خواطرُ في ذكرى المولد النبوي الشريف 2 _ ٢
محمد أمين الحميري
نكمِلُ ما تناولناه الأسبوع الماضي في هذا الصدد، ومما نستحضرُه اليومَ:
سادساً: بالقرآن الكريم غيّر الرسولُ -صلّى اللهُ عليه وآله وسلَّم- واقعَ الحياة، فأوجد الفردَ الواعيَ والمجتمعَ الراقيَ، وأرسى دعائمَ الحكم على أَسَاس العدل، فاستقامت حياةُ الأمَّة واستبان سبيلُ الحقِّ من سبيل الباطل، وبالقرآن ذاته تستطيع الأمَّةُ اليومَ تغييرَ واقع حياتها والانتقال من حالة الجاهلية التي تعيشها إلى حالة الصحوة والتقدّم، فالقرآن موجودٌ وورثةُ الرسول في تبصير الأُمَّـة وقيادتها على ضوء القرآن وحركة الرسول موجودون، فكلُّ من قدّم القرآنَ للأُمَّـة كمنهج حياة وعَمِلَ على ربط الأمَّة بنبيها هو من وَرَثَة الرسول وأَعْلام الهدى العلماء الربانيين الذين ينبغي على الأمَّة الالتفافُ حولهم لتحقيق التطلعات السامية.
سابعاً: كلما كانت العودةُ إلى القرآن الكريم واعيةً وراشدةً وصَحَّ الاقتداءُ بالرسول -صلّى اللهُ عليه وآله وسلَّم- تجلّت فضائحُ أصحاب الوعي المنقوص ومَن سلكوا مسارَ التضليل والتحريف والتزييف طيلةَ عقودٍ، فلم تجنِ الأمَّةُ من ورائهم سوى الفُرقة والشتات، وكان التخلّفُ والتيهُ والتخبّطُ هو السائدَ، ولم يتوقّف الأمرُ عند هذا، فقد تماشوا مع هذا الواقع وشرعنوا لضرورة القبولِ به باسم الله والرسول، وهذا أعظمُ جرمٍ؛ لأَنَّ تعاليمَ الله وهديَ رسوله في الحقيقة سبيلٌ إلى الوعي والرشاد والصحوة والنهوض، والأمَّة في ارتقاء مستمرٍّ لا انحطاط أَو ضياع وعدوُّها يتسلّط ويتجبّر.
ثامناً: أرسل اللهُ نبيّه محمداً -صلّى اللهُ عليه وآله وسلَّم- رحمةً للعالمين، والاحتفاءُ بمناسبة ميلاده هُو فرصةٌ للاقتداء به في كُـلّ وقتٍ وحين في باب الدعوة إلى الله وكيف كان رحيماً وحريصاً على أمَّته، ومن مخرجات هذه الرحمة التي لا بُدَّ من مراعاتها اليوم:
– إدراكُ الداعية والمثقّف وَ… أنَّ بِنَاءَ وعي المجتمع يقوم أولاً على أَسَاس معرفة أسباب غياب الوعي الرشيد في مختلف القضايا.
– ومن ثم سلوك سياسة الحكمة والموعظة الحسَنة في المعالجة على ضوء المعرفة الشمولية لحيثيات التجهيل والتزييف للحقائق.
– ومعرفةُ حال المدعو وخصوصياته، وأن يتوفّرَ في المتصدِّرين للتوعية العلمُ والمعرفةُ في الأفكار الصائبة التي يدعون إليها.
– والتحلي أَيْـضاً بروحِ الإنصاف والعدل عند التقييم، والقدرة على الإقناع والتأثير عند الطرح.
– ومن أجل نجاح الداعية: عليه التركيزُ على دفع الناسِ إلى الالتفاف حولَ القواسم المشتركة الجامعة وترك الأمور التي تتباين فيها وجهاتُ النظر إلى مراحلَ أُخرى، وكلما كان استنهاضُ المجتمع حول الأمور الجامعة بدأت رقعةُ الخِلاف تضيقُ دائرتها، وهكذا حتى حصول التحوّلات الإيجابية بعون الله على مستوى التصوّر والسلوك في واقع المجتمع أفراداً وجماعاتٍ، ومناسبةُ المولد النبوي الشريف هي فرصةٌ للالتفاف حول نبيّنا الكريم “فالرسولُ يجمعنا” فلا حزبيّة ولا طائفيّة ولا مذهبيّة ولا عنصريّة، ومعاً لإيقاف المتربّصين بالأمَّة الدوائرَ من أعدائها وأذيالهم في أوساطنا ممن كان لهم الدورُ السيئُ في تضخيم الخلاف الداخلي بيننا والعمل على دفع بعضنا البعض للتأجيج والتحريض تحت شعاراتٍ مختلفةٍ، يكفي تنازع وتراشق، وخَاصَّة نحنُ في اليمن لا يوجد ما يدعو لاستمرار الفُرقة والنزاع والشتات الحاصل، واللهُ يقولُ عن نبيه الكريم عليه وآله أفضلُ الصلاة وَأزكى التسليم: (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ) فلنتمثّلْ هذا النهجَ العظيمَ يكون الفوز في الدارين.
تاسعاً: ماذا بعد هذه المناسبة ؟!، باختصار: (التوحيد والاتّباع والتزكية) قضايا رئيسيةٌ علينا كأمَّة أن نستحضرَها في كُـلّ أوقاتنا وجميع شؤوننا، وبهذا نجسّد الاقتداءَ والتأسّيَ برسولنا -صلّى اللهُ عليه وآله وسلَّم- وأن نستحضرَ مع هذه القضايا الوضوحَ في مبدأ الولاء وَالبراء ومقاومة الفساد والطغيان في الأرض؛ من أجل إقامةِ الحقِّ والعدلِ، وتكون مناسبةُ المولد النبوي بمثابة المحطّة التي نتوقّف فيها للتجديد من إيماننا بالله ورسوله والتقييم لأنفسنا وواقعنا وإيصال ما يناسب من رسائل.
وفّقنا اللهُ والجميعَ لما فيه رضاه.