ميدانُ السبعين يحتضنُ أكبرَ احتشاد جماهيري للمحتفلين بذكرى مولد النبي الأعظم
صنعاء.. العاصمةُ المحمدية
المسيرة | خاص
مثلما احتفظ تأريخُ الرسالة المحمدية لليمنيين بأنصعِ صفحات الوفاء والمحبَّة لرسول الله، والتي سطّرها الأنصارُ وكبارُ الصحابة والسابقون الأولون بمواقفَ إيمانيةٍ منقطعةِ النظير، ها هي مناسبةُ المولد النبوي الشريف تحتفظ لهم عاماً بعد عام بمركَزِ الصدارة على مستوى العالم في مظاهر الاحتفاء والابتهاج والفرحة، فمع أول طلوعٍ لهلال ربيع الأول من كُلِّ عام، تدخُلُ اليمنُ في أجواء عيدية استثنائية تتزين فيها شعباً وأرضاً؛ لاستقبال ذكرى مولد رحمة الله للعالمين، ليس مزايدةً ولا تَرَفًا، وإنما حنيناً وشوقاً ورثه أنصارُ اليوم من أنصار الأمس جيلاً بعد جيل؛ وتأكيداً لولاءٍ صادق يتجاوز حدودَ الزمن، واضعاً الأحفادَ في مقاعد الأجداد التي بوّأهم إياها رسولُ الله للقتال في بدر، في الوقت الذي أصبحت فيه اليمنُ كلها ساحةَ “بدر” يتجدّدُ فيها تحقُّقُ وعد الله بنصر المؤمنين وتثبيتهم.
من منطلق هذه الهُوية الأصيلة وهذا الارتباط الوثيق، وبعدَ أسابيعَ من التحضير والتزين، كانت العاصمةُ صنعاءُ، أمس السبت، على موعدٍ مع أكبر خروجٍ جماهيري مليوني؛ لإحيَاء مناسبةِ مولد خاتم الأنبياء وسيِّد ولد آدم، محمدٍ صلواتُ الله عليه وآله.
وكعادتها، تفوّقت بذلك الخروجِ الكبيرِ على كُـلّ عواصم العالم، ويليقُ بها ذلك، فهي عاصمةُ الشعب الذي اختصه صاحبُ المناسبة دونَ شعوب العالم بشهادة الإيمان والحكمة، وهي عاصمةُ الجِهة المُبَارَكة التي وجد صلواتُ الله عليه وآله من قبلها “نَفَسَ الرحمن”.. هي العاصمة المحمدية بلا منازع.
“بالأمس بايعناك تحتَ شجيرة.. واليوم تحت الميج والرافال”.. هكذا خاطبت قلوبَ المحتشدين في ميدان السبعين رسول الله صلوات الله عليه وآله، مجدّدةً بيعةَ الوفاء وعهدَ المحبة.
قدموا وعلى ملابسهم غبارُ أنقاض المنازل التي دمّرها العدوان، ودماء الأطفال الذي قتلتهم طائرات أمريكا وإسرائيل، لكن رؤوسَهم لم تكن منحنيةً، بل ارتفعت شامخةً وهم يردّدون هُتافَ الحرية، كما يليقُ بأحفاد من قالوا يوماً للنبي “واللهِ لو خُضْتَ بنا هذا البحر لخُضناه معك ما تخلّف منا رجلٌ واحد”.
من كُـلِّ الفئات العُمرية، ومن كُـلّ التيارات الدينية والسياسية والثقافية -مواطنين وقياداتٍ، جرحى ومجاهدين، رجالاً ونساءً- جمعهم ميدانُ السبعين جميعاً تحتَ شعار واحد في نموذج مشرِّف للوَحدة التي جاء رسولُ الله صلواتُ الله عليه وآله ليرسِّخَها.
وأضفت جهودُ اللجان الأمنية واللجان التنظيمية ذلك المشهدَ الجماهيريَّ المحمدي أَلَقًا استثنائياً؛ لتكشِفَ عن اقتدارٍ وتميز ويقظةٍ عالية المستوى في خدمة ضيوف رسول الله الذين افترشوا جميعاً الأرضَ رافعين شعاراتٍ وراياتٍ كلها متوجّـةٌ باسم خاتم الأنبياء، فيما ألقيت على مسامعهم فقراتُ الفعالية، الخِطابية، والإنشادية، والشعرية، والتي امتلأت كلها بذكرِ رسول الله، والتعبيرِ عن التمسك به والتعهّد بنُصرة رسالته والصمود على منهاجه كما يليق بأنصاره.
بعد ذلك، أطلَّ قائدُ الثورة مباركاً ومهنئاً، ليُعيدَ على أسماع أحفاد الأنصار التوجيهاتِ والتعاليمَ الإيمانية التي سمعها أجدادُهم من رسول الله، أنصتوا لحديثه، بينما تستعيدُ قلوبُهم ذكرياتِ العهد الأول، وكأنه لم يمضِ.
وفي اللحظة التأريخية الفارقة التي تحدث فيها القائدُ عن “إسرائيلَ” معلناً أن اليمن لن يتردّدَ في استهداف الكيان الصهيوني إذَا تورّط في أية “حماقة”، لم تستطع الهتافاتُ إلا أن ترتفعَ بكل حماس، وبلسان حال آبائهم الأنصار، قالت صرخاتُ الجماهير: “امضِ بنا حتى بيت المقدس، ولن يتخلفَ منا رجلٌ واحد”، فلا أحبَّ إلى قلوب اليمنيين من منازلة عدوِّ الأُمَّــة الأكبر ومغتصِبِ أرضها ومقدَّساتها.. وهكذا لم ينتهِ الاحتفالُ بانتهاء الفعالية، فالفرحةُ بمولد رسول الله صلوات الله عليه وآله، تضاعفت بالفرحة بالبشائر التي زفَّها قائدُ الثورة بوعيدِه للكيان الصهيوني وقوى العدوان.