ماذا تعرفُ عن وثيقة مؤتمر كامبل بانرمان؟
عبدالعزيز أبو طالب
على مدى سنتين اجتمعت عدةُ دول استعمارية أوروبية (بين 1905 – 1907) وبدعوة من زعيم حزب المحافظين البريطاني هنري كامبل بانرمان، الذي دعا الدولَ الأوروبية الاستعمارية حينها وهي: بريطانيا، فرنسا، هولندا، بلجيكا، إسبانيا، إيطاليا، البرتغال.
وفي المؤتمر الاستعماري تحدّث بانرمان أمامَ مندوبي الدول الاستعمارية قائلاً: (إن الامبراطورياتِ تتكوّنُ وتتسعُ وتقوى ثم تستقرُّ إلى حَدٍّ ما ثم تنحلُّ رويداً رويداً ثم تزولُ، والتاريخ مليئ بمثل هذه التطورات وهو لا يتغيّرُ بالنسبة لكل نهضةٍ ولكل أُمَّة، فهناك امبراطورياتٌ مثل: روما، أثينا، الهند والصين وقبلها بابل وآشور والفراعنة وغيرهم”.
ثم يوجّه إليهم السؤال: “هل لديكم أسبابٌ أَو وسائلُ يمكن أن تحولَ دون سقوط الاستعمار الأوروبي وانهياره أَو تؤخر مصيره؟
ويستطرد بانرمان: “… وقد بلغ الآنَ الذروةَ وأصبحت أوروبا قارةً قديمةً استنفدت مواردَها وشاخت مصالحَها، بينما لا يزالُ العالمُ الآخرُ في صرح شبابه يتطلعُ إلى المزيد من العلم والتنظيم والرفاهية، هذه هي مهمتُكم أيها السادة وعلى نجاحها يتوقف رخاؤنا وسيطرتنا…».
فهو يخيّرهم بين البقاء على القمة أَو الانهيار أمام القوة الصاعدة والمنافسة وهي تلك الدول المشاركة لأوروبا في البحر الأبيض المتوسط (الدول العربية).
فقد أكّـد بانرمان أن تلك الدولَ التي تسيطر على جنوب البحر المتوسط وغربه تمتلكُ من المقومات ما يجعلُها قوةً عظمى، فديانتُها واحدةٌ ولُغتُها واحدةٌ وثقافتها واحدةٌ وجغرافيتها متصلةٌ، كما أنها تمتلكُ القيادةَ الروحية؛ باعتبارها مهبطَ الديانات الثلاث.
وقد شارك في الاجتماع إلى جانب السياسيين الكثيرُ من الفلاسفة ومشاهير المؤرِّخين وعلماء الاستشراق والاجتماع والجغرافية والاقتصاد، إضافةً إلى خبراء في شؤون النفط والزراعة والاستعمار.
لعل أبرزهم:
البروفيسور جيمس: مؤلف كتاب «زوال الامبراطورية الرومانية».
البروفسور لوي مادلين: مؤلف كتاب: «نشوء وزوال امبراطورية نابليون».
أهم التوصيات التي خرج بها المؤتمر (وثيقة بانرمان):
باعتباره مؤتمراً استعمارياً فلا يتوقعُ أن يخرُجَ منه سوى توصيات عدوانية تجاه تلك الدول التي اعتبرها المؤتمرُ عدوةً للثقافة الغربية ومصادمةً لها، فقد تقرّر:
1- الإبقاءُ على المنطقة العربية مفكَّكة!! جاهلةً!! متناحرةً!! وفي سبيل تحقيق تلك الغاية تم تقسيمُ العالم إلى ثلاث فئات كالتالي:
الفئة الأولى: دولُ الحضارة الغربية المسيحية (أوروبا وأمريكا الشمالية وأستراليا)، وهذه الدول يحبُ دعمُها مادياً وتقنياً؛ لتصبحَ الأقوى والأكثر ازدهاراً.
الفئة الثانية: دولٌ لا تقعُ ضمن الحضارة الغربية المسيحية، ولكن لا يوجدُ تصادمٌ حضاري معها ولا تشكل تهديداً عليها (دول أمريكا الجنوبية واليابان وكوريا وغيرها)، والواجب تجاه هذه الدول هو احتواؤها وإمْكَانيةُ دعمها بالقدر الذي لا يشكلُ تهديداً على الدول الاستعمارية ولا على تفوقها.
الفئة الثالثة: دولٌ لا تقعُ ضمن الحضارة الغربية المسيحية ويوجد تصادم حضاري معها وتشكّل تهديداً لتفوقها (وهي بالتحديد الدول العربية بشكل خاص والإسلامية بشكل عام)، والواجب تجاه هذه الدول هو حرمانُها من الدعم ومن اكتساب العلوم والمعارف التقنية وعدم دعمها في هذا المجال ومحاربة أي اتّجاه من هذه الدول لامتلاك العلوم التقنية.
2- محاربةُ أية محاولة للتوحيد بين هذه الدول العربية.
3- فصلُ الدول العربية الآسيوية عن الدول العربية الإفريقية، وذلك بزراعة كيان مُوالٍ للغرب يقوم بتهديد الأمن العربي وفصل شرقه عن غربه.
وبالفعل فقد تم تنفيذ كُـلّ تلك المقرّرات المشؤومة، فكانت أهم مخرجاته على أرض الواقع هو اتّفاقية سايكس بيكو 1916 والتي قسمت الدول العربية بين الدول الاستعمارية.
وفي العام 1917 صدر وعد بلفور بإنشاء وطن قومي لليهود وذلك بعد اتّفاق بين الحركة الصهيونية وبريطانيا على أن يتم إنشاءُ الكيان الصهيوني بشرط أن يتم دعمه غربياً بينما يكون موالياً للغرب وأداة لضرب العرب وتفكيكهم.
أما على مستوى العلم والتقدم العلمي فما نراه اليوم خير دليل على تلك المقرّرات فما خلفه الاستعمار من الجهل والتجهيل ثم حملات الغزو الفكري والثقافي وحمان العرب من امتلاك التكنولوجيا الحديثة واغتيال أي عالم يبرز في العلوم الحديثة أَو احتواءه وتهجيره إلى الغرب، واليوم يتم استكمال المخطّط بتفكيك الدول العربية القائمة بعد اتّفاقية سايكس بيكو قبل مِئة عام.
ورغم الجدلِ الحادِّ حول هذه التسريبات عن الوثيقة التي خرج بها المؤتمر، هل لها مرجعٌ معترَفٌ به أَو وثيقة موجودة إلا أن الواقعَ يشهدُ بصحة ما ورد فيها، مع العلم أن الأرشيفَ البريطاني يقومُ بإتلاف بعضِ الوثائق التي تضُرُّ بمصلحة الدولة البريطانية أَو تسبِّبُ لها مشاكلَ مع الدول الأُخرى خَاصَّةً إذَا كانت تتضمنُ مؤامراتٍ كما هو حالُ وثيقة بانرمان الخطيرة.