ثورةُ التغيير ورسولُ الإنسانية
محسن الشامي
في المراحلِ الأولى للدعوة الإسلامية برهن الرسولُ -صلى اللهُ عليه وعلى آله- على عظمة هذا الدين، بل كان شاهداً حيًّا في سلوكه وأخلاقه وقيمه ومعاملاته، وَقدم برنامجاً عملياً انتخبته نواميسُ السماء وتلقفته الأرضون إلى فيض السحابة المحمدية، فاهتزت وربت وأنبتت ثمار الحرية والعزة والكرامة.
ذاع صيته فلُقّب بالصادق الأمين، وأخذ الكلُّ -البر والفاجر- ينطقون بهذه الصفات المحمدية على ألسنتهم: جاء الصادق الأمين، صفتان حملهما الرسول -صلى اللهُ عليه وعلى آله- كانتا بداية مؤشرٍ لعظمة الرجل الإنسان، وتلخّص مبادئ الدين، وتترجم عظمةَ المشروع الإلهي مع وجود القدوة.
لم يكن مَقدمُ الرسول الله -صلى اللهُ عليه وعلى آله- مفاجئاً، فالكثيرُ من الأنبياء لديهم معرفة، بل كان اليهودُ يرقبون هذا الحدثَ الكبيرَ، وحكت عنه الكتبُ السماويةُ (وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ)، على لسان عيسى بن مريم -عليه السَّلامُ-، وما شملته من دعوة إبراهيم -عليه السَّلامُ- (وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ).
وتمرُّ الأيّامُ والسنون، ولم يكن مولدُ الرسول محمد -صلى اللهُ عليه وعلى آله- ومجيئُ أبرهة الحبشي مع جيش جرّارٍ تقدمه الفيلة مُجَرّد صدفة، وإنما نتيجة معطيات يمتلكونها عن مولد سيظهر، والحديثُ عن هدم الكعبة هدفٌ ثانويٌّ لتضليلِ الرأي العام، فهدمُ الكعبةِ أمرٌ ظاهرٌ لا يوصف بأنه كيد لو عقل العرب (أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ)، فقد كانت حادثةُ الفيل والطير الأبابيل رسالة كافية، ومقدمة لاستيعاب نور الرسالة.