قضيّةٌ لا تقبل النسيانَ
علي المؤيد
ثمّة خسائر هائلة تتكبّدها القطاعاتُ الإنتاجيةُ المختلفةُ كالشركات الصناعية والتجارية العامّة والمحدودة والمقاولات العامّة وغيرها، لكن لم يتم حتى اللحظة إعدادُ رؤية خاصّة بحصر وتقييم الخسائر التراكمية على أساسٍ اقتصاديٍّ وبأسلوب علميٍّ، التي إذ قد تصلُ تلك الأضرارُ الملموسة وغير الملموسة إلى أضعاف المبالغ الظاهرية التي تمثل الخسائر الناتجة عن الموجودات المدمرة كليًّا أو جزئياً دونَ التطرّق إلى الأضرارِ الكليّةِ وكامل الخسائر التراكمية، وهذه الأخيرةُ يمكن البناءُ عليها فعلياً سواءً ضمن الفعاليات والبرامج التعريفية والحقوقية في الوقت الراهن، أو ضمن التحركات الخارجية باتجاه تفعيل الأُطر القانونية المتاحة من خلال الجهات القانونية الدولية مستقبلاً.
وبشكلٍ أوضحَ يمكن القولُ إن من المهمِّ حالياً البدءَ بحساب الخسائر المترتبة على تعطيل المؤسسات العامّة والخاصّة وتوقّف المصانع والمزارع والمعدات الصناعية والإنتاجية، مضافاً إليها المبالغَ المرتبطة بالإهلاك السنوي للآلات والمعدات وكذا مجموع ما تمَّ إهدارُه من طاقة الموارد المادية والبشرية الراكدة؛ بسبَبِ العدوان والذي يُعبّر عنه -فيما يخصُّ الموارد البشرية- بمقدار الانخفاض الحاصل في متوسط دخل الفرد وفي الدخل القومي، أيضاً من خلال حساب الأثر المالي السلبي الناتج عن البطالة الإجبارية للكوادر المنتجة فضلاً عن الخسائر الناتجة عن انعدام الفرص الإنتاجية الاعتيادية نتيجةَ القصف والحصار وما شابه، مضافاً إليها إجمالي ما تمَّ استنزافُه من رؤوس الأموال الأساسية الخاصة بالجهات الرسمية والقطاع الخاص على حدٍّ سواء.
وقد يكون من المناسب البدءُ بتكوين الملفات الخاصّة بالحصر الشامل لتفاصيل وجزئيات الخسائر الاقتصادية الشاملة ومجمل الخسائر التراكمية وفقاً للأسس المهنية مع الاستفادة من النقابات والغرف التجارية والاتّحادات وغيرها من الجهات الممثلة للقطاعات الإنتاجية والخدمية والعمالية المرتبطة بدورة رأس المال مع إمكانية الاستعانة بالجهات المسئولة عن حساب الناتج القومي، وانطلاقاً مما هو متوفّر ضمن أرشيف الجهات والمنظّمات المعنية بالرصد والتوثيق، ومن ثم تنقيح واستدراك النواقص في البناء المعلوماتي بمنهجيةٍ واضحةٍ بالشكلِ الذي يكفل تقييمَ الأضرار الكليّة بأثمان عادلة وبصورة مهنية، ثم العمل على توثيق الحصيلة النهائية وتنقيحها وتحديثها بشكلٍ دوريٍّ يتم فيه معادلةُ القيم والمبالغ النهائية بما يقابلها من العملات الصعبة أو الذهب، بما يؤكّد للعدوِّ والصديقِ مدى جدية الأمر؛ باعتباره قضية حقوقية وطنية غير قابلة للطي والنسيان ولن تسقطَ بالتقادم.
ويُفضّل كذلك أن يتمَّ تحديدُ جهة مختصة بعينها أو تكليف عدد من ذوي الكفاءة والاختصاص بالتنسيق والإشراف الفني على مراحل جمع وتحديث لقاعدة البيانات مع أهميّة إضفاء نوع من الاستقلالية على هذا العمل، وبالشكل الذي يكفلُ بلورةَ كلّ الجهود لإخراج قاعدة بيانات وطنية حقيقية وشاملة ومقبولة يمكن الاستنادُ إليها مستقبلاً في تفعيل مسارات تحميل دول العدوان الغاشم مسئوليةَ كافة الاستحقاقات الإنسانية والقانونية المباشرة وغير المباشرة الناتجة عن عملياته العسكرية والقتل المباشر وغير المباشر، وإلزامها باستيفاء كامل التعويضات المترتبة على تداعيات الحصار الاقتصادي وتدمير البنى التحتية، وما يلحق بذلك من آثارٍ ملموسة وغير ملموسة على امتداد خارطة الممارسات العدوانية وَالانتهاكات الإجرامية خلال سنوات العدوان.