الهجماتُ على “أرامكو” تضعُ السعوديةَ في مأزق: إمّا الاكتتابُ بقيمةٍ أقل أَو استمرارُ التأجيل
وكالاتٌ وصحفٌ عالميةٌ: ابنُ سلمان يحاول تعويضَ العزوف الأجنبي بالضغطِ على الأثرياء السعوديين
المسيرة | متابعات
برغمِ إعلان موافقة هيئة السوقِ المالي السعودي عن قبولِ طلب “أرامكو” للتسجيل والاكتتاب العام، أمس، إلّا أنَّ مصيرَ هذه العملية لا يزال مجهولاً، إذ تؤكّـد المؤشراتُ أنه حتى إذَا تمَّ المضيُّ في ذلك فإنَّ تقييمَ الشركة لن يبلغَ الحدَّ الذي أعلنه وليُّ العهد السعودي (2 تريليون دولار)، بل سيكونُ أقلَّ من ذلك بكثير؛ بسبَبِ تأثّرِ وضع الشركة بعدَ هجمات الرابع عشر من سبتمبر اليمنية، التي استهدفت منشآتِ ومعاملَ “بقيق” و”خريص”؛ وبسبَبِ تخوّف المستثمرين الأجانب من الوضع الأمني للشركة، في ظلِّ استمرار خطر تعرّضها للضربات، وهو الأمرُ الذي لا زال النظامُ السعوديُّ يحاول التغطيةَ عليه بالضغط على أثرياء المملكة والحكومات الإقليمية للاشتراك وتشجيع الأجانب، لكنَّ ذلك لا يسيرُ بالشكلِ المطلوبِ بحسب ما تؤكّـد وكالاتُ أنباء وصحفٌ عالمية.
في المؤتمر الصحفي الذي عقدته الشركةُ، أمس؛ للإعلان عن موافقة “سوق المال” على الاكتتاب، قالت الشركةُ: إنه “لا يمكن تحديدُ تقييم الشركة في المرحلة الحالية” على الرغم من أنَّ وليَّ العهد السعودي كان قد حدّدَ ذلك التقييمَ بـ”2 تريليون دولار”، وهو الرقمُ الذي أثار جدلاً بعدَ هجمات الرابع عشر من سبتمبر، إذ نقلت العديدُ من وكالات الأنباء والصحف الأجنبية عن خبراءَ ومستثمرين أجانب بأنه لا يمكن أن يتجاوزَ التقييمُ 1.2 تريليون؛ بسبَبِ تأثّرِ وضعِ الشركة بعدَ الضربات.
وفي هذا السياق، قالت وكالةُ رويترز للأنباء مؤخّراً: إنَّ “أرامكو” تجتمع مع مستثمرين؛ للوصول بالاكتتاب إلى تريليونَي دولار، وأضافت أنَّ “الفشلَ في الوصول إلى هذا الهدفِ من شأنه أن يُسبّبَ معضلة لابن سلمان”، وهو الأمرُ الذي يكشفُ المأزقَ السعوديَّ الحاليَّ، ويؤكّـد أنَّ الرياضَ عاجزةٌ عن تجاوز التأثير الذي لحقَ بالشركة جرّاءَ الهجمات الأخيرة.
هذا ما أكّـدته وكالةُ “بلومبيرغ” للأنباء أَيْـضاً، والتي قالت مؤخّراً: إنَّ على وليّ العهد السعودي أن يرضى بقيمةٍ أقل للاكتتاب إذَا كان يريدُ الصفقةَ أن تتمَّ، وهو ما يعني “المعضلةَ” التي تحدّثت عنها رويترز.
بالتالي يُمكن القولُ إنَّ الضرباتِ اليمنيةَ قد وضعت ابنَ سلمان بين خيارين لا يحبّذهما وهما: إما تأجيل الاكتتاب أكثر، وهو ما قد ينطوي على هبوط تقييم الشركة أكثر إذَا حدثت ضرباتٌ قادمة، أَو المضي في الاكتتاب بقيمةٍ أقل، وهو ما يمثّل خسارةً لخُطط ابن سلمان، كما إنَّ هذا الخيارَ لا زال يصطدمُ بتخوّف المستثمرين الأجانب.
وفي هذا السياق، أضافت بلومبيرغ أَيْـضاً أنه إذَا أرادَ وليُّ العهد السعودي الاستمرارَ بالاكتتاب فإنَّ الأمرَ سيعتمدُ بشكلٍ كبيرٍ على الأموال الداخلية، مؤكّـدةً أنَّ الحكومةَ السعوديةَ تمارس ضغوطاتٍ كبيرةً على الأسر الثرية للمشاركة، وأنها طلبت من مديري الأصول المحليين، بمن فيهم الذين يرعون الأموال الحكومية، تقديمَ مساهماتٍ كبيرة، كما طلبت من البنوك المحلية الإقراضَ بسخاءٍ؛ ليتمكّن مستثمرو التجزئة من شراء الأسهم، في الوقت الذي كشفت “رويترز” أنَّ أرامكو اتّصلت ببعض الحكومات، ومنها الخليجية؛ لدعم الاكتتاب لكنَّ البعضَ استقبل الأمرَ ببرودة.
يؤكّـد هذا على أنَّ السعوديةَ لا تستطيع إخفاء المأزق الذي تعيشه بخصوص تدهور الشركة، كما يؤكّـد على استمرار قلق المستثمرين الأجانب، وهو الأمرُ الذي يجعل من المضي في طرح الشركة للاكتتاب، مغامرة خاسرة لولي العهد السعودي.
وحتى ضغوطات النظام السعودي على الأسر الثرية لا يبدو أنها تسيرُ كما يجب، إذ تقول صحيفةُ “فايننشال تايمز”: إنَّ رجالَ الأعمال في السعودية متخوفون من حملة اعتقالات جديدة؛ بهدفِ الاستيلاء على أموالهم، وهو ما يدفعهم لنقلها للخارج، الأمر الذي يعني أنه حتى إذ تجاهل ابنُ سلمان قلقَ وعزوفَ المستثمرين الأجانب، وانخفاضَ تقييم الشركة، ومضى في الاكتتاب معتمداً على أموال الأثرياء السعوديين، فإنّه إلى جانب تراجع الصفقة التي ظل يخطّط لها لأعوام، سيواجه أزمةً مع الأسر الثرية والنافذة في المملكة.
خلاصة القول: إنَّ الضرباتِ اليمنيةً قد بعثرت خططَ ابن سلمان بخصوص أرامكو، وجعلته أمام خيارات صعبة كلُّها محكومةٌ بالتأثير التي أحدثته الضربات على الشركة، وكلها تثبت أنَّ السعوديةَ فشلت في تجاوز ذلك التأثير.