يصل إليه، عندما ينطلق على أَسَاس أنه يستطيع أن يبني نفسه، ومن يقول لك: إن الإتباع معناه أطلع جاهل، ارجع إلى التاريخ، من ذابوا في الإتباع للنبي كيف كانوا.
الله -سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى- قال لرسوله: (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ) إذَا أمَرَ يجب عليهم أن يطيعوه، إذَا هداهم إلى شيء يجب عليهم أن يتقبلوه، إذَا نهاهم عن شيء يجب عليهم أن يرفضوا هذا الشيء الذي نهاهم عنه.
قاعدة عامة يجب أن تفهموها إذَا لم تصح معرفة الإنسان لله -سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى-، ستظل الإشكالات دائماً تتابعه، مشاكل دائماً، لو يقرأ ثمانين سنة، افهموا هذه: لو يجلس يقرأ ثمانين سنة، تبقى معه إشكاليات، تتعمر بعمره، ما يتخلى منها، ولا يتخلص منها، إذَا صحت لنا معرفة الله -سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى- سيصح لنا كُـلّ المعارف الأُخرى.