خياراتُ قريش تفشل
محسن الشامي
عرضت عليه قريشُ ثلاثةَ خيارات، فقال لعمه أبو طالب: “واللهِ يا عم لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره اللهُ أَو أهلِكَ دونه”، كان لا يعرف تقديم التنازلات على حساب الدين، لديه سقفٍ عالٍ يطاول عنانَ السماء كأَجْدَرِ مفاوض عرفه التاريخ، يحاور، نعم، لكنّه لا يقبلُ بأن يكونَ على حساب المستضعفين وقيمهم ومبادئهم.
علّم أصحابَه -كقدوة- الإنفاقَ كمجهود شعبي، وجعلهم يحقّقون اكتفاءً ذاتياً أثناء الحصار، واعتمدوا التمر كوجبة أَسَاسية في المنشط والمكره، وهكذا كانت طاعةُ الرسول واتباعه علامةً على محبّته وولائه.
لم يأتِ القُــرْآنُ بكلِّ التفاصيل عن حياة محمد -صلى اللهُ عليه وعلى آله- الجهادية، بل خطوط عريضة من خلالها ينفذ المنصفُ إلى معرفة مشروع الرسالة، ففي قوله -سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى-: (وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ) يتبادر إلى ذهن القارئ أنَّ رسولَ الله -صلى الله عليه وآله- لم يقدم على خطوات مهمة على خطوط المواجهة مع العدوّ، إلّا بعد أن فحص ميدان المعركة جغرافياً ومادياً وعسكرياً ولوجستياً، بل من يعتمد عليه في قيادة سير المعركة، ومن هم الأكفاء في تصدر قلب المعركة، بل كانوا يحتمون به إذَا حميَ الوطيسُ، كما قال ذلك الإمامُ علي -عليه السَّلامُ-.
المدرسةُ التي تخرّج منها رسول الله هي نفس المدرسة والمسار الذي تخرج منه أنبياء الله (قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ)، (فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ)، الدعوة إلى الله دعوة إلى توحيد الصف، ترسيخ مبادئ الحرية، العمل على تربية النفس وتوجيهها نحو المثل العليا، وهذا الأثر ناتج عن المعرفة المتكاملة بسعة هذا المشروع وأهميته وميدانه الأول، وبعد أن رسّخ الرسولُ –صلى اللهُ عليه وعلى آله- هذا المشروع سلوكاً وعملاً وقيماً وأخلاقاً وممارسة في نفوس أنصاره، أضفى إلى جانبه دوراً رقابياً من خلال المعرفة بالله -سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى-.